نصائح لواشنطن بتغيير نهجها: لتضييق الخناق على بغداد

نصائح لواشنطن بتغيير نهجها: لتضييق الخناق على بغداد
ريم هاني
يبدو أن الولايات المتحدة تتجه نحو تعميق الضغوط السياسية والاستخباراتية والاقتصادية على العراق، جنباً إلى جنب محاولة التأثير في الرأي العام العراقي في ما يتعلق بـ«الحد من الاعتماد على إيران أو بناء علاقات معها». ولعلّ هذا ما تشي به الإجراءات الأميركية الأخيرة، والتي تستهدف إيران وإمداداتها من الطاقة إلى ذلك البلد، فضلاً عن توصيات عدد من المحللين والمراقبين الغربيين في ما يتعلق بالسياسات التي يتوجب على الولايات المتحدة اتباعها إزاء العراق. وفي السياق، يرد في تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز» أنّه يجب على واشنطن الاستفادة من «اللحظة الراهنة» لخفض ما وصفته بمستوى «النفوذ الإيراني» في العراق، وبشكل دائم، وأنّه لا ينبغي إنجاز هذه المهمة عبر عمل عسكري واسع النطاق، إنما عبر الديبلوماسية «الصارمة» والعمليات الاستخباراتية، فضلاً عن التلويح بفرض عقوبات بشكل يحرم إيران «من مصدر حيوي للتمويل، ويكسب الولايات المتحدة نفوذاً في أي مفاوضات قادمة معها».
وبعدما دأبت واشنطن، في العقد الماضي، على «دعم» رؤساء الوزراء العراقيين، بمن فيهم عادل عبد المهدي ومحمد شياع السوداني، على خلفية تخوّف صنّاع السياسة الأميركيين من انهيار العراق أو سقوطه في يد «داعش»، فقد أصبح على الولايات المتحدة «التخلي» عن ذلك النهج، بحسب معدّي المقال، الذين يبررون وجهة نظرهم تلك بالإشارة إلى أنّ «(داعش) لم يعد على أبواب بغداد، والنفوذ الإيراني تراجع في جميع أنحاء المنطقة، كما أعيد دمج العراق في محيط الدول العربية».
وعليه، وفي المدة التي تسبق الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول 2025، يجب على واشنطن أن «تُظهر أنه لا مصلحة لها في بقاء السوداني رئيساً للوزراء»، وأن تتجنب، أيضاً، دعوته إلى البيت الأبيض هذا العام، لترسل إشارة واضحة مفادها أن رئيس الوزراء الحالي «لا يحظى بدعمها»، في حين يُفترض أن تتولى السفارة الأميركية في بغداد «مراقبة كل مرحلة من مراحل العملية الانتخابية عن كثب، وإدانة من يقوّضون الديموقراطية علناً، ثمّ معاقبتهم».
كذلك، سيتعين على واشنطن اتخاذ خطوات إضافية لضمان «عدم رضوخ القادة العراقيين للمطالب الإيرانية»، بما يشمل تحديد «خطوط حمراء واضحة بالنسبة إلى صنّاع السياسة العراقيين». وإذ من المفترض أن تباشر الولايات المتحدة في عقد اجتماعات عامة مع العراقيين الذين «يخدمون المصالح الوطنية العراقية حصراً»، على حدّ تعبير معدّي التقرير، فعليها أن تعمد، في المقابل، إلى اتباع نهج أكثر صرامة مع «النخب العراقية المنحازة إلى إيران»، عبر عزلها دبلوماسياً، والتهديد باستخدام القوة ضد «الإرهابيين المدعومين من إيران، والعناصر التي تغذيهم مالياً». ومع هذا، يقر الكتاب بأنّ الخطوات المشار إليها قد لا تثني «قادة العراق جميعهم عن التنسيق مع إيران»، في ظل وجود «مجموعة صغيرة من النخب التي تحتقر الولايات المتحدة فعلياً».
ينصح مراقبون واشنطن بإعلان التراجع عن دعمها للسوداني
إلا أنه لا مناص، بحسب المجلة الأميركية، من المضيّ في هذا النهج، لا من أجل «تحسين موقع الولايات المتحدة في العراق فقط»، بل بما يكسبها أيضاً «اليد العليا» في أي محادثات نووية مستقبلية مع إيران. وتشير المجلة إلى أنّ الإستراتيجية المشار إليها ستكون بمنزلة «تغيير في مسار» واشنطن، التي تجاهلت الأنشطة الإقليمية الإيرانية في السنوات العشر الماضية، نظراً إلى أنّ «تفكيك شبكة وكلاء الأخيرة كان يتطلب عملية ساحقة ومعقدة».
واللافت، أنّ مثل تلك الدعوات تلقى، على ما يبدو، أصداءً لدى الإدارة الأميركية الجديدة التي تعهدت بإحياء سياسة «الضغوط القصوى» على طهران، وهو ما انعكس بإصدار واشنطن، في 4 شباط، مذكرة تدعو وزارة الخزانة إلى «فرض عقوبات مناسبة على الفور»، على أي شخص ينتهك العقوبات المفروضة على إيران، جنباً إلى جنب إعلان وزارة الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي، عدم تجديد الإعفاء الذي كان يسمح للعراق بدفع ثمن وارداته من الكهرباء الإيرانية.
وفور إعلان القرار، أكد متحدث باسم الخارجية الأميركية أن هذه الخطوة «تهدف إلى منع وصول طهران إلى أي شكل من أشكال الإغاثة الاقتصادية أو المالية»، فيما أشارت التصريحات الرسمية الأميركية إلى أنّها تندرج في إطار «إجراءات أوسع تهدف إلى إنهاء التهديد النووي الإيراني، وتقليص برنامج طهران للصواريخ الباليستية».
وكان بعض المراقبين يدفعون في اتجاه الخطوة الأميركية المشار إليها، ويروجون، علناً، لضرورة أن تبني واشنطن عليها لإنهاء ما وصفوه بـ«التبعية العراقية لإيران في مجال الطاقة». وفي هذا الإطار، يلفت تقرير نشره «معهد واشنطن» إلى أنّه في عام 2011، نص «قانون إقرار الدفاع الوطني»، والذي يحدد ميزانية الدفاع الأميركية، على فرض عقوبات على «البنك المركزي الإيراني»، لكنه منح «استثناءات» للدول التي خفضت مشترياتها من النفط الخام الإيراني بشكل كبير، أو في الحالات التي اقتضت فيها مصلحة الأمن القومي الأميركي ذلك.
ورغم أن العراق يُعدّ قوة رئيسية في قطاع الطاقة، فإنه يفتقر إلى الاكتفاء الذاتي في مجالي الغاز والكهرباء، «ما يجعله يعتمد على إيران لتعويض جزء من هذا النقص». وعلى ضوء ما تقدم، مُنحت بغداد إعفاءً لأكثر من عقد من الزمن، بما يشمل فترة إدارة دونالد ترامب الأولى، لا سيما أنّ العراق تعرض لخطر توقف واردات الكهرباء الإيرانية (حوالى 1.2 غيغاواط) وواردات الغاز، والتي أتاحت توليد 8.8 غيغاواط إضافية من الطاقة في المولدات العراقية.
ويردف التقرير أنّه فيما تنص مذكرة إدارة ترامب الرئاسية للأمن القومي رقم (NSPM-2)، صراحةً، على ضرورة أن يعدل «وزير الخارجية الإعفاءات من العقوبات أو يلغيها، لا سيما تلك التي تمنح إيران أي درجة من الإعفاء الاقتصادي أو المالي»، فإنّ هذه القضية أصبحت مطروحة للنقاش حالياً، سواء كان فريق ترامب قادراً على تنفيذها، أم «تعثر عند العقبة الأولى». وطبقاً لأصحاب هذا الرأي، فإنّه لم يكن هناك وقت «أكثر منطقية» من الوضع الراهن، لدفع العراق إلى «التحرر، نهائياً، من التبعية لإيران في مجال الطاقة»، وإنه في حال تحول العراق إلى «استخدام الوقود السائل لأشهر عدة، فإن الاعتماد على إيران في فصل الصيف يمكن أن ينخفض إلى أقل من 4% من ذروة توليد الطاقة»، ما سيحد من تأثير نقص الإمدادات الإيرانية على العراق، عبر زيادة الاعتماد على مواده الخام.
ولتحقيق الهدف المشار إليه، يجب على واشنطن «التهديد بالحرمان من الإعفاءات»، ما سيحفّز العراق، للمرة الأولى، على التحرك بسرعة لاستبدال الطاقة الإيرانية، وتعجيل خطط استيراد الكهرباء من السعودية، «وجلب بوارج توليد الكهرباء المعيارية وسفن استيراد الغاز الطبيعي المسال إلى الساحل العراقي»، ما سينعكس إيجابياً «لا على مصلحة العراق فقط، بل على مصلحة الأمن القومي الأميركي أيضاً». كما يشدد التقرير على ضرورة أن يترافق انتهاء الإعفاءات من العقوبات، «مع زيادة في المواد الإعلامية الموجهة إلى الجمهور العراقي، والتي تظهر عدم موثوقية إمدادات الطاقة الإيرانية وتكلفتها المرتفعة، والحاجة الملحة إلى تقليص الاعتماد عليها في نهاية المطاف».