الصحافه

هآرتس: هل ينجح الشرع في ترميم سوريا بعد اتفاقه مع الأكراد والدروز؟

هآرتس: هل ينجح الشرع في ترميم سوريا بعد اتفاقه مع الأكراد والدروز؟

وقع أول أمس اتفاق بين مظلوم عبدي، زعيم قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكري للإدارة الكردية في شمال شرق سوريا، مع الرئيس السوري أحمد الشرع. سيكون هذا الاتفاق وثيقة أساسية في دولة تناضل لإعادة بناء نفسها. انضم إلى هذه العملية أمس تقارير عن اتفاق مشابه مع الدروز في المحافظة الانفصالية السويداء جنوبي سوريا، وإن لم تتضح بعد طبيعة ودرجة قبوله في أوساط الطائفة.

إذا ما تحققت هذه الاتفاقات فستكون لها تداعيات ثقيلة الوزن على قدرة الشرع على إدارة الدولة والحصول على الشرعية، بالأساس بمساعدة دولية وعربية، وعلى مكانة تركيا في سوريا، وأيضاً تطلعات إسرائيل للاحتفاظ بمناطق محتلة في شرق هضبة الجولان وجنوبها. إضافة إلى ذلك، هذه الاتفاقات تظهر أن الشرع يعترف بصعوبة إقامة “دولة معظم أقلياتها” باستثناء الأقلية العلوية. سيطمح إلى إدارة دولته بالموافقة وليس السير في طريق الأسد الأب والابن.

لكن هناك عقبات كبيرة قابلة للانفجار، وكل منها قد تبقي هذه الاتفاقات بمثابة أوراق تاريخية تحتوي في داخلها لحظة من الاتفاق الذي لم يتحقق. الاتفاق مع الأكراد يشمل دمج كل المؤسسات العسكرية والمدنية، وكل آبار النفط والمطارات والمعابر الحدودية ووضعها تحت سيطرة الدولة. في المقابل، ربما يحصل الأكراد على حكم ذاتي ثقافي وحصة مناسبة في مؤسسات النظام ووظائف رفيعة في الجيش.

هذه العملية، التي سيحصل الجيش في إطارها على 100 ألف مقاتل كردي تقريباً، إذا انضم إليه المقاتلون الدروز، تعني إقامة جيش وطني موحد بقيادة وطنية متجانسة تضع حداً لمبنى مليشيات لقوات الأمن بقيادة الشرع. العائق الذي أخر انضمام الأكراد للجيش السوري بعد إسقاط نظام الأسد في كانون الأول، هو المطالبة بالحفاظ على إطار خاص بهم داخل الجيش السوري. من غير الواضح إذا تم الاستجابة لمطالب الأكراد، وماذا ستكون طبيعة خضوع القوات الكردية لقوات الجيش الوطني، وهل سيخدم جنودهم في المحافظات الكردية فقط كقوة دفاع أم سيعملون في أرجاء الدولة، وبالأساس كيف يمكن للاتفاق أن يدافع عن السكان الأكراد من هجمات تركيا، التي تعاملت أمس مع الاتفاق بـ “تفاؤل حذر”؟

هنا تكمن نقطة ضعف الاتفاق الأساسية؛ فهو غير منفصل عن الحاجة الكردية لتضمن لنفسها إطاراً دفاعياً ما دامت تركيا هي المسيطر على مناطق كردية وتهاجم أهدافاً ومواقع كردية. سيقتضي هذا الإطار اتفاقاً منفصلاً بين تركيا وسوريا، الذي سيحدد نطاق نشاطات تركيا وطبيعة هذه النشاطات وجدول زمني لانسحابها من سوريا. ساعدت تركيا الشرع بشكل مباشر ونشط في إسقاط نظام الأسد، وأيدته في فترة وجود “هيئة تحرير الشام”، واتحاد مليشيات المتمردين الذي أقامه الشرع وكانت قاعدته المركزية في إدلب. ثم تحولت لتكون حليفة في سوريا عندما جاءت مع رزمة وعود لمساعدة اقتصادية وبناء قوتها العسكرية.

لكن رغم الاتفاق مع الشرع، تعتبر تركيا هذه القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة، تنظيماً إرهابياً يهدد أمنها الوطني. وتطالب بنزع سلاحه وإبعاده عن مناطق الحدود. في الوقت نفسه، ثمة تقدير بأن تركيا كانت شريكة، بمعرفة وموافقة، في هذه العملية التي أدت إلى الاتفاق. يمكن الافتراض أيضاً أنها أيدتها لأنها تتساوق مع استراتيجية موازية تديرها. قبل شهر تقريباً، بدأت تركيا في عملية مصالحة مع “حزب العمال الكردستاني”، الذي يعدّ تنظيماً إرهابياً. وتدير ضده منذ الثمانينيات حرباً دموية قتل فيها 40 ألف شخص. قبل أسبوعين، في إطار عملية مصالحة، طالب رئيس حزب العمال الكردستاني، المحكوم بالمؤبد، عبد الله أوجلان، أتباعه بالتخلي عن سلاحهم وحل التنظيم الذي يعمل داخل تركيا ومن قواعد في العراق وشمال سوريا. وافقت قيادة التنظيم على وقف النار، لكنها لم توافق على نزع سلاحها، إلى حين مفاوضات تضمن حقوق الأكراد وتوقف مطاردتهم.

