المجر الكبير العراقية مدينة القصب الساحرة

المجر الكبير العراقية مدينة القصب الساحرة
صادق الطائي
تقع مدينة المجر الكبير في محافظة ميسان جنوب العراق وتبعد عن مدينة العمارة، مركز المحافظة، بحوالي 33 كم. وتبعد مسافة 400 كم جنوب العاصمة بغداد و180 كم شمال مدينة البصرة، ويعد موقعها الجغرافي متميزاً، فهي مدينة ذات أرض زراعية شاسعة كانت منذ زمن الدول العثمانية وحتى سبعينات القرن العشرين تصدر الأرز إلى مدن العراق المختلفة وبعض مدن دول الجوار كمدينة عبدان والمحمرة ومدن دول الخليج، وكان نقل الحبوب والمنتجات الزراعية من هذه المدينة يتم عن طريق الأنهر والتفرعات المائية.
عدد سكان المدينة حوالي 110 آلاف نسمة، الأغلبية من المسلمين الشيعة، إذ تصل نسبتهم إلى 98 في المئة، كما تسكنها أقلية من طائفة الصابئة المندائيين. وسكن المدينة حتى منتصف القرن الماضي الكثير من العوائل المسيحية واليهودية ممن امتهنوا التجارة وبعض الحرف التي خدمت سكانها، وهاجر اليهود في خمسينات القرن الماضي، كما بدأت أعداد المسيحيين الكلدان تتناقص فيها نتيجة الحرب العراقية الإيرانية حتى غادرت المجر الكبير بداية القرن الحالي.
ولا نعلم على وجه الدقة هل أخذت المدينة اسمها من نهر المجر الكبير أم العكس؟ فالنهر يقسمها إلى قسمين؛ قسمٌ يضم الأحياء القديمة والتي منها حي السراي والبدراوي والحسين وحي قصب السكر الغربي والشرقي. وتتقارب هذه الأحياء من بعضها مكانياً إلا أنها تختلف في الطباع، فعلى سبيل المثال يهيّمن على حي السراي الطابع المدني، أما حي البدراوي فيهيمن عليه الطابع العشائري. وبالنسبة للقسم الآخر من المدينة فهو يحتضن الأحياء الجديدة ومنها، حي المعلمين، والزهراء، و14 رمضان، والحسن العسكري، والشرطة، وحي الجمعيات.
حملة تجفيف الأهوار
المجر الكبير كانت عبارة عن سوق يقصده أبناء العشائر الساكنة في أطراف أهوار ميسان لتبادل البضائع وشراء ما يحتاجون إليه من أدوات زراعية ومواد غذائية. ونزح إليها إبان ازدهارها نهاية القرن التاسع عشر الحرفيون كالحدادين والنجارين والبزازين والحلاقين والخياطين والبنائين والتجار وموظفي الدولة كمدير الناحية والحاكم والطبيب ومأمور البريد والمعلمين وأفراد وضباط الشرطة، فأصبحت مدينة عامرة نمت وتطورت فيها الحياة الحضرية.
إلا إن تغيرات إدارية كثيرة مرت على المدينة التي أصبحت قضاءً في العام 1972، بعد أن كانت ناحية تابعة لقضاء قلعة صالح، وتم تعيين صادق الطبطبائي قائمقام للقضاء وبذلك يكون تسلسله الأول في إدارة هذا القضاء. وصحيح إن أراضي أرياف المجر الكبير خصبة وصالحة للزراعة وخاصة محاصيل الأرز والحنطة والشعير إضافة إلى قيام أعداد من الفلاحين الذين سكنوا بالقرى القريبة من المدينة بزراعة الخضروات وغيرها، ولكن هجرة الفلاحين من المدينة طوال النصف الأول من القرن العشرين بسبب جور وظلم الإقطاع في ريف محافظة ميسان أدى إلى تراجع أهميتها الزراعية.
كما تجدر الإشارة إلى تضخم سكان مدينة المجر الكبير في ثمانينات القرن العشرين نتيجة حملة تجفيف الأهوار التي أطلقها النظام العراقي إبان الحرب العراقية الإيرانية، لأنها كانت تمثل بؤرا تأوي المتمردين المسلحين المناوئين للنظام الحاكم، الأمر الذي تسبب بهجرة كبيرة من أرياف القضاء إلى مدينة المجر الكبير حيث كان عدد السكان لا يتجاوز 36 ألف نسمة قبل هجرة تجفيف الأهوار، لكنه وصل الآن إلى 110 ألف نسمة.
الاسم والتاريخ
تعددت الآراء في أصل تسمية المدينة، وقد جمع الدكتور مصطفى المالكي جملة من تلك الآراء منها: المِجَر- بكسر الميم وفتح الجيم- وهو اسم الآلة من الفعل جر، وهي عبارة عن أداة كحبل أو ما شابه تجر فيها الدابة أو العربة. وذكر ابن منضور أن المجر ما يجعل تحت السقف ليحمل أطراف العوارض. ويذكر جبران مسعود في معجمه، المجر: خيط غليظ يدور به الدولاب فيدور به.
أما المَجَر- بفتح الميم والجيم- المصدر الميمي من الفعل (جر، يجر) ويستخدم بعض الأهالي هذه اللفظة، فتسمية لبلاد المجر الأوروبية (هنغاريا) وليس بين المدينة والبلد الأوروبي أي صلة. والمَجَر: عيار ذهبي، نسب إلى بلاد المجر، وشاع استعماله في تقويم حلي النساء. وكذلك وردت لفضة المجر في معجم البلدان لياقوت الحموي، غير أن المذكور في المعجم هو بقعة تقع في المدينة المنورة ولا علاقة لها بمدينة المجر الكبير العراقية.
كما يقال إن لفظة المجر أصلها المجرى وهو الرأي المنطقي حسب آراء عدد من أهل المدينة، وذلك لأن نهر المجر الكبير أصله نهير تفرع من دجلة، فأطلق علية الناس اسم المجرى، وعند ابن منظور المَجْرَى من النَّهْرِ: مَسِيلُهُ. وعندما قامت مدينة وادي على نهر المجر سُميت باسمه، ثم أسقطت الألف للتخفيف. ومدينة المجر الكبير غافية على تاريخ سومري وأكدي وبابلي عريق، وتذكر سجلات الهيئة العامة للآثار في العراق أن في المدينة مواقع أثرية مهمة مثل: أبو مغيرفات، ودوار، وأم الصخر أو بالونات الكباب. ومن أقدم النصوص التأريخية التي وصلتنا عن المجر ما نقل عبد الله الجويبراوي الذي يذكر: أن دجلة لما انشق جانبه الأيسر وتكون نهيرٌ سار في تلك الأراضي حتى تفرع النهر إلى عدة جداول غذت الأراضي التي جرت فيها المياه، وملأت منخفضاتها فكونت أهواراً، ولهذا الحدث الذي أعجب الناس في انشقاق دجلة وتكوين مجرى منه أطلق الناس تسمية المجرى على ذلك النهر وكذا مع جداوله فقد سموا كلٌ باسم خاص به.
وفيما ارتأى الناس استغلال تلك الأراضي بالزراعة بعد توفر الري بشكل يسير، فسكنتها جموع القبائل العربية وشيدت في كل أرض يستزرعونها قرية تكون لقبيلتهم فقط فيما هو تصغير لمجتمعهم العشائري يسمى في لهجتهم، سلف. فكان لكل قبيلة سلف يعيشون فيه ويزرعون ما تقاسموا من الأراضي، وسميت مناطقهم بأسماء أنهارها وجداولها.
إن التاريخ الأبعد للمدينة يروى بشكل حادثة أسطورية مفادها إن شخصا يدعى محمد العزاوي (هو الجد الأعلى لقبائل البو محمد) نزح هو وأهل بيته من أراضي تكريت وديالى إلى أراضي ميسان لوقوع خلاف بينه وبين أبناء عمومته من شيوخ قبيلة العزة نتيجة حادثة قتل، فرحل محمد هرباً من عقوبة أبناء عمومته. ولَم يجد إلا فرج شيخ عشيرة الدارميين في أراضي المجر الكبير (التي كانت تسمى منطقة أم جمل) فنزل دخيلا عنده، وقد أكرم الشيخ فرج وفادته.
سكنت عائلة محمد العزاوي مع الدارميين بعد تعزيز أواصر الصداقة والمودة بينهما، وتزوج فرج بأخت محمد، كما تزوج محمد بأخت فرج واسمها باشا فلقب البو محمد بأخوة باشا، واستقروا في المجر الكبير وبذلك اتسعت رقعتها بعد أن كانت قرية صغيرة يسكنها قلة من الصيادين والزراع. واتخذ محمد الجد الأعلى لقبيلة البو محمد قرية أم جمل مدينته يسكنها وأهله، واتجهوا في رزقهم إلى زراعة الأراضي المحصورة بين قرية أم جمل الواقعة على رأس نهر المجر الكبير إلى موضع مدينة العزير وهذا ما كوّن اللبنة الأساس لتلك المدينة، فبنى الفلاحون أكواخهم هناك.
كما يروى جانب آخر من التاريخ الشفاهي للمدينة فحواه أن المجر الكبير كانت عبارة عن مجموعة كور على النهر المذكور، وهي عبارة عن سلسلة قرى صغيرة تجمع فيها الزراع وقليل من الصناع والحرفيون في كل قرية وكانت تختص أغلبها بأبناء العشيرة الواحدة. وكانت أكبر قرية في تلك القرى أو الكور هي ما وقع في الموقع الحالي لسوق السراي، ولَم تكن ذات أهمية إلى أن جاء الشيخ وادي وشيد السوق واجتمعت القرى حول السوق فتوسعت.
إن العديد من المصادر تشير إلى إن الشيخ منشد رئيس تجمع قبائل البو محمد عين ابنه وادي مسؤولا على أراضي المجرى، ونالت تلك الأراضي اهتمامه فشيد فيها سوقاً لتصريف واردات الحبوب من الفلاحين فتحولت تلك المنطقة من الزراعة إلى التجارة التي صرفت منتوج الفلاح ما أدى لزيادة إنتاجه، فازدهرت مدينة سوق وادي وأصبح لها تجارها الذين يردونها من مختلف بقاع أراضي الهلال الخصيب ثم إلى الخليج عن طريق دجلة فشط العرب، فسكنت السوق عوائل ارتأت العيش مع غيرها من بيوتات العشائر الأخرى فتكونت قرية وادي التي سميت باسم بانيها شيخ البو محمد وادي بن منشد.
ولخصوبة أراضي المجر الكبير وتوفر مياه الأنهار فيها شاعت زراعة النخيل والحنطة والشعير وكذلك تم استغلال مسطحات الأهوار الضحلة لزراعة الأرز، وبذلك نالت أراضي المجر حضها بانتعاش زراعتها، فانتشرت سمعتها وهاجر الكثير من أبناء العشائر من الأرياف العراقية إليها، وبذلك فإن أراضيها في بادئها كانت زراعية يزرعها الفلاحون ويجمع ضرائبها شيخ العشيرة، واجتمع جمع من تلك العوائل في قرية صغيرة حيث موضع سوق وادي وتوسعت القرية لاحقاً لتتحول إلى مدينة.
عندما صدرت أوامر من العاصمة العثمانية إسطنبول إلى والي البصرة بجعل العمارة لواءً تابعاً للولاية، اقنع عبد القادر بيك وهو أحد كبار الموظفين في الولاية السلطات العثمانية بإنشاء مؤسسة حكومية تقوم بمهمة إدارة العشائر شمال ولاية البصرة. على أن تكون المؤسسة بمستوى قائمقامية ترتبط بمتصرفية لواء البصرة. كما أقنع السلطات العثمانية باستئجار كافة أراضي لواء العمارة بمبلغ مئة ألف ليرة، وفعلاً تم تعيين عبد القادر بك كقائمقام وأمر بجمع هذا المبلغ فاتصل به كافة رؤساء عشائر العمارة واستأجروا منه الأراضي الزراعية بنظام (اللزمة) بمئة ألف ليرة. وانتهز بعض شيوخ العشائر هذا الفرصة لتوسيع إقطاعياتهم من الأراضي الزراعية بما يوفر لهم أموالاً طائلة، والنتيجة كانت تقوية علاقة شيوخ عشائر وادي دجلة في منطقة العمارة بالدولة العثمانية، إذ انطوت تلك العشائر، ولو بشكل مؤقت، تحت جناح سلطة الولاية فأمنت لهم الطريق البري والنهري الواصل بين بغداد والبصرة بعد ان كانت العشائر تستولي على أراضي ميسان البرية كلها.
وكان لشركة لنج الإنكليزية دورا محوريا في انتعاش حركة الملاحة التجارية في نهر دجلة بعد استصلاحه وزوال أخطار القبائل المهاجمة للسفن، لذلك وجد أبناء العشائر الساكنين على دجلة فرصاً للعمل وخاصة في الزراعة بعد تنظيم العشائر لبعض أمور الري؛ فحفروا الجداول ونصبوا السدود على المنابع. وبعد ذلك ازداد شأن مدن ميسان ومنها المجر الكبير، حيث أصبحت أراضيها مصدرا مهما لإنتاج الحبوب نتيجة خصوبة الأرض ووفرة المياه، كما ساعد ارتباط العراق بالسوق العالمي زراعة الحبوب كالرز والحنطة والشعير التي أصبح لها مكانا مميزا في السوق العالمية للمحاصيل الزراعية. وذكرت السجلات التجارية للدولة العثمانية أن المجر الكبير كانت تصدر أطناناً من الحبوب والمحاصيل الزراعية، حيث مثلت المدينة نهاية القرن التاسع عشر قِبلةَ لسفن تجارة الحبوب من مختلف أنحاء جنوب العراق، حيث يتم تصدير الحبوب إلى البصرة والكوت وبغداد والعمارة، ولاحقاً إلى خارج العراق إلى امارة المحمرة ودول الخليج العربي والهند.
حققت المدينةُ الناميةُ باسم سوق وادي شهرة تجارية، وازدادت أهميتها نتيجة افتتاح قناة السويس عام 1869 حيث انتعشت تجارة الشرق الأوسط وازداد الطلب الأوروبي على المنتجات الزراعية والحيوانية العراقية، وانتقلت الزراعة من زراعة الكفاف والاكتفاء الذاتي لقبائل جنوب العراق إلى مرحلة الإنتاج التجاري التي كانت من أبرز سماتها ازدياد صادرات الحبوب العراقية إلى الخارج، فاتجهت الكثير من العشائر إلى الاستقرار في تلك القرية لقربها إلى أراضيهم التي توسعت شيئا فشيئاً وازدادت أهميتها وكثر الفلاحين الزارعين لأراضيها، مع تزايد اهتمام السلطات العثمانية بالمدينة بسبب الضرائب التي كانت تجبى من شيوخ العشائر الذين تحولوا بالتدريج إلى إقطاعيين ينتجون الحبوب والمحاصيل الأخرى للسوق العالمي.
كما تم بناء محطات الوقود والفحم وخانات المسافرين على الطريق النهري لدجلة، ووفرت الدولة الحماية العسكرية اللازمة للسفن النهرية المتنقلة في نهر دجلة، وبذلك تطورت المراكز التجارية النهرية جنوب العراق تدريجيا وتحولت إلى مدن صغيرة وسط المناطق القبلية والتي أخذ وكلاء تجار الحبوب والمنتجات الحيوانية يجوبونها لشراء ما يحتاجونه من منتجات للتصدير، وهكذا ازدادت أهمية أراضي المجر الكبير الزراعية وازدادت أموال الإقطاع، ومع ازديادها ازداد طمع شيوخ العشائر بتلك المقاطعة فبدأت حروبهم وتقاتلت عشائرهم فيما بينها.
كتابات الرحالة الأجانب
ورد ذكر مدينة المجر الكبير في كتابات مؤرخين ورحالة أجانب مروا بها ما منذ القرن السادس عشر، ونتيجة وقوعها بين مركزي ولايتي البصرة وبغداد فقد ورد ذكرها في عدد من كتب الرحلات التي مرت بالطريق النهري الواصل بين بغداد والبصرة. ويمكننا القول إن أقدم نص ذكرت فيه المدينة كان للرحالة الإيطالي كاسبارو بالبي الذي مر بها عام 1580 وهو لا يذكر اسم المدينة الذي عرفت به لاحقا، إلا أنه يصف موقعها بدقة إذ يقول في ص 107: «ينقسم نهر دجلة في موضع العمارة إلى قسمين يجري الأول متجهاً إلى البصرة بينما يختلط الثاني بشط الجوالز (الغراف)، وقد وجدنا إن النهر أضيق جداً من قسمه السابق، ولاحظنا إن الريف الواقع على يمناه يسكنه شعب الكرجا (ربما يقصد الكرد) ويعيش العرب في الجانب الأيسر من النهر في خيام متناثرة. وفِي الساعة 18 مساءً وصلنا كير وهو موضع يديره سنجق، وإن تلك المنطقة يكثر فيها الأعراب الذين يعيشون على الغزو ويقيمون في الغابات ويتسلحون بالأقواس والسهام. وقد مررنا بالكثير من الرعاة الذين لهم قطعان ماشية من ثيران وخراف وماعز وسائر الحيوانات. وفِي هذه المنطقة هبت علينا رائحة غريبة ومزعجة جداً ورياح قوية جدا على الشراع فدفعت السفينة إلى أحد فروع النهر الهادر. وفِي الساعة 23 وصلنا إلى موضع عين القصر حيث يوجد ضريح أحد أوليائهم، فأراد ملاحو سفننا الخمس التعبير عن إكرامهم له فرموا في الماء الخبز والتمر للأسماك على سبيل الصدقة. وتحط قرب الماء في تلك النواح أعداد كبيرة من طيور النورس والسمان فتغطي المناطق القريبة من هناك.»
ويفسر بعض الباحثين الرائحة الغريبة التي هبت على سفينة الرحالة الإيطالي كاسبارو بالبي أنها كانت بسبب القرب من بعض مناطق الأهوار التي كانت مياهها ضحلة وهادئة في أهوار الصحين والعدل والعزير والأهوار الأخرى المحيطة بمدينة المجر الكبير، وحينما دفعوا بوساطة الريح إلى الفرع النهري فهو وبكل تأكيد نهر المجر الكبير، فهو التفرع الوحيد من دجلة فيما بين العمارة والعزير، أما وصولهم إلى منطقة عين القصر حيث ضريح ذلك الولي فهو ضريح السيد أحمد الماجد أبو سدرة.
ومن بعده تأتي رحلة الرحالة الفرنسي جان بابتيست تافرنييه (1605-1689) وهو تاجر جواهر ورحالة فرنسي زار العراق حوالي عام 1652 وأول من ذكر مدينة المجر الكبير في القرن السابع عشر، وربما في هذا القرن كان ظهور اسم المدينة الحديثة إذ يقول: «كنّا إذا بلغنا قرية ما، نبعث بخدمنا إلى الضفة لشراء الطعام الذي نحصل علية بقيمة زهيدة جداً. أما المدن التي مررنا بها في العمارة – وفيها قلعة مشيدة باللبن – والشطرة (قلعة صالح حالياً) والمنصوري وهي بلدة كبيرة والمجر والقرنة، ويقترن الفرات بدجلة في المدينة الأخيرة».
أما الرحالة الإيطالي فنشنسو الذي زار العراق عام 1655، فقد قدم وصفاً دقيقاً للمدينة أو للمنطقة بشكل عام، وأحوال أهلها ورزقهم، وأفادنا وصفه كثيرا. ومما جاء فيه: «كانت ضفاف الأنهار مأهولة بالسكان فهناك قرى عديدة متجاورة أهمها: المجر وقصر بني وبريدي، وكانت أسعار المواد في تلك القرى بخسة جداً حيث اشترينا أربعاً وعشرين دجاجة وخروفين بطالير واحد، كما إن منتوجات الألبان متوفرة بكثرة وخاصة السمن الحيواني، إذ كانوا يصدرون كميات كبيرة منها إلى البصرة. وإني لم ألمس في الشعب بوادر الراحة أو ملامح الغنى، فبيوتهم أكواخ حقيرة سقوفها وجدرانها وكل ما فيها من أثاث هي حزم من القصب لا غير. وقد رأيتهم يجمعون العسل بكميات كبيرة من الغابات المجاورة. ويكثر السمك في تلك الجهة وهم يصطادونه بطريقة غريبة، إذ يشقون ترعاً قرب النهر ثم يفتحون الماء إليها وبعد أن تمتلئ يسدون الفتحة ثم يتخلصون من الماء تدريجياً فتبقى الأسماك بكمية كافية.»
كما ذكرها الرحالة الشهير سباستياني، وهو الأب جوزيبه دي سانتا ماريا الكرملي عام 1666، ويذكر في أخبار رحلته: «وفي الثالث عشر من تشرين الثاني وصلنا المجر وتعتبر هذه المنطقة نهاية حدود ولاية بغداد، فكان من واجب القبطان أن يدفع رسوما عن الحمولة» وهو يقصد بذلك أن المجر هي الحد الفاصل بين ولايتي بغداد والبصرة قبل سيطرة إمارة المنتفق عليها.
أما في عام 1905 حين عينت الدولة البريطانية جون غوردون لوريمر لمسح منطقة الخليج والعراق جغرافيا في حملة لاستكشاف الخليج العربي. فقد وصف لوريمر المجر الكبير بقوله: هي «قرية كبيرة جدا مؤلفة من الأكواخ، تابعة لقبيلة البو محمد على الشاطئ الأيمن لنهر دجلة على مسافة 12 ميلاً بالمركب جنوب مدينة العمارة. وهي مقر ناحية مشابهة لهذا الاسم في قضاء العمارة ولها سوق. ويزرع بها الذرة والأرز وعلف المواشي، والأرض مليئة بالمستنقعات والحيوانات الوحيدة هي الجاموس والماشية، ويوجد فيها حوالي 40 حانوتاً، وتوجد ترعة كبيرة بجوار هاتين القريتين (أي المجر الكبير والمجر الصغير).»
يذكر الكاتب عبد الرزاق الساعدي، وهو أحد أبناء مدينة المجر الكبير في لقاء صحافي مصنع السكر الذي تم إنشاؤه في قضاء المجر الكبير في محافظة ميسان، ويشير إلى أن المصنع تأسس في أيار/مايو1965، وكانت الشركة المنفذة الرئيسية للمشروع شركة «هاوايان اكرونومكس» العالمية الأمريكية مع المقاول الثانوي شركة «امبيانتي» الإيطالية. واستغرق إنشاء المصنع خمس سنوات وبدأ التشغيل في اذار/مارس 1970 بطاقة تصميمية مقدارها مئة ألف طن سكر أبيض في السنة.
ويتبع لمصنع السكر العراقي مزرعة بمساحة 42 ألف دونم لزراعة قصب السكر، وتتكون من قسمين: الجانب الشرقي بمساحة 25 ألف دونم، والجانب الغربي بمساحة 17 ألف دونم. وقد صممت خطوط أنتاج المصنع لتتم الاستفادة من مخلفات التصنيع مثل المولاس الذي يستخدم في إنتاج العديد من المنتجات الصناعية مثل الكحول المثيلي وغيره. والمولاس هو دبس السكر أو العسل الأسود، وعبارة عن سائل بني لزج غامق وهو الناتج الثانوي من عملية البلورة النهائية لتصنيع السكر ويدخل في صناعات عديدة أهمها الكحول والغليسرين وصناعات التخمر والأعلاف.
بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 توقف المصنع عن الإنتاج كغيره من المؤسسات الصناعية في العراق نتيجة عدة أسباب أهمها: انقطاع الكهرباء، وأزمة الوقود، والتجاوزات على مزرعتي المصنع وتحويل أراضيها الزراعية إلى منازل سكنها المتجاوزون. إضافة إلى عدم استقرار الوضع الأمني بعد 2003 وعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة منذ سقوط نظام صدام عن تأهيل المصنع ومزارع قصب السكر وعجز الحكومات المتتالية عن تزويد المصنع بالمكائن الحديثة والمتطورة، وعدم توفر الصيانة للمكائن القديمة بشكلها الصحيح، بالإضافة إلى سوء الإدارة وتفشي الفساد المالي والإداري مع التعرض إلى عمليات النهب والتخريب التي حدثت عام 2003.
وتذكر الشركة العامة لصناعة السكر بأنها اعتمدت على قدرتها الذاتية لإعادة تأهيل مصنع قصب السكر في المجر الكبير. مع العلم أن العمل في هذا المصنع متوقف في الوقت الحاضر لكنه يعمل حاليا بخطين إنتاجيين: الأول لإنتاج العلف الحيواني والسماد، والثاني لتعبئة السكر المستورد. وتشير التقارير إلى أن شركة الصناعات الغذائية في ميسان تسعى لاستثمار معمل سكر ميسان عبر التعاقد مع إحدى الشركات المتخصصة لتدخل كشريك مع الشركة العامة للصناعات الغذائية وتزودها بالسكر الخام ليتم تكريره باستخدام معدات المعمل ليعود المصنع للعمل بكامل طاقته التصميمية.