الصحافه

موقع يميني أمريكي يروج لادعاءات أن ضحايا التجويع في غزة ماتوا لإصابتهم بأمراض مزمنة

موقع يميني أمريكي يروج لادعاءات أن ضحايا التجويع في غزة ماتوا لإصابتهم بأمراض مزمنة

نشر موقع “ذي انترسبت” تقريرا أعدته ناتاشا لينارد قالت فيه إن لا أحد يشكك في أن من قتل آن فرانك هم النازيون وأي تلميح إلى وجود سبب آخر رئيسي لوفاتها المبكرة للغاية يعادل إنكارا بغيضا للهولوكوست، ولهذا السبب يشير منكرو الهولوكوست بالفعل إلى أن فرانك ماتت بسبب مرض التيفوس في معسكر اعتقال بيرغن بيلسن النازي.

وهذا هو بالضبط المنطق الذي استخدمه المدافعون عن إسرائيل في وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة عندما يتعلق الأمر بالتجويع المتعمد لسكان غزة.

ونشر موقع “فري برس” اليميني يوم الأحد تقريرا، صور على أنه تحقيق استقصائي، تكشف أن 12 طفلا فلسطينيا على الأقل، ممن ظهروا في صور انتشرت على نطاق واسع تصور المجاعة التي تسببها إسرائيل، لم يكونوا يتضورون جوعا فحسب، بل كانوا مرضى أيضا.

والخدعة المفترضة هي أن الأطفال ذوي الإعاقة والذين يعانون من مشاكل صحية سابقة، والذين لا يستطيعون الحصول على العلاج والتغذية التي يحتاجونها بسبب الحصار الإسرائيلي الإبادي، لا يمثلون السكان. والأمر المرعب، من وجهة نظر موقع “فري برس” أن صور هؤلاء الأطفال غير المُمثلين تُثير غضبا عالميا.

والفكرة هي أنه يفترض بنا أن نكون أقل رعبا من حقيقة أن الأطفال ذوي الإعاقات، مثل الشلل الدماغي والتليف الكيسي، يموتون جوعا في ظل سياسات الحصار المتعمدة لدولة قومية ثرية محتلة وداعميها.

 ويدعي موقع “فري برس” أن وسائل الإعلام الغربية، بتجاهلها أو ذكرها للظروف الصحية للأطفال، بالإضافة إلى سوء التغذية الذي تتسبب به إسرائيل والذي يفتك بهم، تشّه صورة إسرائيل ظلما، على الرغم من أن أفعال الإبادة الجماعية الإسرائيلية هي التي أوصلت الأطفال إلى حالة من العوز.

وقال متحدث باسم شبكة “سي إن إن” لموقع “فري برس”، بعد أن تحدث تقرير للشبكة عن نجوى حجاج، وهي فتاة تبلغ من العمر ست سنوات ظهرت في تقرير الشبكة عن المجاعة في غزة، لم تكن تتضور جوعا فحسب، بل كانت تعاني أيضا من “مرض في المريء”: “هذه المعلومات لا تغير حقيقة أن الأطفال الذين تم تصويرهم في هذا التقرير يعانون من سوء التغذية بسبب الصعوبات التي يواجهونها في الحصول على المساعدات في غزة”.

وقد تأسس موقع “فري برس” عام 2021 على يد الكاتبة السابقة في صحيفة “نيويورك تايمز”، باري ويس ويصور نفسه على أنه مكان للفكر “المخالف للتقليدية”.

ويؤجج موقع “فري برس” بنشاط إنكار الإبادة الجماعية، لكنه ليس أول وسيلة إعلامية تتخذ هذا النهج البغيض للتقليل من شأن الأمر.

ففي أواخر تموز/ يوليو، أرفقت صحيفة نيويورك تايمز، بخجل، ملاحظة مطولة من المحرر وتحديثا لقصة تظهر صورة للرضيع الهزيل محمد زكريا أيوب المعتوق، البالغ من العمر 18 شهرا، لتشمل حقيقة أنه كان يعاني من مشاكل صحية أخرى “تؤثر على دماغه ونمو عضلاته”.

عدم إدراك مؤلفي وناشري تقرير “فري برس” أن ادعاءهم يعادل في العصر الحديث الادعاء بأن أن فرانك ماتت أساسا بسبب التيفوس، يظهر جليا أنهم لا ينظرون إلى الفلسطينيين كبشر كاملين. إنها عدسة عنصرية ممقوتة، تحقرالمعاقين، ولا تستحق حتى النقاش.

 وتقول الكاتبة إنه حتى لو كان حصار إسرائيل يؤدي فقط إلى موت الفلسطينيين الذين يعانون من مشاكل صحية وإعاقات سابقة، فسنظل نواجه حالة من المذبحة التي لا تطاق والتي تستهدف ذوي الإعاقة، كما لو أن حياة الأطفال الفلسطينيين المرضى أقل قيمة. وغني عن القول أن مشروع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الإسرائيلي يستهدف جميع الفلسطينيين.

ويذهب موقع “فري برس” إلى حد الاعتراف، “ليس الأمر أنه لا يوجد جوع في غزة. بل يوجد”. وهذا تقليل من الحقيقة. فكما هو موثق جيدا ومعترف به على نطاق واسع، فإن إسرائيل تتعمد تجويع سكان غزة. وقد تجلى ذلك في كل من النية، كما عبر عنها وزراء الحكومة الإسرائيلية، والنتيجة، كما يتضح من ارتفاع عدد القتلى بسبب الجوع إلى 266 شخصا لأسباب تتعلق بسوء التغذية، وهو على الأرجح أقل بكثير من التقدير.

وكما أشار المؤرخ آدم تووز في نشرة إخبارية حديثة، فإن التجويع المتعمد لغزة من قبل إسرائيل أمر استثنائي. وهناك 11 مكانا في العالم حاليا حيث يتعرض عدد أكبر من الناس لخطر الجوع الشديد مقارنة بغزة، بما في ذلك اليمن والسودان، لكن تووز أشار إلى أن غزة حالة فريدة: “لأنها نتيجة سياسة متعمدة من قبل دولة قوية، تعتبر عموما جزءا من نادي ‘الاقتصادات المتقدمة’ الحصري، فإن التجويع الجماعي في غزة في صيف عام 2025 لا يشبه أي مكان آخر في العالم”.

وأضاف تووز أنه بينما يواجه حوالي نصف سكان اليمن والسودان وجنوب السودان وهاييتي خطر المجاعة، فإن 100% من الفلسطينيين في غزة معرضون لذلك. ويكتب أن “خطر المجاعة مطلق” في غزة.

إذا استطاع المرء، بعد قرابة عامين من الإبادة الجماعية، أن يشهد المشاهد والشهادات من غزة والتي تمثل صور هؤلاء الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية جزءا ضئيلا منها، ويجد أن المشكلة الرئيسية تكمن في قلة معرفة الناس بأن بعضا من أكثر الفئات ضعفا في الإبادة الجماعية الإسرائيلية يعانون من مشاكل صحية سابقة، فإننا لا نتحدث من منظور إنساني مشترك.

وتعلق الكاتبة قائلة:أجرؤ على القول إنه لا يوجد ما يمكن لمثل هذا الشخص أن يراه من معاناة الفلسطينيين، مما يسمح له بتغيير نظرته للعالم في هذه المرحلة، لأن إنسانية الفلسطينيين مستبعدة مسبقا بالنسبة له.

وتقول إن عدم إدراك مؤلفي وناشري تقرير “فري برس” أن ادعاءهم يعادل في العصر الحديث الادعاء بأن أن فرانك ماتت أساسا بسبب التيفوس، يظهر جليا أنهم لا ينظرون إلى الفلسطينيين كبشر كاملين. إنها عدسة عنصرية ممقوتة، تحقرالمعاقين، ولا تستحق حتى النقاش.

فالنظرة العالمية التي تعلي من شأن استقامة إسرائيل في جوهرها تقاوم زعزعة هذه الصورة، حتى من خلال صور الأطفال والرضع الذين يجوعون ويذبحون بشكل منهجي. ففي نهاية المطاف، اضطرت الدعاية الصهيونية لعقود إلى تفسير حقيقة أن إسرائيل تشوه الأطفال وتسجنهم وتذبحهم. لم تبدأ صور الأطفال والرضع الفلسطينيين القتلى بالانتشار فقط في مرحلة الإبادة الجماعية هذه من النكبة المستمرة.

فقبل عقد من الزمان، كتب تشارلز كراوثامر والذي كان كاتب عمود صهيوني في صحيفة “واشنطن بوست”، مقالا بعنوان “الوضوح الأخلاقي في غزة”، أشاد فيه بأفعال إسرائيل خلال هجومها على غزة عام 2014، الذي أودى بحياة أكثر من 2,000 فلسطينيا، من بينهم أكثر من 500 طفلا. وانتشرت حينها أيضا صور فظائع، بما في ذلك صور لأجساد مشوهة ومهترئة لأربعة أطفال فلسطينيين قتلوا على شاطئ غزة بصواريخ إسرائيلية.

وصف كراوثامر الأطفال بأنهم “قتلى بصور لائقة تلفزيونيا” – وهو كلام استغله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه لإلقاء اللوم على حماس لاستغلالها “القتلى بصور لائقة تلفزيونيا”. يعترف نتنياهو بأن ضحايا إسرائيل غالبا ما يكونون بصور لائقة تلفزيونيا، كما هو الحال مع الأطفال الصغار، لكنه يعتمد على نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين الذين لا يتسمون بالمرونة لدرجة أنه يمكن استهلاك أسوأ مشاهد الأطفال الرضع الذين يذبحون ويتضورون جوعا دون اتخاذ إجراء فوري ضد إسرائيل باعتبارها مرتكبة إبادة جماعية.

 – “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب