مقالات

في مآلات تأزيم الداخل الإسرائيلي

في مآلات تأزيم الداخل الإسرائيلي

أنطوان شلحت

وفقًا لما يكرّره محللون عسكريون وجنرالات سابقون، يجب ألّا يكون هناك أدنى شك في أنه من أجل تدمير “حماس” على إسرائيل أن تسيطر على قطاع غزّة بأكمله، وأن تحتله فترة غير محدّدة تتطلع فيها إلى “بديل مستقر”

ترسم لنا كتاباتٌ إسرائيلية متعدّدة صورة مخالفة لما تحاول حكومة نتنياهو والضاربون بسيفها تسويقه بشأن الحرب المستمرّة على غزّة، وهي بذلك تسعى إلى إظهار الجانب المخفي من الأزمات التي تطاول دولة الاحتلال تحت وطأة الحرب وعدم استشراف نهايتها. ومن هذه الصورة، المخالفة، نتوقف عند تفصيلين:

الأول، عاد إلى صدارة الخطاب العام مصطلح “حرب التضليل” الذي أطلقه المحلل العسكري السابق لصحيفة هآرتس زئيف شيف ومحلّل الشؤون العربية إيهود يعري على حرب لبنان عام 1982، وانطلاقًا منه، يجري توصيف الحرب الحالية بأنها “حرب التضليل الثانية”، سيما إلى ناحية الكذب المتفق عليه بين المؤسّستين السياسية والأمنية أن من شأن استئناف القتال، بعد أن خرقت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، أن يؤدّي إلى تدمير حركة حماس وقدرتها العسكرية وإطلاق الأسرى الإسرائيليين، عبر تناسي أن هذه التجربة كانت الإخفاق الأبرز في نتائج نحو عام ونصف عام من الحرب، مثلما فشلت قبل ذلك مرّاتٍ لا تُحصى.

ووفقًا لما يكرّره محللون عسكريون وجنرالات سابقون، يجب ألّا يكون هناك أدنى شك في أنه من أجل تدمير “حماس” على إسرائيل أن تسيطر على قطاع غزّة بأكمله، وأن تحتله فترة غير محدّدة تتطلع فيها إلى “بديل مستقر”. ولا يمكن أن يتحقق هذا الأمر إذا ما كان الهدف المركزي للحرب إطلاق الأسرى الإسرائيليين الذي لن يُتاح إلا بثمن إنهاء الحرب.

الثاني، نجحت الحكومة الإسرائيلية في جعل العاصفة التي أثيرت بشأن إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) والمستشارة القانونية مسيطرة على الحديث العام.

وبحسب ما يؤكّد أحد أساتذة العلوم السياسية، تتمثل إستراتيجيا الحكومة على المستوى الداخلي في تفخيخ الساحة السياسية بعدة قنابل موقوتة يتسبّب الانشغال بتفكيكها في صرف الانتباه عن الحرب وتناقضها مع غاية إطلاق الأسرى.

يعتبر هذا الأستاذ نفسه أن التفخيخ يجعل من الجبهة الإسرائيلية الداخلية بمثابة جبهة حربية ثامنة، تخوض فيها إسرائيل حربا ضد… إسرائيل! ومن هنا تبدأ المواجهة الدائمة ما بين التفخيخ الخفيّ والاحتجاج الجماهيري الذي يتم تأثيمه أمام الرأي العام.

ويمكن ملاحظة لجوء بعضهم إلى وضع عدة أزمات داخلية تحت الضوء بغية الدفع بها نحو الذروة.

وأبرز هذه الأزمات: أولا، الأزمة الناجمة عن أن استئناف الحرب يخدم غاية نتنياهو في البقاء السياسي، وتراكم يقين شبه مؤكد بختل الادّعاءات التي تروّجها الحكومة الإسرائيلية، وفي مقدّمها الادعاء بأنه يمكن إسقاط حُكم حركة حماس في قطاع غزّة، وفي الوقت نفسه، إطلاق الإسرائيليين الأسرى لديها، في حين أن الرأي السائد في أوساط مزيدٍ من الإسرائيليين أن الجمع بين هذين الخيارين مستحيلٌ، مثلما أثبتت مجريات الحرب على غزّة منذ اندلاعها. كذلك يسود بين غالبيتهم رأي مواز أن استئناف الحرب مقامرة علنية بمصير الأسرى، إلى درجة أن هناك من جزم بأن نتنياهو يفتح “بوابات جهنّم” عليهم.

ثانيًا، أزمة تواتر المطالبة بلجنة تحقيق رسمية لتقصي وقائع أحداث السابع من أكتوبر (2023)، والتي تعارض الحكومة تشكيلها. وتتميز لجنة التحقيق الرسمية بصلاحيات واسعة مخوّلة لها حسب القانون، فهي مخوّلة مثلًا بإلزام شهود على المثول للشهادة وبإبراز وثائق وقرائن أخرى.

كما أنها مخوّلة بكل الصلاحيات التي تتمتّع بها محكمة، بما في ذلك فرض عقوبات إزاء شهادة زور أو شهادة كاذبة، ويعمل تحت تصرّفها جهاز مستقل لجمع المواد اللازمة للتحقيق. وكما هو معروف، لا تتحمّس الحكومات الإسرائيلية، بصورة عامة، لإقامة لجنة تحقيق رسمية، وتحبّذ لجنة تحقيق حكومية. ولذا أقيم بعض لجان التحقيق الرسمية في أعقاب ممارسة ضغط شعبي، بالرغم من أن الحكومات حاولت، في هذه الحالات، الاكتفاء بلجان فحص حكومية.

ثالثًا، في ما يخصّ أزمة إقالة المستشارة القانونية المقصود هو الهجوم بالأساس على القانون الذي ينظّم إدارة الدولة، ويسبغ الشرعية على أعمالها ونشاطاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب