تحقيقات وتقارير

هل صنعاء على أبواب أزمة وقود حقيقية؟

هل صنعاء على أبواب أزمة وقود حقيقية؟

أحمد الأغبري

تعتقد الإدارة الأمريكية إنها بفرض الحصار الاقتصادي على مناطق سيطرة الحركة ستدفع بالأخيرة للخضوع لمطالبها؛ وبالتالي إنهاء حملتها المكثفة على اليمن.

صنعاء ـ

عاود الطيران الحربي الأمريكي، مساء الجمعة، استهداف ميناء رأس عيسى النفطي في مديرية الصليف بمحافظة الحديدة بأربع غارات في سياق استهداف متواصل بلغ أربع مرات منذ بدء الموجة الثانية من التصعيد الأمريكي على اليمن. ويهدف هذا الاستهداف المتكرر إلى تعطيل قدرات الميناء على استقبال السفن النفطية، وصولًا إلى خلق أزمة وقود في مناطق سيطرة حركة «أنصار الله»(الحوثيون).
تعتقد الإدارة الأمريكية إنها بفرض الحصار الاقتصادي على مناطق سيطرة الحركة ستدفع بالأخيرة للخضوع لمطالبها؛ وبالتالي إنهاء حملتها المكثفة على اليمن، والتي تأتي في محاولة لدفع الحوثيين إلى وقف هجماتهم على إسرائيل وممرات الشحن في البحر الأحمر تضامناً مع الفلسطينيين.
مما لا شك فيه إن القصف الأمريكي لمنشأة ميناء رأس عيسى النفطي ومنع السفن من الاقتراب من الميناء سيؤثران بشكل كبير على سوق الوقود في مناطق سيطرة الحركة؛ باعتبار الميناء هو النافذة الوحيدة لإدخال الوقود؛ وبالتالي فإن قصفه وتهديد السفن التي تتجه ناحيته؛ يمثل استئنافًا للحصار الذي كان مفروضًا من قبل التحالف العربي قبل التفاهمات بين «أنصار الله» والسعودية عام 2023؛ وهو ما يمثل إمعانًا في تضييق الخناق على السكان؛ الذين يشكلون في مناطق سيطرة «أنصار الله» ما نسبته 70 في المئة من سكان اليمن.
سيترتب على ذلك، في حال تم، تأثير واضح على مجمل مسارات الحياة العامة؛ بدءا من خدمات المستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها من المرافق والخدمات العامة؛ الأمر الذي سيفاقم من معاناة اليمنيين هناك؛ وسيتسبب في رفع أسعار السلع، وإعادة الاعتبار للسوق السوداء للوقود؛ وهو ما سيعيد اليمنيين هناك إلى سيرتهم الأولى من معاناة الحصار الناتج عن الحرب المستعرة منذ عام 2015؛ ومثل هذا يمثل حربًا أخرى على اليمنيين، وليس على فئة معينة؛ كما أنه يمثل استهدافًا مباشرًا لحياة الناس ومعيشتهم واستقرارهم.
مما سبق؛ نسأل: هل ستكون صنعاء في الأيام المقبلة على أبواب أزمة وقود حقيقية؟ وإلى أين ستذهب هذه الأزمة في تداعياتها في حال أصرت واشنطن على منع كل السفن من الدخول لميناء رأس عيسى؟ وما هي الحلول المتاحة لصنعاء لتجاوز هذه الأزمة أو التخفيف من تداعياتها؟
يعتقد الصحافي معين النجري، رئيس تحرير المجلة الطبية، أن ثمة تأثيرا كبيرا سيكون ملحوظًا في سوق الوقود، لكنه في ذات الوقت يعتقد إنها لن تصبح أزمة حقيقية.
يقول النجري لـ«القدس العربي»: «سيكون هناك تأثير كبير في سوق الوقود، لكنني أعتقد لن تصبح هناك أزمة حقيقية؛ لأن التجار سيتوجهون إلى المناطق الجنوبية لجلب الوقود، وقد سبق أن تم منع استيراد الوقود من الموانئ التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وتم التعامل مع الوضع».
وفيما يتعلق بتداعيات هذه الأزمة يرى أنه «لن يحدث شيئًا ملفتًا، فكل طرف يقدم في هذا الصراع الآن كل ما يمتلك من أسباب القوة، ولا خيارات متاحة أمام صنعاء سوى الاستمرار في استهداف القطع البحرية الأمريكية، وربما السفن التجارية الأمريكية».
ويقول على صعيد الحلول المتاحة: «ستعود السوق السوداء للوقود، وقد يرتفع سعر اللتر 50 في المئة، لكن لا تمتلك صنعاء أي حلول أخرى».
لن تكون هناك أزمة

الصحافي الاقتصادي، رشيد الحداد، يرى أن الإدارة الأمريكية تواجه فشلها في اليمن بفرض عقاب جماعي على الملايين من اليمنيين في مناطق سيطرة حركة «أنصار الله» (الحوثيون)، لكنه يعتقد أن صنعاء لن تواجه أزمة وقود على المدى القريب؛ لتوفر احتياطات تغطي السوق لستة أشهر مقبلة، حد قوله.
ويوضح الحداد لـ«القدس العربي»: «عندما تفشل الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها العسكرية تلجأ إلى ورقة الحصار كوسيلة ضغط، ومن خلال العديد من المؤشرات فإن واشنطن تسعى لفرض عقاب جماعي على عشرات الملايين من اليمنيين في مناطق سيطرة صنعاء، وهو ما يتمثل باستهدافها للمرة الثالثة (قبل الاستهداف الرابع مساء الجمعة) خلال الأسابيع الماضية لميناء رأس عيسى، ومحاولتها منع دخول عدد من السفن المحملة بالوقود والغاز المنزلي إلى الميناء، يضاف إلى ذلك أن تكرار هجماتها على منشأة خدمية مخالفة للقانون الدولي؛ فرأس عيسى وموانئ الحديدة أعيان مدنية وبنى تحتية محمية بالقانون الدولي، وتخضع لرقابة بعثة الأمم المتحدة المتواجدة في مدينة الحديدة، وعملية دخول السفن التجارية تجري بعد مثول السفن للتفتيش من قبل لجنة وآلية أممية في جيبوتي».
ويستطرد، «لذلك رغم محاولات واشنطن تعطيل حركة موانئ البحر الأحمر، إلا أن صنعاء رفعت مستويات الاحتياطات المحلية من الوقود خلال الأشهر الماضية، واستعدت لمواجهة أي تصعيد ذا طابع اقتصادي من قبل أمريكا، ووفقاً لمصادر رسمية فإن هناك احتياطيا من المنتجات النفطية تكفي لتغطية الأسواق المحلية لسته أشهر؛ ولذلك فاندلاع أزمة وقود على المدى القريب غير متوقع؛ لوجود كميات تجارية في السوق، ولدى شركة النفط».
ويرى أنه «في ظل حرص الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على الحفاظ على جهود السلام في اليمن، فإن بقاء الموانئ في الحديدة مفتوحة لاستقبال السفن والشحنات، مرهون بتوجهات المجتمع الدولي».
وفيما يتعلق بتداعيات الأزمة في حال وقوعها يوضح مستدركًا: «أن أي أزمة وقود قادمة سيكون لها آثار كارثية على ما تبقى من استقرار معيشي في البلاد، يضاف إلى أنها ستعقد الملف الإنساني بشكل أكبر. وخطوة ستكون أضرارها كبيرة، ولن تجدي في إضعاف قدرات أنصار الله المالية والعسكرية كما تزعم واشنطن، بل سيمنحها الحجة للتصعيد بشكل أكبر حتى يتم رفع الحصار».
وعلى صعيد الحلول المتاحة لصنعاء يرى أن «الحلول لن تكون ناجعة في حال تم الاستيراد عبر الموانئ الجنوبية، لطول المسافة وارتفاع أجور النقل الداخلي، وما سيحدث من إرباك في سلاسل الإمداد المختلفة ومنها الوقود، ولكن خطوة أمريكية كهذه قد تقابلها حركة أنصار الله بحظر مرور كافة التبادلات التجارية الأمريكية من البحرين الأحمر والعربي، وقد يتسع نطاق الحظر إلى البحر الأبيض في ظل تعاظم قدرات صنعاء العسكرية».

ماذا يعني هذا ؟

مما سبق لا يمكن الحسم بعدم وقوع أزمة وقود حقيقية في صنعاء والمناطق الواقعة في نطاق سيطرة «أنصار الله»(الحوثيون) على المدى القريب؛ كما لا يمكن الحسم ببقاء سوق الوقود المحلي في حدود السيطرة؛ ما يعني أن الأوضاع في سوق الوقود هناك مرشحة للتصعيد؛ وبالتالي المزيد من التأزيم لحياة الناس، في حال أصرت الإدارة الأمريكية على الحصار؛ لكن هذه الإدارة، في ذات الوقت، تجهل أن ذات الحصار قد استمر لسنوات قبل ذلك، وأفضى في الأخير إلى تفاهمات. كما أن الإصرار على الحصار سيمدد من فترة الصراع لمن يعرف بخفايا الصراع هناك خلال العشر السنوات الماضية؛ وهو أمر ليس في صالح واشنطن؛ لاسيما مع الضغط الحالي من الديمقراطيين على ترامب، كما أنه سيوسع من دائرة التصعيد العسكري في منطقة البحر الأحمر؛ الأمر الذي قد يذهب بالمنطقة إلى مرحلة يصبح فيها الاستقرار الإقليمي مهددًا.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب