الفن الشعريّ عند أديث ستويل… الحداثة والتقليد

الفن الشعريّ عند أديث ستويل… الحداثة والتقليد
ترجمة وتقديم: شاكر لعيبي
إديث لويزا سيتويل Edith Louisa Sitwell (1887 – 1964) شاعرة وكاتبة وناقدة بريطانية، والأخت الكبرى للشاعرين أوسبيرت سيتويل وساشيفيريل سيتويل. وهي الابنة الوحيدة لأرستقراطيّ غريب الأطوار هو السير جورج سيتويل، البارون الرابع من منطقة رينيشو هول. وهو متخصّص في علم الأنساب وعلم شعارات النبالة وتنسيق الحدائق، وفي موضوعات نادرة تلهم جميع أنواع الدراسات النادرة والغريبة، بعناوين مثل جزّ الصوف في العصور الوسطى أو تاريخ شوكة الطعام.
والدتها، إيدا إميلي أوغوستا دينيسون، كانت ابنة إيرل لوندسبورو وحفيدة هنري سومرست، دوق بوفورت السابع. تزعم أنها تنحدر من نساء عائلة ملكية من القرن الرابع للميلاد.
ولدت إديث سيتويل في سكاربورو، يوركشاير. في عام 1912، وفي سن الخامسة والعشرين، انتقلت إلى شقة متواضعة في لندن، وتقاسمتها مع هيلين روثام (1875-1938)، مدبرة منزلها منذ عام 1903. من عام 1916 إلى عام 1921، نشرت مختارات سنوية من الشعر المعاصر بعنوان «عجلات». اشتهرت سيتويل بتلاوة نصوصها الخاصة باستخدام مكبّر صوت على صوت موسيقى ويليام والتون، كما أنها مؤلفة العديد من السير الذاتية (البيوغرافيات)، مثل بيوغرافيا ألكسندر بوب (1930)، وكتابها الأكثر مبيعا «غريبو الأطوار الإنكليز» (1933). تمّ تلحين أحد أعمالها (النشيد الثالث: المطر لا يزال ينهمر) في عام 1955 على يد بنيامين بريتن.
في عام 1932، استقرت المرأتان سيتويل وهيلين روثام في شقة متواضعة في الطابق الرابع في بيمبريدج مانشونز، لندن. وفي باريس، حيث عاشتا مع إيفلين ويل، شقيقة هيلين الصغرى. توفيت هيلين بسرطان العمود الفقري في عام 1938. وأثناء الحرب العالمية الثانية انسحبت سيتويل إلى منطقة رينيشو مع شقيقها أوسبرت وعشيقها الروائيّ المتخصص في روايات الجريمة ديفيد ستيوارت هورنر (1900 – 1983). وكانت تكتب على ضوء مصابيح الزيت عندما صدر الأمر بإطفاء الأضواء أثناء الحرب في إنكلترا. وكانت تحيك الملابس لأصدقائها في الجيش. لم تتزوج قط. ومع ذلك، يقال إنها وقعت في حب الرسّام الروسي المثليّ بافيل تشيليشيف في عام 1927. استمرت علاقتها مع تشيليشيف حتى عام 1928، كما أنها كانت شغوفا بالرسام التشيليّ ألفارو جيفارا (1894 ـ1951). كانت علاقة إديث سيتويل بوالديها متوترة، خاصة لأن والدها ادعى أنها تعاني من تشوّه في العمود الفقري، أخضعها لـ»علاج» يتطلب منها ارتداء مشدّ من الحديد. في سيرتها الذاتية، كتبت أن والديها كانا دائما غرباء بالنسبة إليها. عندما توفيت والدتها عام 1937، لم تحضر سيتويل جنازتها بسبب تأنيهما الدائب لها منذ طفولتها.
القصائد التي كتبتها أثناء الحرب حظيت باهتمام الرأي العام، واستُقبلت قصائدها «أغاني الشوارع» (1942)، و»أغنية البرد» (1945)، و»ظل قابيل» (1947)، استقبالا جيدا. لعلّ قصيدة «ما زال المطر ينهمر» المكرّسة للقصف الجويّ على لندن، هي الأكثر شهرة (نُشرت عام 1941 وجرى لاحقا تلحينها) [مترجمة أكثر من مرة للعربية]. عام 1943 التقت بالكاتب دينتون ويلش وساعدته في نشر روايته «الرحلة الأولى». في عام 1948، قامت إيديث سيتويل مع شقيقيها بجولة في الولايات المتحدة، حيث قرأت قصائدها، ثم ألقت محاضرة عن مشهد مشي السيدة ماكبث أثناء النوم. كانت أمسياتها الشعرية وتسجيلاتها الصوتية تعتبر أحداثا ثقافية. في عام 1954، حصلت سيتويل على لقب سيدة الإمبراطورية البريطانية. وفي عام 1955، تحوّلت إلى الكاثوليكية، وهو ما سنتوقف عنده.
نشرت كتابين عن ملكة إنكلترا اليزابيث الأولى، هما «بوق من أجل اليزابيث» (1946) و»الملكات وخلايا النحل» (1962). تدّعي ستويل أن كتابتها النثرية كانت من أجل كسب المال فقط. وقد جلب له هذان الكتابان الكثير من المال، كما فعل كتاباها الشهيران «غريبو الأطوار الإنكليز» (1933) و»فيكتوريا إنكلترا» (1936). في عام 1953، طلبت منها مجلة «لايف» إجراء مقابلة مع مارلين مونرو؛ كانت المرأتان تحبان بعضهما بعضا، وعندما وصلت مارلين مونرو إلى لندن في تموز/يوليو 1956 للمشاركة في فيلم لورانس أوليفييه «الأمير وفتاة الاستعراض»، كانت حريصة على تعريف سيتويل على زوجها الجديد، الكاتب آرثر ميلر. قدّمت إديث سيتويل آخر أمسية شعرية لها في عام 1962. وتوفيت بسبب نزيف في المخ في مستشفى سانت توماس في لندن في 9 كانُون الأَوَّل/ديسمبر 1964، عن عمر يناهز 77 عاما.
إن تحوّل سيتويل من العلمانية إلى التديّن الكاثوليكيّ عام 1955 أمر يستحق توقفا في عالم عربي إسلامي لا تتوقف فيه «التحولات» خبط عشواء وبشكل مريب أحيانا. وفي خضم هذا التحوّل عندنا تتفتت قيم الحداثة التي ظل المتحوّلون ينادون بها فترة طويلة من أعمارهم. نتوقف في هذا الصدد عند مادة لكاتب بريطاني كاثوليكيّ متديّن جوزيف بيرس Joseph Pearce بعنوان أثير على قلب ثقافتنا أيضا «إديث سيتويل: الحداثة والتقاليد [الأدبية]» نحاول الاستشهاد بها. يقول:
«كانت إديث سيتويل من فرسان الطليعة الشعرية، وبطلة الحداثة التي استمتعت باستخدام تكتيكات الصدمة لدفع حدود الشعر إلى أقصى حدّ، الأمر الذي أثار غضب التقليديين في هذه العملية. ولعلها كانت لتبدو وكأن من غير المرجح أن تتحوّل إلى عقيدة وتقاليد دينية خاصة بالكنيسة الكاثوليكية. ومع ذلك، مثل صديقها «الروائيّ فائق الحداثة» إيفلين ووه Evelyn Waugh [مؤلف إنكليزي كاثوليكي اشتهر برواياته الناقدة التي جمعت بين النقد الهزليّ، والأفكار الدينية والروحية]، فإنها أدركت أن القوة التحريرية للأرثوذكسية يمكن أن تضفي على التقاليد ديناميكية الحقيقة. ولأنها وُلدت في سياق ميزات وامتيازات، كابنة للسير جورج سيتويل والليدي إيدا سيتويل، وحفيدة للورد لوندسبورو، فإنها كانت لتبدو أيضا وكأنها ثورية غير مُحتمَلة. ومع ذلك، فمنذ ظهور أول قصيدة منشورة لها، «شموس غارقة Drowned Suns»، في صحيفة «الديلي ميرور» في عام 1913، كانت قد هزت العرف الأدبيّ. وقد بلغت هزاتها مستويات زلزالية بين عامي 1916 و1921 مع تحريرها لمجلة «عجلات» Wheels، وهي مختارات سنوية من الشعر الجديد. ولم تكن القصائد التي اختارتها سيتويل لهذه المختارات حديثة في أسلوبها فحسب، بل كانت أيضا تزدري الهدوء الهزيل والمثاليّ لما يُسمى «الشعراء الجورجيين». في عام 1922، نشرت سيتويل قصيدة «واجهة [خارجية]»، وهي قصيدتها الأكثر إثارة للجدل حتى الآن، وتم تقديمها، مصحوبة بموسيقى ويليام والتون William Walton، بقراءة عامة عاصفة في لندن عام 1923.
[و»واجهة» هو أحد أعمال والتون الموسيقية الرئيسية، وتسبب في فضيحة حقيقية لأن إديث أدّت أبياتها باستخدام مكبّر صوت، بينما كانت موسيقى والتون تبدو حداثية للغاية]. وفي العام نفسه، أدى نشر قصيدة إليوت «الأرض الخراب» إلى استقطاب الرأي واختلاف واسع بين «القدماء» و»الحديثين». ولقد وصف أحد النقاد في صحيفة «مانشستر غارديان» قصيدة (الأرض الخراب) بأنها «مزيج مجنون» و»كم هائل من الورق المهدور»، في حين وصف أحد النقاد الأكثر تعاطفا، في الملحق الأدبيّ لصحيفة «التايمز»، الشخصية الشعرية لإليوت بأنها متطوّرة للغاية، ووصف قصيدته بأنها تجربة طموحة. ومن الواضح أن المعركة كانت حربا كلامية غير حضارية بين قوى الحداثة وقوى التقليد. كان الشعر في حالة من الاضطراب».
ويمضي الكاتب البريطاني الكاثوليكيّ قائلا: «وكان غلبرت كيث تشيسترتون G.K. Chesterton [كاتبا وفيلسوفا وشاعرا وصحافيا ومسرحيّا وخطيبا وكاتب سير ولاهوتيّا إنكليزيا، 1874ـ 1936، أنجليكانيّ المذهب، إلا أنه تحول للكاثوليكية واشتهر بنقده للماركسية والليبرالية والتقدمية]. ينتقد بعض الاتجاهات الحديثة في الشعر، وكان كليف ستيبلز «جاك» لويس C.S. Lewis الشاب [كاتبا وباحثا إيرلنديّا 1898 ـ 1963. اهتم بأدب القرون الوسطى وعلم العقائد المسيحية والنقد الأدبي والعلاقة بين الخير والشر]، معاديا لما أشار إليه بازدراء باسم «الشعر الإليوتي». ولكن في شخص ألفريد نويس Alfred Noyes [1880ـ 1958]، الشاعر المحترم من الحرس القديم، وجد سيتويل وإليوت عدوهما الأكثر شراسة. ووجهت اللكمات الأولى خلال مناظرة عامة في كلية لندن للاقتصاد، حيث كان من المقرر أن يناقش نويس وسيتويل معا (القيمة المقارَنة للشعر القديم والجديد). لقد وجد نويز نفسه خارج دائرة الاهتمام والموضة في جو خلقه المحدثون، وكانت سيتويل قد رفضت شعره باعتباره (مُشمّعا linoleum رخيصا). ولم يكن نويز مستعدا لتقبل هذه الإساءات المستخفِّة، فخرج للقتال، ورمى بقفاز التقاليد في تحدٍ للاتجاهات الحديثة.. وطلب إدموند جوس Edmund Gosse [شاعر وناقد ومترجم بريطاني، متخصّص في اللغات الإسكندنافية، 1849 ـ 1928] الذي وافق على رئاسة المناقشة، من نويز ألا يكون قاسيا للغاية على خصمه: (أرجوك، لا تستخدم مضرب النسّاج على رأس إديث المسكينة). من جانبه، كان نويز يعتقد أنه قد يصبح ضحية لأنصار سيتويل الصاخبين وقد (أتعرّض فجأة لهجوم من سرب غاضب من الطيور ذات الألوان الغريبة، التي تحاول محمومة أن تنقر أنفي). كانت ملاحظة نويس [عن الألوان الغريبة] بمثابة عمل ساخر يستهدف ذوق سيتويل الباذخ في الملابس. وصلت الشاعرة إلى المناظرة وهي ترتدي ثوبا أرجوانيا وإكليل غار ذهبيّ، وهو ما كان يشكل تناقضا صارخا مع البدلة الأمريكية البسيطة التي يرتديها نويز ونظاراته ذات الإطار العظمي. لقد كان التبايُن مناسبا للغاية، وكان ثوبها يطرح المشكلة. بدأت المناظرة بشكل مضطرب عندما سألتْ إديث ما إذا كان بإمكان مؤيديها الجلوس على المنصة معها. وافق نويز، لكنه استغل الموقف بإخبار الجمهور أنه يتمنى أن يتمكن من إحضار مؤيديه أيضا، وذكر منهم أسماء فيرجيل وتشوسر وشكسبير ودانتي وغيرهم. كانت الاستجابة فعّالة، وإن كانت غير عادلة بعض الشيء. لم تتبرأ سيتويل من هؤلاء الشعراء، و[مثلها] كان تي إس إليوت، الشاعر (الحديث للغاية) الآخر، غارقا في التقاليد الشعرية ومخلصا صارما لدانتي. ومع ذلك، كان للانقلاب المسرحي التأثير المطلوب، وجلست سيتويل خجلة بمفردها على المنصة مع نويز وجوس. ومن عجيب المفارقات أن المناقشة استمرت مع سيتويل التي كانت تدافع عن الإبداع من منظور تقليدي بحت. واشتكت قائلة: (لقد تم وصفنا دائما بالجنون. إذا كنا مجانين، فنجن على الأقل مجانين بصحبة معظم أسلافنا العظماء. كان شومان وكولريدج ووردزوورث مجانين بدورهم). كان من الممكن أن تضيف، أن الرومانسية التي تبناها كولريدج ووردزوورث والتي كانت تعتبر (حديثة) وطليعية للغاية في عصرها، كانت سببا في نشوء ردّ الفعل، ضدّ العلمانية (التقدمية) في عصر التنوير المناهض للكاثوليكية ولعبت دورا هاما في إحياء العصور الوسطى في إنكلترا في شكل النهضة القوطية وحركة أكسفورد. وعلى نحو متناقض أيضا، دافع نويز عن التقاليد من منظور كونها كانت دوما (مُحيّنة [مُعَصْرَنة، مُحَدَّثة])، وأعلن [قبوله لصيغة] الناقد الأدبي الفرنسي الكبير سانت بوف أن (الشعر الحقيقيّ هو معاصر لكل العصور). وعلى هذا فقد بدا وكأن هناك وفاق ما في سياق انشقاق [الخصمين] الظاهري لم يدركه أي من الشاعرين في ذلك الوقت. لقد ضاع الواقع الأعلى، أو الواقعية الحقيقية، إلى حد كبير في حرب الكلمات شديدة الضراوة التي أعقبت مناقشة حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق. في الجدل العنيف الذي احتدم في الصحافة طيلة عشرينيات القرن العشرين كان التحيّز سائدا لصالح المحدثين. وكان الناس ينظرون إلى إليوت وسيتويل باعتبارهما يسيران (جنبا إلى جنب… في طليعة التقدّم) في حين كان القدماء، باعتبارهم عملاء للرجعية، يمشون فقط عكس اتجاه المدّ. ومن المؤكد أن المد والجزر يتحولان من تلقاء نفسيهما، ولكن كان من الصحيح في ذلك الوقت أن موجات التعاطف كانت تتدفق، في أغلبها، مع المحدثين. في مراجعة لكتاب كتبه نويز، اشتكى تشيسترتون بالقول: (إن بعض الأعمال مقبولة من طرف جميع المحدثين، ويرجع هذا في الأساس إلى افتراض، خاطئ في كثير من الأحيان، هو أن جميع القدماء رفضوا [تلك الأعمال] برعب). واستعان تشيسترتون بمثال إدغار آلان بو، ولاحظ أن المحدثين اختطفوا أعماله القديمة المفضّلة، ومنحوها حداثة فخرية. فقد (تم تمييز بو باعتباره حديثا قبل الحداثيين)، في حين أنه (كان أمرا أكثر أهمية من الحداثيين… كان شاعرا»). كتب نويز أن تشيسترتون كان واحدا من القلائل الذين (فهموا تماما دفاعي عن التقاليد الأدبية، وكذلك انتقادي لها). ربما كان الأمر كذلك. ومع ذلك، فقد فشل نويز بشكل غريب في إدراك أن سيتويل، مثل إليوت، كانت (أمرا أكثر أهمية من المحدثين … كانت شاعرة).
ويخلص جوزيف بيرس إلى القول: «في عام 1929، نشرت سيتويل قصيدتها «جمارك الساحل الذهبيّ» Gold Coast Customs، وهي رؤية لرعب وفراغ الحياة المعاصرة، والتي لم تعكس فقط شغف إليوت المطهري، بل كانت بمثابة إشارة مبكرة إلى أن الشاعرة كانت على طريق التحوّل الديني. وقد تردد صدى قصيدتها مُغْرَقة الحزن «لا يزال المطر ينهمر» التي تصوّر قصف لندن أثناء الغارات الجوية في عام 1940، مع الصور المريرة لصلب المسيح والمسؤولية المقيمة للبشرية:
أعمى مثل ألف وتسعمائة
وأربعين مسمارا
على الصليب
ولعلّ أكثر ما لا يُنسى هو (قصائدها الثلاث للعصر الذريّ)، المستوحاة بأسى من أوصاف شهود العيان لإسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما في عام 1945. أولى القصائد كانت (ظلّ قابيل)، وتتحدث عن انشطار العالم إلى جزيئات متحارِبة، مدمّرة للآخرين ومدمّرة للذات. إنها تتحدّث عن الهجرة التدريجية للبشرية، بعد السقوط الثاني للإنسان (في صحراء البرد، نحو الكارثة النهائية التي سقط أول رمز لها على هيروشيما). أوضحت الشاعرة أن صور القصيدة كانت (جزئيا وصفا فيزيقيا لأعلى درجة من البرد، وجزئيا وصفا روحيا له). إن رغبة سيتويل الروحية، في الخروج من (البرد) جذبتها، تأكيدا، إلى أحضان الكنيسة الدافئة. كان إعجابها بالشاعر المتحوّل [عقائديا] روي كامبل Roy Campbell [كاتب وشاعر جنوب أفريقيّ، 1901 ـ 1957] تأثيرا شخصيا آخر على تقدّمها البطيء نحو المسيحية. لم تنظر إلى كامبل كصديق فحسب، بل كواحد من الأشخاص القلائل الذين سيدافعون عنها ضد منتقديها. تم استقبال إديث سيتويل أخيرا في الكنيسة الكاثوليكية في آب/أغسطس 1955. طلبت من إيفلين ووه أن يكون عرّابها، وسجّل في مذكراته كيف ظهرت في يوم استقبالها الكنسيّ «ملفوفة بالسواد مثل طفلة صغيرة من القرن السادس عشر». إن أسعد مفارقة على الإطلاق تكمن في حقيقة أن ألفريد نويس، عدوّها اللدود، كان قد تمّ استقباله أيضا في الكنيسة قبل عدة سنوات. وفي تصالحهما في القربان الروحيّ نفسه، نجحا رمزيا وشعريا في توحيد الحداثة والتقاليد ـ وحدة القديم والحديث في شيء أعظم من كليهما». انتهى الاستشهاد. هذا الاستشهاد يصيب بروح باردة صميم سجالنا القديم المستجدّ بشأن الحداثة والتقليد.
مقتطفات عن فن الشعر:
«الشعرُ هو تأليهٌ للواقع».
………………..
«يتحدّث الشاعر إلى جميع الناس عن الحياة الأخرى التي [قتلوها] خنقا ونسوها».
………………
«على الشعر أن يجعل أيامنا مقدّسة بالنسبة إلينا».
…………………..
«جزءٌ من عمل الشاعر أن يُظهر لكل إنسانٍ ما يراه دون معرفة أنه يراه».
…………………..
«الإيقاع هو أحد أهمّ المترجمين الرئيسيين بين الحلم والواقع. ويمكن وصف الإيقاع بالنسبة لعالَم الصوت، بأنه مثل الضوء بالنسبة للبصريّات. فهو يشكّل ويعطي معنى جديدا. وقد وصف شوبنهاور الإيقاع بأنه لحنٌ خالٍ من درجة النبرة».
………………………
«الشاعر هو المحبّ الكامل للبشرية».
…………………..
«في العصر الأوغسطيّ، كان الشعر شقيقا للهندسة المعمارية؛ ومع الرومانسيين وإحساسهم المتزايد بالحروف المتحركة [خلاف الساكنة]، والوصول إلى خطوط لحنية مختلفة، أصبح [الشعرُ] شقيقا للموسيقى؛ في الوقت الحاضر، يبدو وكأنه شقيقٌ للبستنة، حيث تنمو كل قصيدة وفقا لقانون طبيعتها الخاصة».
………………………
«الشاعرُ أخٌ يتحدث إلى أخٍ عن لحظة من حياتهما الأخرى، لحظة دُفنت تحت غبار العالم المكتظ».
……………………….
«الشعر يُكرّم القلبَ والبصرَ، ويكشف معاني جميع الأشياء التي يسكنها القلبُ والبصرُ. إنه يكتشف أشعة الكون السرية، ويعيد لنا الفراديس المنسية.»
………………………
«إذا كان لبعض النقاد والشعراء النجوم نهجهم [الشخصيّ المخصوص]، فإن (التقوى المألوفة) وطفلها البلاهة، سيكونان أسياد الشعر».
………………………..
«سيكون من الأفضل للعديد من الأشخاص الذين يقرأون ويكتبون الآن أن يعملوا في تربية الأرانب».
…………………………..
«أليس من الغريب أن المرء لا يحتاج إلا إلى فتح كتاب شعر ليدرك على الفور أنه من تأليف شاعر جدّ بارع، أو أنه من تأليف شخص ليس شاعرا على الإطلاق. في حالة الأول، تقفز الأسطر والصور، على الرغم من كونها كامنة في بعضها البعض، وتمنح المرء صدمة من البهجة. في حالة الثاني، فإنها مستلقية على الصفحة، ولم تعش قط».
…………………….
«كلّ شعرٍ عظيم مغموسٌ في ألوان القلب».
………………………….
«الفنون هي حياة متسارعة ومُركّزة».
………………………
«قصائدي هي تراتيل مديح لمجد الحياة».
……………….
«الفنُّ سحرٌ وليس منطقا. وهذا الهوس بالروح المنطقية في شكل غير عقلاني يشكّل جزءا من الهوس الضار الحاليُ بالتجانُس».
……………….
«إن السؤال عن فائدة الشعر ليس بالأمر اليسير كما هو الحال عند السؤال عن فائدة الدين».
…………………….
«السبب الذي يجعل ماثيو أرنولد، في اعتقادي، يفشل تماما شاعرا (على الرغم من أن أفكاره كانت جيدة بلا شك، على الأقل كما قيل لي) هو أنه كان يفتقد حاسة اللمس على الإطلاق. لم يترك شيءٌ أيّ انطباعٍ على جلده. لم يكن يستطيع أن يشعر لا بشكل القصيدة ولا بملمسها بيديه».
…………………….
«أستطيع القول إنني أعتقد أن الجشع في الشعر هو الجشع الوحيد المسموح به – فهو في الواقع أمر لا مفرّ منه».
………………….
«في بعض الأحيان تتحدث القصائد عن وعي غير مستيقظ يتحسس طريقه نحو حالة أعلى، وفي بعض الأحيان تتحدث عن وعي حيوانيّ بحت: بداية الأشياء الدنيوية كلها.»
…………………..
«من الناحية التقنية، أود التوصّل إلى لغة حيوية حيث كل كلمة فيها تمتلك روحيا قوة إنبات لا نهائية ، لإضفاء القداسة على اليوم العاديّ.»
………………
«إنتاج الشعر هو نور الصباح العظيم، حيث تتحوّل الكائنات التي نراها عند مرورها في الطريق المألوف [وتصير] تجسيدا لكل جمال، لكل فرح، لكل حزن».
كاتب عراقي