تعتقد تركيا أن إعلان أوجلان موجه للقوات الكردية السورية أيضاً، حيث تعتبرها جزءاً من “قوة الإرهاب” الكردية. ولكن الزعيم الكردي، عبدي، سارع إلى التوضيح بأن دعوة أوجلان لا تتعلق بهم، وأنهم سيواصلون القتال للدفاع عن أراضيهم وطائفتهم. ربما كان هذا رداً إعلانياً مطلوباً، لكن الأكراد في سوريا يعرفون جيداً أنه منذ تتويج ترامب رئيساً، فإن وقف دعم أمريكا لهم وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا تبدو مسألة وقت. بدون المساعدة العسكرية والاقتصادية، وإزاء علاقات جيدة بين رئيس تركيا والرئيس الأمريكي، بات على عبدي أن يقرر بسرعة لحماية قواته والطائفة الكردية السورية بشكل عام.

هنا وجد لقاء مصالح بين تطلع الرئيس السوري لتوحيد الدولة وإقامة قوة عسكرية وطنية، وبين حاجات الحماية للطائفة الكردية السورية وقيادتها العسكرية والسياسية، حيث مصالح أمريكية وتركية. مصدر في الإدارة الكردية العراقية، قال إن أكراد سوريا يواجهون معضلة غير محتملة.

“هذه ليست معضلة أن يكونوا أو لا يكونوا، بل كيف سيكونون. واضح أن الركيزة الأمريكية ستتحطم في ظل ترامب، وستحصل تركيا على يد حرة للعمل في شمال سوريا، كما حصلت إسرائيل من ترامب على يد حرة للعمل في غزة”، قال. “المخرج الوحيد أمامهم هو التوصل إلى اتفاق مع النظام الجديد في سوريا، ومحاولة تحقيق كل ما يمكن تحقيقه وبسرعة”. يبدو أن تقدير المصدر الكردي تحقق جزئياً. بدون اتفاق إطار بين سوريا وتركيا وبدون تدخل أمريكا، لا سيما أمام تركيا، حيث يضمن سلامة الأكراد، من الصعوبة حينئذ رؤية كيف يمكن للأكراد تجسيد الإنجازات التي صيغت في الاتفاق الموقع عليه أول أمس.

قصة الاتفاق مع الدروز أيضاً، إذا تم التوقيع حقا على وثيقة رسمية بين قيادة الشرع وقيادتهم، لم تنته بعد. الموقف “الرسمي” الذي يطرحه حكمت الهجري، الذي يعدّ الزعيم البارز والمؤثر من بين الزعماء الثلاثة الروحانيين للطائفة في سوريا، أعلن تأييده لدولة سورية موحدة، ولا يؤيد إقامة كانتون درزي يتمتع بحكم ذاتي. ولكنه اشترط انضمام المليشيات الدرزية للجيش الوطني بأن يتم تشكيل جيش كهذا، مع صياغة دستور يضمن حقوق الدروز. يبدو أن مواقف القيادة الدرزية منقسمة وغير متجانسة، بينها وبين بعض قادة المليشيات الدرزية غير المستعدين لنزع سلاحهم والاعتماد على تعهدات الشرع، الذي عملت قواته ضد الطائفة الدرزية أثناء قيادته لجبهة النصرة.

لكن مؤخراً، أضيف للدروز “قيمة” استراتيجية قد تساعدهم في الحصول على تنازلات وإنجازات أكبر من الشرع. “الحماية” التي ألقتها عليهم إسرائيل بذريعة الدفاع عنهم، التي تستخدم أيضاً كذريعة لسيطرتها على مناطق في جنوب سوريا، تزيد قوة مساومتهم أمام الشرع.

في نهاية المطاف، في الواقع في بدايته، ترى الطائفة الدرزية نفسها جزءاً لا يتجزأ من دولة سوريا، ومستقبلها مرهون بعلاقاتها مع النظام وليس مع إسرائيل. والدليل ما نشر أمس بأن المئات من أبناء الطائفة قرروا التجند في الجيش السوري، وأجريت في الميدان الرئيسي بالسويداء مظاهرات تأييد للاتفاق الذي كما يبدو تم التوقيع عليه. والمطلوب فقط هو التعامل مع مظاهر التأييد بشكل مناسب من التشكك. فهي قد تتبدل بالاحتجاج والتمرد إذا تبين أن الورق الذي كتب عليه الاتفاق لا يترجم إلى إنجازات فعلية تضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية، للدروز.

تسفي برئيل

هآرتس 12/3/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب