الإنتاج السينمائي في المغرب: من سؤال معايير الدعم إلى سؤال الإقصاء

الإنتاج السينمائي في المغرب: من سؤال معايير الدعم إلى سؤال الإقصاء
عبد العزيز بنعبو
الرباط –جاء خبر تعيين أعضاء لجنة «دعم الإنتاج السينمائي» في المغرب، ليضيف أسئلة جديدة إلى تلك السابقة التي ما زال بعضها عالقا، وتوزعت التعليقات بين مُنتقد كالعادة وبين مرحب، فيما اختارت فئة الانزواء في المنطقة الرمادية دون أي موقف يذكر.
وجاءت تشكيلة اللجنة مفاجئة بالنسبة لعموم متتبعي الفن السابع في المغرب، حيث أوكلت رئاستها لأمين ناسور، وهو مخرج وممثل مسرحي، وضمت في عضويتها كلا من: بيسان خيرات، وكريم الدويشي، وبشرى مازيه، ومحمد السعودي، وفؤاد شالة، ووجدان خالد، وسيدي محمد الادريسي، شناز العكريشي، وعبد الله صادق، وخديجة فضي.
وتتمثل مهمة لجنة «الدعم السينمائي» التي تعمل تحت إشراف «المركز السينمائي المغربي» (مؤسسة عمومية) في تقييم المشاريع السينمائية من خلال فحص ودراسة الطلبات المقدمة من المنتجين والمخرجين، وفقًا لمعايير فنية وإبداعية. وتعمل على تخصيص منح مالية للأفلام في مراحل مختلفة، مثل: دعم ما قبل الإنتاج لمساعدة المشاريع على بدء التنفيذ، ودعم الإنتاج لتمويل تصوير الأفلام، ودعم ما بعد الإنتاج لمساعدة الأفلام على إنهاء عمليات المونتاج والتوزيع، علاوة على تشجيع الإنتاج المشترك بدعم التعاون بين المنتجين المغاربة والأجانب لتعزيز مكانة السينما المغربية دوليًا، ودعم الأفلام الوثائقية حول الثقافة والتاريخ المغربي خاصة التي تتناول قضايا مرتبطة بالصحراء المغربية.
تساؤلات
وطرحت التخصصات الفنية لمعظم المعينين في اللجنة المُعيّنة حديثا تساؤلات كبيرة حول أسباب استبعاد السينمائيين لفائدة متخصصين في المسرح أو الإنتاج التلفزيوني، كما ورد في تدوينة للإعلامي والناقد الفني عادل السمار الذي كتب أن «أمين ناسور مخرج مسرحي أثبت علوّ كعبه في مجال المسرح، وهو أحد الأسماء المعوّل عليها لضخ دماء جديدة في المسرح المغربي. ولكن لا أعرف له تجربة أو بصمة في السينما».
وتساءل السمار «ما هو معيار اختياره كرئيس للجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية؟» وفي رأيه فإن «وحده الوزير محمد المهدي بنسعيد وحوارييه من يعرفون الجواب»، وأضاف أن «أمين ناسور ليس استثناء، فأغلب أعضاء اللجنة لا يعرف عنهم تجربة أو معرفة بالمجال السينمائي وينتمون لمجالات أخرى، خاصة الإنتاج التلفزي».
في مقابل ذلك، انبرى فريق ليدافع عن شمولية الإبداع، ومنها أن «المسرح هو أبو الفنون» وغيرها من الدفوعات. لكن الهاجس الأكبر الذي يبقى أو السؤال الأعظم الذي سيطرح يتعلق بنتائجها بعد استئناسها بأجواء دراسة ملفات الأفلام المرشحة لنيل الدعم العمومي.
من جهته، اغتنم وزير الثقافة فرصة تعيين أعضاء اللجنة المذكورة لاستعراض الجهود التي تبذلها وزارته بمعية المركز السينمائي المغربي «من أجل النهوض بالصناعة السينمائية الوطنية وتطويرها لترقى إلى مستوى تطلعات البلاد»، وأكد أن «الرهان اليوم هو تفعيل رؤية جديدة قوامها تشجيع الاستثمار الوطني والانفتاح على الخبرات الأجنبية في المجال، سواء من حيث الممارسة المهنية أو تشجيع الإنتاج المشترك وطنيا كان أو أجنبيا، وضمان مناخ إيجابي لعمل التقنيين المغاربة والأجانب، من أجل خلق نموذج اقتصادي مستقل وقادر على خلق فرص الشغل والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب».
كما شدد على أن «الغاية المثلى من تفعيل منظومة الدعم العمومي هي الرفع من جودة الإنتاج الوطني والرفع من آليات الإشعاع الدولي للسينما المغربية في إطار التعريف بالثقافة والحضارة والهوية المغربية متعددة الروافد بالمحافل الدولية ذات الصيت العالمي، فضلا عن الانفتاح على أسواق جديدة لتوزيع الفيلم المغربي، خصوصا بقارة آسيا وبلدان إقامة الجالية المغربية».
رأي وزير الثقافة يخالفه معظم السينمائيين خاصة من جيل «سينما المؤلف» من مخرجين أغلبهم رواد لم يهضموا بعد «سينما الشباك»، لأن هذه الأخيرة لا تحتاج إلى دعم، فهي تجارية وتحقق الأرباح التي لا يمكن أن تحققها سينما الفكرة والموضوع.
مَن يستحق الدعم ومن لا يستحقه… نقاش طويل بطول سنوات اللجنة التي كلما اجتمعت بات الكل يترقب، وكلما أعلنت نتائجها قامت الدنيا ولم تقعد، وتكثر التفسيرات والتأويلات والتحليلات، ناهيك عن البيانات وربما حتى الشكايات وغيرها من أنواع التعبير عن الرفض والاستنكار والاستياء، بسبب ما أسفرت عنه مداولات أعضائها.
وتحظى مداولات لجنة دعم الإنتاج السينمائي باهتمام بالغ، وبالكثير من الانتقاد، ويحتد الجدل في كل مرة لأسباب أهمها «إقصاء» بعض مشاريع الأفلام، لمخرجين بعينهم، وفق المتداول باستمرار عقب كل بيان يعلن من خلاله المركز السينمائي المغربي عن لائحة الأفلام المقبولة.
وتطرح نماذج لأفلام نجحت ولم تنل رضى لجنة الدعم، كما هو الحال مع فيلم «نايضة» للكوميدي سعيد الناصري، الذي فضل عرضه على منصته في «يوتيوب»، وحقق نسبة مشاهدات قياسية في أيام معدودة، لكن ذلك النجاح لم يخف الجوانب السيئة في العمل وكيف أنه ينقصه الكثير كي يكون مكتملا، وفق نقاد ومحللين.
من سؤال «الإقصاء» إلى سؤال المعايير وسؤال تفضيل شركات انتاج دون البقية، كما ورد في سؤال مكتوب في البرلمان. وبين هذه الأسئلة يطرح المشاهد سؤاله الخاص بشأن الإنتاج الذاتي واجتهاد الفنان بينما يتكاسل في حالة الإنتاج العمومي، وينجح في «يوتيوب»، لكن بمجرد استفادته من الدعم يصبح مثل البقية، ويستأنس الروتين ويعتاد اللحظة في انتظار مناسبة أخرى.
تصريحات
الحديث عن دعم الإنتاج السينمائي حديث يجر خلفه تجربة سنوات وليست مجرد دورات عابرة، بل هي أعوام ساهمت بشكل أو بآخر في صناعة المشهد السينمائي المحلي، لكنه ـ في رأي العديد من المتتبعين ـ تراجعت في السنوات الأخيرة. وهو ما أوضحه الناقد السينمائي مصطفى الطالب مشيرا إلى أنه «منذ رحيل نورالدين الصايل (اتفقنا أو اختلفنا معه) والمركز السينمائي المغربي يعرف تراجعا على مستوى أدواره الإدارية والفنية في المشهد السينمائي المغربي وخاصة فيما يتعلق بالنهوض بالسينما المغربية والسياسة الإشعاعية التي كان يقوم بها».
ويرى الطالب متحدثا لـ «القدس العربي»، أنه كما لو تم تقزيم دور المركز السينمائي المغربي «والدليل على ذلك لم يتم بعد تعيين مديره وفتح باب الترشيح له»، لذلك فـ «من هنا نفهم الانتقادات الموجهة له، ثم الانتقادات الموجهة للجنة الدعم التي مؤخرا نهجت سياسة الإقصاء والتهميش للعديد من المخرجين والمنتجين، وللعديد من المواضيع ذات الطابع التاريخي والثقافي والهوياتي، لفائدة شركات إنتاج معينة تسيطر على الدعم وعلى الواقع السينمائي».
وأضاف الطالب أننا «رأينا ذلك في العديد من الحالات التي عبر أصحابها عن سخطهم اتجاه لجنة الدعم. وهذا التوجه الإقصائي لا يخدم السينما المغربية بتاتا، لأنها ستظل بنفس المعيقات ونفس المشاكل التي لا تخفى على أحد، مهما حاول البعض تجميلها وتزيينها».
من جهته، قال الناقد السينمائي والأكاديمي، محمد شويكة، إن «الباحث في مجال السينما يسعى إلى فهم كيفية تمثل المجتمع في الأفلام، ويتساءل أيضا حول تمثل الفضاء الاجتماعي والتفاعلات بين الأفراد الذين يتم تصويرهم، بمعنى أن السينما عاكسة بدرجات معينة لهوية المجتمع وذاكرته».
وبناء على ذلك يقول شويكة في تصريح لـ «القدس العربي»، «فإن الدعم الممنوح لكافة قطاعات السينما (باستثناء تصوير الأفلام الأجنبية بالمغرب) يُسائل الشكل والقصة التي تُروى من حيث عمقها وإضافتها، واختيار الإطار المناسب لتصويرها، وعمق وجهات نظرها، وما إلى ذلك، إضافة إلى خصوصية التظاهرات والمهرجانات وحرفية فريقها الفني والتقني والثقافي، وإشعاعها محليا وجهويا وإقليميا ودوليا..»
ويشدد الناقد على أننا في «حاجة ماسة إلى إصلاح هياكل الدعم كما يصدر حاليا عن بعض المهنيين والفاعلين السينمائيين لأننا نواجه فراغا إبداعيا حقيقيا، فما قيمة دعم 25 فيلم لا نستطيع أن نتذكر إلا النزر القليل منها بعد عرضه!»
وردا على سؤال النقد الموجه للجنة الدعم السينمائي، قال المخرج والناقد السينمائي عبد الإله الجواهري متحدثا لـ «القدس العربي»، إنه يعتقد «أن النقد والانتقاد دائما موجود، يعني منذ أن وجد ما يسمى بصندوق الدعم في سنوات الثمانينيات، دائما من يحصل على الدعم يكون سعيدا ومن لا يحصل عليه يعبر عن سخطه وقد يلجأ إلى اتهامات وبعض التهجمات.»
ويقول الجواهري بصراحة «إن من يقبل لعبة لجنة الدعم عليه أن يقبل نتائجها، لأن عدد المنتجين كبير والمشاريع كثيرة، حيث إنه في كل دورة يقدم حوالي 60 فيلما روائيا طويلا، في حين لجنة الدعم لا يمكنها أن تمنح الدعم إلا لـ 4 أو 5 أفلام في كل دورة.»