ثقافة وفنون

«كان» 2025: زخم شبابي وعربي… و«تحيّة» إلى فاطمة حسّونة!

«كان» 2025: زخم شبابي وعربي… و«تحيّة» إلى فاطمة حسّونة!

شفيق طبارة

بملصق العناق الأبديّ بين آنّ (أنوك إيميه) بشعرها الأشعث وعينيها المليئتين بالشوق، وجان لوي (جان لوي ترينتينيان)، بابتسامته التي تشعّ فرحاً مُعدياً، ينطلق «مهرجان كان السينمائي الدولي» بدورته الثامنة والسبعين غداً، ليستمرّ هذا العناق حتى 24 الشهر الحالي.

للمرة الأولى في تاريخه، يقدم المهرجان ملصقاً رسمياً مزدوجاً: رجل وامرأة. جنباً إلى جنب. معاً من جديد بعدما تعانقا في فيلم «رجل وامرأة» (1966) لكلود لولوش، ولم ينفصلا منذ ذلك الوقت!

بين الأفلام التجارية و… المستقلّة

هذه السنة، يحاول المهرجان تحقيق التوازن بين التفرّد وجذب الجمهور العريض، ومساعدة الأفلام غير التجارية في العثور على الجماهير عندما تُعرض في الصالات.

أفلام المسابقة الرسمية و«نظرة ما» والأقسام الأخرى من بينها «نصف شهر المخرجين» و«أسبوع النقاد»، تمتلئ بالعناوين الجذابة تجارياً، وبالأسماء التي تشارك للمرة الأولى.

كأنّ المهرجان يخاطب جميع الجماهير من المشهد المستقلّ إلى هوليوود. هناك تركيز ملحوظ على التنوع، مع أفلام آتية من خلفيات ثقافية ووجهات نظر مختلفة. وهذا يشمل أعمال مخرجين ناشئين ومعروفين على حد سواء.

بعد نجاح فيلم «أنورا» لشون بيكر الحائز «السعفة الذهبية» العالم الماضي، وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، يتساءل كثيرون: ما الذي يخبّئه لنا «كان» هذا العام؟ وبينما نعلم مسبقاً أن توم كروز سيعود إلى «كان» لتقديم فيلم «مهمة مستحيلة: الحساب النهائي»، يبقى السؤال الأهم: ما هي المفاجآت الأخرى؟

تكريم روبرت دي نيرو

ستُقام المسابقة الرسمية تحت إشراف رئيس لجنة التحكيم الممثلة جولييت بينوش، بينما أكدت رئيسة المهرجان إيريس نوبلوش، أنّ اللغة الوحيدة في المهرجان هي لغة السينما.

الأخوان داردين، أسطورتان في المهرجان، يتنافسان مرة أخرى بفيلم «أمهات شابات»

كما قيّمت لجنة اختيار الأفلام 2909 أفلام من بينها 1127 من توقيع مخرجين للمرة الأولى. وهو ما يمثّل ثلث الإنتاج العالمي في ربيع عام 2025، ما يدلّ على الحيوية الكبيرة التي تتمتع بها صناعة السينما. وعلّق مدير المهرجان الفني تييري فريمو قائلاً: «إنّها أفلام جيدة. الجودة هي السبيل الوحيد لاختيار الأفلام».

إضافة إلى ذلك، ستُمنح للممثل روبرت دي نيرو، السعفة الذهبية الفخرية، وهو اختيار لاقى إشادة كبيرة. وكما نعلم، ينتقد دي نيرو الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكن فريمو، أكد، بشكل عام، أنّ المهرجان ليس سياسياً بطبيعته. مع ذلك، أقر بأنّ الفنانين غالباً ما يرفعون مطالبهم على الكروازيت، خصوصاً في أزمنة التوتر والأزمات.

المسابقة الرسمية

22 فيلماً ستنافس على السعفة الذهبية في المسابقة الرسمية التي تجمع بين عودة المخرجين القدامى وظهور أصوات جديدة. يعود الأميركي ويس أندرسون، أحد روّاد المهرجان، بفيلم كوميدي تجسّسي بعنوان «المخطط الفينيقي»، وبطاقم تمثيل يضمّ بينيشيو ديل تورو، وسكارليت جوهانسون وتوم هانكس، ورفيق أندرسون المعتاد بيل موراي.

  • تشارك حفصية حرزي في المسابقة عبر فيلم «الأخت الصغرى»
    تشارك حفصية حرزي في المسابقة عبر فيلم «الأخت الصغرى»

جوليا دوكورنو، التي دخلت التاريخ في عام 2021، عندما فازت بجائزة السعفة الذهبية بفيلمها الإشكالي «تيتان»، تشارك اليوم بـ «ألفا». تدور الأحداث حول المراهقة ألفا التي تعيش مع والدتها العزباء. ينهار عالمهما يوم عودتها من المدرسة بوشم على ذراعها.

ومن بين المخرجين العائدين الآخرين الجزائرية التونسية الفرنسية حفصية حرزي واليابانية تشي هاياكاوا. تقدم حرزي فيلم «الأخت الصغرى»، المقتبس عن رواية بالاسم نفسه للكاتبة الجزائرية الفرنسية فاطمة دعاس. تدور الأحداث حول الابنة الصغرى لعائلة جزائرية مهاجرة تتحرّر من عائلتها وتقاليدها. وتعود هاياكازا بدراما عن بلوغ سن الرشد بعنوان «رينوار».

كما يعود إلى كان الإيراني جعفر بناهي، رغم القيود المفروضة عليه من النظام الإيراني، إذ سينافس بفيلم «لقد كان مجرد حادث».

ويعود الإيطالي ماريو مارتون، بـ «فيوري»، وهو فيلم سيرة للممثلة والكاتبة غولياردا سابينزا (1924-1996)، مقتبس عن كتابها «جامعة ريبيبيا» (1983).

الأخوان داردين البلجيكيان، أسطورتان في المهرجان، يتنافسان مرة أخرى بفيلم «أمهات شابات»، بعدما فازا بجائزة السعفة الذهبية مرتين عن فيلم «روزيتا» (1999) وفيلم «الطفل» (2005)، وكانوا مشاركين منتظمين في المسابقة لأكثر من عقدين.

ويعود المخرج النروجي واكيم ترير، الذي نال إعجاب الجمهور بفيلمه «أسوأ شخص في العالم» (2021)، بفيلم «القيمة العاطفية» حيث يستكمل استكشاف المعضلات الوجودية التي اكتسب عبرها التقدير.

يتمتع البرازيلي كليبر ميدونسا فيلو أيضاً بعلاقة قوية مع «كان»، فقد شارك في المسابقة الرسمية سابقاً بـ «أكواريوس» (2016) و«بوكارو» (2019)، وفاز الأخير بجائزة لجنة التحكيم.

يقدم هذا العام «العميل السرّي»، الذي يركّز على السنوات المظلمة للديكتاتورية العسكرية في بلاده.

ومن بين الدائمين أيضاً الألماني الفرنسي دومينيك مول، الذي يعود بـ «الملف 137»، وهو فيلم إثارة وجريمة حول محقّقة تتعامل مع عواقب تظاهرة لـحركة «السترات الصفر» تخرج عن السيطرة.

ويعود المصري السويدي طارق صالح المعروف بفيلمه «ولد من الجنة» (2022)، الذي فاز بجائزة أفضل سيناريو في المهرجان، بفيلم «صقور الجمهورية»، وهو فيلم إثارة سياسي كما عودنا دائماً.

ينضم إلى المسابقة أيضاً الأميركي ريتشارد لينكليتر بفيلم «الموجة الجديدة»، وهو نظرة على صناعة فيلم غودار الكلاسيكي «منقطع الأنفاس».

من أوكرانيا، يقدم سيرجي لوزتيستا، المتخصص في الأفلام الوثائقية والمواضيع التاريخية، فيلم «مدّعيان عامان» الذي يركّز على عمليات التطهير الستالينية.

من إسبانيا، تشارك كارلا سيمون بفيلمها «روميريا»، بعد فوزها بجائزة الدبّ الذهبي في برلين بفيلم «ألكارّاس»، وهذه أول مشاركة لها في مسابقة كان. تستكشف هنا حزن امرأة كتالونية شابة تسافر إلى غاليسيا بعد فقدان والديها.

ومن بين الأسماء الأخرى في المسابقة كيلي ريتشارد بفيلمها «العقل المدبر»، والمخرج الفرنسي الإسباني أوليفر لاكس بفيلمه «سيرات»، الذي وصف بأنه «فيلم طريق عن المنبوذين»، وآري أستر، أستاذ الرعب بفيلمه «إدينغتون»، وهو دراما تجمع واكين فينيكس وبيدرو باسكال وإيما ستون.

ومن الأفلام الجديرة الذكر «تاريخ الصوت»، للمخرج الجنوب أفريقي أوليفر هيرمانوس، وهو قصة حب مثلية بطولة من بول ماسكال وجوش أوكونور، وفيلم «صوت السقوط» لماشا شيلينسكي، وهو دراما تجمع أربع نساء من أربعة أجيال.

كما أضيف إلى المسابقة الرسمية فيلمان: الأول للإسكتلندية لين رامساي بعنوان «متّ يا حبيبي»، والثاني للإيراني سعيد روستايي بعنوان «امرأة وطفل». الإضافة الأخيرة إلى المسابقة الرسمية كانت الفيلم المنتظر للمخرج الصيني بي جان «قيامة».

خارج المسابقة

إضافة إلى بعض الأفلام ومع وجود فيلم «مهمة مستحيلة: الحساب النهائي» وتوم كروز خارج المسابقة، يتواجد المشاغب الأميركي الكبير سبايك لي بفيلم «Highest 2 Lowest» من بطولة دينزل واشنطن، وهو إعادة باللغة الإنكليزية لفيلم أكيرا كوروساوا الياباني «High and Low» (1963).

حزن على استشهاد فاطمة حسونة و… لكن!

أعرب «مهرجان كان» حزنه لاستشهاد المصوّرة الفلسطينية فاطمة حسونة (من دون إدانة المجرم أو ذكر إسرائيل)، التي استشهدت بعد وقت قليل من إعلان المهرجان مشاركة فيلم المخرجة الإيرانية سبيده فارسي «ضع روحك على كفّك وامشِ». ونشر المهرجان بياناً صحافياً عن المصوّرة، قائلاً: «سيكون الفيلم بالإضافة إلى رسالته، وسيلة لتكريم فاطمة حسونة».

علماً أنّ العمل يتمحور حول حسونة، التي كانت تلقّب بـ«عين غزة»، وهي تصوّر يومياتها أثناء الحرب الإسرائيلية على القطاع. وكانت المخرجة تواصلت مع المصوّرة قبل يوم من استشهادها لتزفّ لها خبر عرض الفيلم في تظاهرة «أسيد» في المهرجان.

مشاركات عربية

إضافة إلى فيلم حفصية حرزي المشارك في المسابقة الرسمية، تسجّل السينما العربية حضوراً واضحاً في الدورة الثامنة والسبعين من «مهرجان كان»، عبر المخرجين والمشاركات المختلفة بين المسابقة الرسمية و«نظرة ما» وباقي الفعاليات، وحتى قسم السينما الكلاسيكية.

  • ينافس الإيراني جعفر بناهي بفيلم «لقد كان مجرد حادث»
    ينافس الإيراني جعفر بناهي بفيلم «لقد كان مجرد حادث»

يعود المصري مراد مصطفى إلى المهرجان مشاركاً ضمن مسابقة «نظرة ما»، بفيلمه «عائشة لا تستطيع الطيران»، الذي يتناول مجتمع المهاجرين الأفارقة في حيّ «عين شمس» الشعبي في القاهرة، مركزاً على قصة عائشة، المهاجرة السودانية التي تعيش في هذا الحي.

الفيلم من بطولة بوليانا سيمون إلى جانب الرابر المصري زياد ظاظا وعماد غنيم وممدوح صالح. وسبق للمخرج مراد مصطفى المشاركة في «كان» بفيلمه القصير «عيسى»، الذي نال عدداً من الجوائز في مهرجانات سينمائية عالمية.

من فلسطين، يشارك الثنائي طرزان وعرب ناصر في مسابقة «نظرة ما» عبر فيلم «حدث ذات مرة في غزة»، الذي يتناول أحداثاً اجتماعية في غزة ما قبل «طوفان الأقصى»، في إطار من الكوميديا السوداء التي سبق أن قدمها الثنائي في فيلم «غزة حبيبتي». الفيلم العربي الثالث في المسابقة هو «سماء بلا أرض» للتونسية أريج السحيري عن نازحات أفريقيات في تونس في مناخ من التصعيد السياسي ضد المهاجرين من الحكومة والإعلام والعنف الاجتماعي.

من العراق، يشارك حسن هادي بفيلم «كعكة الرئيس» الذي يدور في قلب أهوار العراق، وهو الفيلم الوحيد من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يُعرض في تظاهرة «أسبوعا المخرجين» لهذا العام.

تدور القصة حول لمياء، ذات التسعة أعوام، التي تواجه «يوم السحب» في المدرسة. وهو طقس يُختار فيه الطلاب للمشاركة في احتفالات إلزامية بعيد ميلاد صدام حسين.

تشارك جدتها النشيطة، بيبي، أساليب ذكية لمساعدتها على تجنب الاختيار. ولكن عندما تختارها معلمتها الصارمة لأداء الدور الأكثر رعباً، خبز كعكة عيد ميلاد الرئيس، قد تكون لرفضها عواقب وخيمة.

بعد العرض الأول لفيلمه الوثائقي الشهير «العذراء، الأقباط وأنا…» في «مهرجان برلين ، يعود نمير عبد المسيح بفيلم جديد يحمل طابعاً شخصياً عميقاً، اختير للعرض في قسم «أسيد».

  • تشارك حفصية حرزي في المسابقة عبر فيلم «الأخت الصغرى»
    تشارك حفصية حرزي في المسابقة عبر فيلم «الأخت الصغرى»

بعد وفاة والدته، يُصاب نمير بحزن عميق لا يفهمه تماماً. وفي صراعه مع الجمود الإبداعي، يلجأ إلى السينما كوسيلة لإعادة التواصل معها، ومع ماضيه، ومع نفسه.

في قسم «كان كلاسيك»، يشارك فيلمان عربيان كلاسيكيان: الأول «سعيد أفندي» (1957)، للمخرج كاميران حسني، المقتبس عن قصة «شجار» للكاتب العراقي إدمون صبري.

تدور الأحداث في خمسينيات القرن الماضي، إذ ينتقل سعيد أفندي، وهو معلم مدرسة مع عائلته إلى منزل جديد في حي شعبي في بغداد، بعدما اضطر إلى إخلاء منزله السابق بأمر من المالك.

يواجه سعيد تحديات اجتماعية مع جاره عبد الله الإسكافي. تنشأ صراعات بين أطفال العائلتين، ما يؤدي إلى تصاعد التوتر بينهما. ومع تفاقم المشكلات، يجد سعيد نفسه أمام تحد صعب: تحقيق توازن تربية أطفاله والحفاظ على علاقة طيبة مع جيرانه من دون اللجوء إلى العنف.

الفيلم الثاني هو «وقائع سنوات الجمر» (1975) للمخرج الجزائري محمد الأخضر حامينا. يغوص الفيلم، الذي كتبه الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، في مأساة شعب مطحون بآلة استعمارية رهيبة، تسلبه أرضه بالقوة وتمنحها للمعمّرين الأوروبيين بينما يتشرّد هو ويهجّر.

وتمضي الأحداث إلى مدة الحرب العالمية الثانية، إذ يُجنّد الجزائريون القادرون على حمل السلاح بالقوة في صفوف الجيش الفرنسي لمحاربة النازيين، مع وعد كاذب من المستعمر بالاستقلال، ثم تتصاعد المأساة عند مجازر 8 ماي 1945 لتنتهي إلى عشية ثورة التحرير.

هناك ثلاث نسخ مختلفة من هذا الفيلم، رغب محمد الأخضر حامينا في أن يُعاد ترميم النسخة التي فازت بجائزة السعفة الذهبية في «مهرجان كان» عام 1975.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب