مقالات

ما انعكاسات تسلح أوروبا على شمال افريقيا؟

ما انعكاسات تسلح أوروبا على شمال افريقيا؟

حسين مجدوبي

يوجد ترحيب باستقلالية القرار العسكري الأوروبي في مواجهة الولايات المتحدة، ولا يقتصر فقط على الصين وروسيا ودول أخرى، بل يمتد الى العالم العربي. وما يجب أن لا يغيب عن بالنا هو أن هذا التطور العسكري، ليس فقط جدارا في وجه روسيا، ولكن قوة ردع أيضا، واحتمال قوة تحرش تجاه الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط في وقت الأزمات.
يتابع العالم باهتمام كبير العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على المستوى العسكري، بعدما تبين رغبة الإدارة الجديدة في البيت الأبيض في إرساء علاقات متينة مع روسيا، بما في ذلك إقناع أوكرانيا بالتخلي عن شرق البلاد (إقليم دونباس) لصالح موسكو، ثم سحب المظلة العسكرية لأوروبا. وهكذا نتابع كيف تسعى الدول الأوروبية بشكل حثيث، عبر مؤتمرات وزيارات مكثفة إلى الاتفاق حول الإنفاق العسكري وتمويل الأبحاث العسكرية وتوحيد العتاد الحربي لتكون قوة متناسقة.
ويركز الخطاب العسكري الأوروبي على أن هذه الاستراتيجية موجهة لتحقيق هدفين، الأول هو، البقاء ضمن نادي الكبار إلى جانب الصين وروسيا والولايات المتحدة، وربما الهند غدا، ثم ردع الكرملين مستقبلا عن أي مغامرة عسكرية نحو دول أوروبا الشرقية، كما جرى مع أوكرانيا، وهي الحرب التي اندلعت خلال فبراير 2022 وتستمر إلى يومنا هذا. ويكشف لنا التاريخ كيف يتغير مجرى الأحداث لينتهي إلى مطاف لم يكن منتظرا، أو لم يتم استحضار المعطيات الكافية لفهم ما قد يجري مستقبلا أو التكهن به، يضاف إلى هذا، الوهم بعدم تغير الأوضاع، بل استمرارها كما هي، وهذا من أسوأ ما تؤمن به بعض الشعوب والأنظمة، ومنها العربية، حتى تقع الأزمة والكارثة. وإلى جانب روسيا التي تبدو الآن في الواجهة، كهدف للسياسة العسكرية للاتحاد الأوروبي، الواقع أن تحول أوروبا الى قوة عسكرية كبرى أكثر مما هي عليه الآن، يعني تفاقم الشرخ العسكري لصالحها، بينها وبين العالم العربي، خاصة في المتوسط. ويمكن استحضار معطى قد يصبح من البديهيات والمسلمات وهو، سعي الغرب، خاصة أوروبا، إلى أن لا يكون حزامها الجنوبي، أي الإسلامي – العربي مستقرا وقويا عسكريا. ونرى كيف تعرب إسبانيا عن قلقها من دينامية التسلح التي يقوم بها المغرب، وكيف تعرب فرنسا عن الموقف نفسه بسبب تسلح الجزائر. نعم، يستمر التفوق العسكري الفرنسي والإسباني على شمال افريقيا، لكن قوة الردع تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، بشكل لم يحدث منذ أكثر من أربعة قرون.

يكشف لنا التاريخ كيف يتغير مجرى الأحداث لينتهي إلى مطاف لم يكن منتظرا، أو لم يتم استحضار المعطيات الكافية لفهم ما قد يجري مستقبلا أو التكهن به

باستعادته القوة العسكرية بشكل أكثر، سيستعيد الاتحاد الأوروبي الردع العسكري الكبير، خاصة دول الجنوب، مما سيصبح التلويح والتلميح بالقوة العسكرية حاضرا في الأجندة إبان الأزمات. ويكفي استحضار ما فعلته إسبانيا خلال يوليو 2002 عندما لجأت إلى الردع العسكري ضد المغرب لاستعادة جزيرة ثورة (المعروفة كذلك باسم ليلى) بدل الحوار. لنستحضر كيف وقفت أوروبا إلى جانب إسبانيا في أزمة الهجرة في سبتة خلال مايو 2021 بما في ذلك تأكيد استعمار المدينتين. لنستحضر أن قمة الحلف الأطلسي في مدريد صيف 2022، ألمحت خلالها بعض الأطراف، ومنها إيطاليا وإسبانيا بضرورة تدخل الحلف خارج حدوده، لو تعرضت إمدادات الطاقة للخطر، وكانت تقصد ليبيا والجزائر أساسا، وهي إشارة باستعراض القوة المستوحاة من الفكر الاستعماري الذي لم يعد بائدا. لنفترض أن الدول الأوروبية عندما تحكمها أحزاب يسارية وليبرالية ويمينية تقليدية محافظة يسود نوع من الهدوء، رفقة بعض الخشونة الناعمة في العلاقات الدولية، ولكن ماذا سيحدث لو أصبحت أوروبا تحت رحمة اليمين القومي المتطرف الذي يعتبر الآخر لا يساوي شيئا ويؤمن فقط بالقوة؟ لنغوص في التاريخ قليلا، باسم خطاب تفوق العرق الأبيض، ونقل الحضارة للإنسان المتوحش (الإنسان غير الأوروبي)، برّر الغرب استعمار أمم الجنوب. ومن ضمن أغرب المفارقات أن ترجمة هذا الخطاب إلى فعل ميداني – استعماري حدث في وقت كانت تشهد فيه القارة الأوروبية تطورا سياسيا وثقافيا وفلسفيا، يتمحور حول حقوق الفرد والشعوب والأقليات بدأ مع النهضة الأوروبية.
وتعود تلك الرؤية القديمة والمقيتة، في وقتنا الراهن، عبر اليمين المتطرف بصيغ مختلفة ولا تخفي بشاعتها في العمق وتستهدف كل ما هو مشترك دوليا. فهي تنظر إلى المؤسسات المتعددة الأطراف على أنها كيانات تهيمن عليها نخب تتمحور حول الذات وتهدد السيادة الوطنية والقيم التقليدية. وتتعارض هذه النظرة بشكل مباشر مع عمل النظام الدولي القائم على التعاون والمعايير المشتركة، بمعنى استحضار القوة العسكرية في حل النزاعات.
إن ارتفاع أسهم اليمين القومي المتطرف، له تأثير سلبي مباشر على النظام المتعدد الأطراف، لاسيما الأمم المتحدة. فهو يشكل تهديدا وجوديا للمنظمات الدولية. وتمت ترجمة هذا عبر التلويح بالقوة والاعتداء على الآخر. ويقود الآن هذا اليمين الرئيس ترامب، ولم تتردد الإدارة الأمريكية في طرح السيطرة على قطاع غزة وغرينلاند وضم كندا والضغط على أوكرانيا، لكي تتخلى عن أراضيها الشرقية لصالح روسيا في خرق سافر للقانون الدولي. من الناحية العملية، من الصعب تكرار الاستعمار في صيغته السابقة، مثلما حدث إبان القرن التاسع عشر، حيث إن الكثير من دول العالم تتوفر على جيوش قادرة على تنظيم مقاومة شرسة ضد المحتل. ومع ذلك، قد يحمل المستقبل مفاجآت، بما في ذلك القدرة على اقتطاع مناطق من دولة معنية ما، إذا لم تتم السيطرة عليها بالكامل. وهو السيناريو الذي يحصل في العراق وسوريا واليمن وفلسطين وفي أوكرانيا. فالقوى الكبرى، خاصة مع اليمين القومي المتطرف ستكون قادرة على اقتطاع أجزاء من الدول. وما دامت ثقافة سمو الإنسان الغربي – المسيحي على باقي الديانات والثقافات والإثنيات الأخرى مستمرة، وسط شريحة من الغربيين، فإن خطر العدوان الخارجي الذي يستهدف أمم الجنوب ستستمر. ولهذا، فإن رفع الاتحاد الأوروبي من مستوى التسلح وهو الذي يرى دائما الجنوب بمثابة الخطر بسبب الإرهاب والهجرة واستقلال التحكم في الثروات الوطنية، ثم احتمال وصول اليمين القومي المتطرف إلى الحكم، وهو الذي يحتقر دور المؤسسات الدولية ويعتقد أن التدخل في ثروات الآخر حق إلهي، من ضمن المؤشرات المقلقة في العلاقات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، والعالم العربي والغرب الأوروبي. يحدث هذا في وقت ما زال جزء من الرأي العام في الجزائر والمغرب يخوضان حربا إعلامية.

كاتب مغربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب