كتب

مأزق حضرموت يزيد من تعقيد الحل اليمني

مأزق حضرموت يزيد من تعقيد الحل اليمني

أحمد الأغبري

«الانتقالي» بات يعتبر أن حسم مشكلته في حضرموت هي مسألة حياة أو موت بالنسبة له؛ وهو ما قد يضطره لتفجير الوضع عسكريًا داخل المحافظة.

صنعاء ـ   دخلت الأزمة اليمنية في «مأزق» جديد يضاعف من تعقيدات حلها؛ مع مطالبة مكونات سياسية في محافظة حضرموت الواقعة شرقي البلاد، بالحكم الذاتي، وتكثيف الأنشطة حوله مؤخرًا، وصولًا إلى تشكيل قوة مسلحة تحت لافتته، في محافظة هي الأكبر مساحة والأغنى نفطا يمنيًا؛ بل واشتمال خطاب حلف قبائل حضرموت، في اللقاء الأخير، لكلمة الاستقلال، بما تعنيه من دلالات قد تتجاوز معاني «الحكم الذاتي»، لاسيما مع ارتفاع لهجة التهديد التي تلقاها المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) بنبرة تحدي موازية؛ ما قد يهدد أمن واستقرار هذه المحافظة المعروفة بوعيها الثقافي المنحاز، في كثير منه، للفن والتراث والسلام والاعتدال الديني.

يشار إلى أن واقع حضرموت (تشمل تاريخيًا ما يتجاوز جغرافيتها الحالية) كانت قبل عام 1967 مقسمة بين سلطنتين كثيرية في الوادي وقعيطية في الساحل، تحت وصاية الانتداب البريطاني، قبل أن تتمكن الجبهة القومية من تحرير جنوب اليمن من المحتل، وإعلان قيام جمهورية اليمن الجنوبية، التي وحدت عشرات السلطنات والمشيخات.
عود على بدء؛ قابل «الانتقالي» مخرجات «لقاء حضرموت» الأخير بموقف حاد؛ إذ استشعر خطورة الوضع الذي بات محدقًا بمشروعه؛ في حال انفرطت من عقده محافظة كحضرموت؛ إذ سيذهب حينها هذا المشروع أدراج الرياح.
كعادته في كل مرة يواجه فيها مشروع حلف قبائل حضرموت يدعو «الانتقالي» إلى مسيرة؛ لكنه هذه المرة يحضّر إلى مسيرة وصفها بالمليونية تقام يوم غد الاثنين بمدينة المكلا، في ذكرى تحرير حضرموت من قوى الإرهاب؛ من خلال ما تُعرف بقوات «النخبة الحضرمية» المدعومة إماراتيًا.
و»الانتقالي» باحتفائه بقوات النخبة المتواجدة في ساحل حضرموت يريد ضرب إسفين بينها والحلف، الذي ما زال يسجل حضوره الكبير في وادي حضرموت؛ كما يريد «الانتقالي» استغلال المسيرة للتعبير عن موقف يقول فيه إن أبناء حضرموت يرفضون مشروع حلف القبائل ومؤتمر حضرموت الجامع نحو الحكم الذاتي، وإن حضرموت جزء لا يتجزأ من مشروع دولة الجنوب العربي، الذي يتبناه «الانتقالي» المدعوم من أبو ظبي؛ أي أنه يريد أن يعلن من خلال الحشود أن هوية حضرموت «جنوبية»، وليس كما يقول الحلف، الذي يعتبر هويتها «حضرمية».
إزاء هذه التحضيرات لمسيرة الغد أصدر مؤتمر حضرموت الجامع بيانًا أتهم «الانتقالي» باستغلال المسيرة لإدخال مجاميع مسلحة من أبناء محافظات عدن وأبين والضالع إلى حضرموت؛ وهو اتهام يؤشر إلى أن «الانتقالي» يعمل على تعزيز حضوره العسكري في المحافظة استعدادًا لأي مواجهة عسكرية محتملة؛ باعتبار مشروع حلف القبائل صار يمثل تهديدًا وجوديًا لمشروع الانتقالي الجنوبي؛ فالأخير يدرك جيدًا أن بدون حضرموت لا يمكن أن تقوم قائمة لمشروعه الانفصالي؛ بل إن نجاح مشروع الحلف في توسيع دائرة أنصار الحكم الذاتي سيتسبب في تشجيع آخرين في محافظات جنوبية وشرقية أخرى لإعلان مشاريع مماثلة؛ ولهذا فـ «الانتقالي» بات يعتبر أن حسم مشكلته في حضرموت هي مسألة حياة أو موت بالنسبة له؛ وهو ما قد يضطره لتفجير الوضع عسكريًا داخل المحافظة؛ وذلك ما حذر منه بيان مؤتمر حضرموت الجامع؛ لكن سبق وتضمن بيان ما يعرف بـ«لقاء حضرموت» تهديدًا مماثلًا، وإن كان بلغة مواربة.
حضارم رافضون للانتقالي يسألون في «تدوينات» عن أسباب حرصه دائمًا على تنظيم مسيرات لأنصاره في محافظة حضرموت كلما شعر بمشكلة، بينما لم يسبق له أن نظم مسيرة بهذا التحضير في محافظات جنوبية أو شرقية أخرى؛ في إشارة إلى أنه لم يتبق معه سوى هذه الوسيلة ليستعين بها في مواجهة الموقف الشعبي المتصاعد ضده في حضرموت، على حد تعبير أحدهم.
ما يجب التنبيه له؛ أن الأزمة التي تسبب بها مطلب حلف قبائل حضرموت ذي العلاقة بالحكم الذاتي لا تضع المجلس الانتقالي الجنوبي في ورطة؛ بل تضع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في ورطة أيضًا؛ كما تضع مشاورات التسوية اليمنية المقبلة في مأزق جديد؛ إذ بات هناك طرف جديد يرفض أن تكون منطقته تحت هيمنة سلطة في الجنوب أو الشمال، ويريد أن يدير شؤونه بنفسه من خلال أبنائه؛ وقبل ذلك يريد أن يكون مؤتمر حضرموت الجامع هو ممثل حضرموت في مشاورات التسوية المقبلة؛ ما سيفتح الباب واسعًا أمام ظهور مطالبات بتمثيل مناطقي في فريق الحكومة المعترف بها دوليًا في المشاورات؛ وهذا سيزيد من تعقيد الأمور؛ لان اختيار فريق حكومي للمشاورات وفق تمثيل مناطقي؛ سيذهب بالتسوية إلى مزيد من التعقيد، وربما في حال تم تنتهي المشاورات بتقسيم البلاد؛ لأن الوحدة لن يكون لها من يمثلها في فريق الحكومة.
كما أن مطلب الحكم الذاتي الذي يرفعه حلف قبائل حضرموت ما زال ملتبسًا؛ خصوصًا وأن كلمة الاستقلال بدأت تدرج في أحاديث وبيانات في الفترة الأخيرة؛ مما يثير سؤال مفاده: ماذا يعني الحلف بالحكم الذاتي؟ فإذا كان يقصد أن تكون حضرموت إقليمًا ضمن نظام فيدرالي لا مركزي فهذه مسألة مؤجلة سيتم إقرارها بعد إيقاف الحرب وانتهاء المرحلة الانتقالية، والذهاب إلى مرحلة تحديد شكل الدولة؛ أما إذا كان المراد من هذا المطلب هو استقلال حضرموت كدولة؛ فهذا لا يمثل تهديدًا لوحدة اليمن، بل سيكون تمزيق اليمن خطرًا على المنطقة برمتها؛ وسيجر اليمن إلى مرحلة تستأنف فيها الحرب بين السلطات القائمة طمعًا في مناطق الثروة، وصولًا إلى تدمير ما تبقى من عرى الجغرافيا والثقافة والهوية؛ فهل يدرك اليمنيون إلى أين تمضي مشاريع التمزق القائمة، خصوصًا في ظل الاضعاف المستمر لما تبقى من قدرات الجيش الواحد على حساب تمدد وتضخم الجماعات المسلحة، التي ولدت وتترعرع تحت رعاية خارجية استعدادًا لتلك اللحظة؟

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب