مقالات

نيتنياهو بين دبلوماسية الإدانة والمهمة الروحية بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

نيتنياهو بين دبلوماسية الإدانة والمهمة الروحية
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
في لقاء تلفزيوني (القناة i24) قال نيتنياهو ما نصه ” انه في مهمة تاريخية وروحية وانه بالتأكيد متمسك “جدا” برؤية اسرائيل الكبرى”…فرد عليه العرب “بالادانة”.
للتذكير فقط بدأ الموضوع بوعد بلفور، ثم أقرته الامم المتحدة في قرار رقم 181 في نوفمبر 1947 بالاعتراف بتقسيم فلسطين الى دولة عربية شملت الضفة الغربية وغزة واغلب الجليل وامتداد بما يعادل مساحة قطاغ غزة في النقب وحتى حدود بئر السبع، والباقي هو دولة اسرائيل، لكن الحركة الصهيونية اخذت الجليل بكامله والنقب كله، وادان العرب ذلك التصرف.وفي عام 1967 اكملت الصهيونية مشروعها باحتلال فلسطين واجزاء من مصر وسوريا ولبنان لاحقا..وأدان العرب ذلك من “امام حجاب”اما “ما وراء الحجاب فشيء آخر. ثم اعلن ترامب ضم القدس في رئاسته الاولى ،فادان العرب الضم مرة اخرى.
ومع تصريح نيتنياهو ندخل مرحلة جديدة لا بد من ربطها مع مؤشرات أخرى لتتكامل الصورة:
أ‌- تصريح ترامب بأن اسرائيل منطقة ضيقة وتحتاج لمزيد من الأراضي او العقار بلغة ترامب.
ب‌- تصريح ترامب عن “ريفيرا غزة” وتفسيرات سفيره في اسرائيل لذلك.
ت‌- عشرات التصريحات من بن غافير وسموتريتش وجالانت …الخ عن تهجير فلسطيني الداخل.
لقد تحدث نيتنياهو بلهجة “رسولية” ، فهو في مهمة روحية(ينفذ امر الله” وهو ايضا ” في مهمة تاريخية” يكمل فيها تنفيذ امر ارض الميعاد” ووضع حدودا لمهمته في انجاز “اسرائيل الكبرى”.
وثمة مفهومان لاسرائيل الكبرى في الادبيات الصهيونية المعاصرة ، الاول وهو المفهوم التاريخي الذي يتبناه اليمين الاسرائيلي الديني والذي يعني فلسطين وجوارها المباشر لتكون دولة اسرائيل بين نهر النيل ونهر دجلة، والعلم الاسرائيلي يوضحها، فنجمة داود تقع بين خط ازرق فوقها –وهو النيل – وخط ازرق تحتها –وهو دجلة”، بهذا يكون تعبير اسرائيل الكبرى هو تعبير “جيوسياسي ديني “. لكنه في جوهرة مشروع جيواستراتيجي أمني.
اما المفهوم الثاني لاسرائيل الكبرى فهو المفهوم “الجيواقتصادي” والذي تبناه الثنائي اسحق رابين(وشرحه مطولا) ومعه شيمون بيريز “الشرق الاوسط الجديد”، على ان تكون اسرائيل هي “قلب” هذه الكتلة الجيواقتصادية.
ويشير المسار منذ 1979 الى الآن ان مشروع اسرائيل الكبرى بمضمونه الجيواقتصادي يتوارى تدريجيا لصالح توظيفه لخدمة المشروع الجيوسياسي الذي يجعل من اولوية الامن تعلو اي اولوية أخرى او تُطوعها لصالحه، فتفريغ السكان من فلسطين، والتمدد الجغرافي والسيطرة على مصادر المياه والغاز ، واحتلال كل منطقة استراتيجية مجاورة ، ومنع مشاركة قوى اقليمية في جني اية مكاسب لها في المنطقة، كلها مؤشرات على اولوية الجيوسياسي على غيره، كل ذلك هزم المشروع الجيواقتصادي لاسرائيل الكبرى، بدليل ان انصاره الآن في الكنيسيت لا يملأون الا مقاعد محدودة للغاية من القوى الصهيونية، ذلك يعني ان المشروع الجيوسياسي له الاولوية وعلى المشروع الجيواقتصادي ان يخدم المشروع الجيوسياسي الامني لا العكس.
ماذا يعني ذلك؟
ان الرد على المشروع الصهيوني الجيوسياسي والجيوأمني، يستلزم ردا جيوسياسيا واضحا، وليس الانضمام العربي الى القيادة المركزية الامريكية(سينتكوم) مع اسرائيل لتسهيل التعاون الامني العربي الاسرائيلي وتقاسم الاعباء معها بخاصة بعد نقل اسرائيل من تبعيتها للقيادة الاوروبية(يوكوم)، وهو ما يعزز آليات المشروع الجيوسياسي الاسرائيلي الامريكي في المنطقة ، فتترابط حلقات القوات الامريكية والاسرائيلية بالمشروع الابراهيمي لنكون جزءا من التطويق الغربي للمشاريع الصينية الروسية الايرانية ، ويكفي ان نذكر ان انشاء القيادة الامريكية المركزية تم عام 1983 بعد اربعة اعوام من الغزو “السوفييتي “لافغانستان، وقيام الثورة الايرانية ، وفي عام 2004 تم نقل سوريا ولبنان لمجال عمل القيادة المركزية، والا كيف نفسر الادوار التي توزعت على دول المنطقة في المواجهة الامريكية الاسرائيلية مع ايران في الايام ال12 في يوليو الماضي؟
ان فراغ المنظور العربي من الابعاد الجيوسياسية والجيوأمنية لا تملأه بيانات الإدانة والتي لا توليها اسرائيل أدنى اهتمام،ان المهمة الروحية والتاريخية التي تتراءى لنيتنياهو، تحتاج لمهمة “عربية روحية وتاريخية” مقابلة لا خنقها بدس قطن الابراهيمية في حلقها.
والاغرب في الدبلوماسية العربية انها تروج لمنافع السلام “ومللنا الحروب..الخ” من ناحية، لكنها من ناحية اخرى هي التي تقف في المراتب الاولى عالميا في نسبة الانفاق العسكري الى اجمالي الناتج المحلي ، ولا أجد لذلك اي تفسير الا انه الرغبة في السلام مع اسرائيل للتفرغ للمهام الامنية الاخرى التي تخدم اسرائيل والمشروع الامريكي ضمن المنظور الجيوسياسي أمني.
ها هو نيتنياهو يمهد الارض لتهجير غزة ،وتهجير الضفة الغربية(قسرا وطوعا)،ويعيد هندسة سوريا جغرافيا وسكانيا، ويصر على اجتثاث أية مقاومة له في اية بقعة عربية، ويقف الاتجاه التاريخي الأعظم للدبلوماسية العربية المعاصرة الى جواره…وأتمنى من كل عربي ان يعود لمقال وزير الخارجية الاسرائيلي الحالي جدعون ساعر(قبل عشر سنوات تماما) والذي ترجمته كاملا ونشرته واشرت له مرارا على صفحتي هذه بتاريخ 4 يناير 2025 وهو:
Gideon Sa’ar and Gabi Siboni-Farewell to Syria-INSS.no.754.oct.13.2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب