الصحافه

“كأننا فئران تجارب”.. أهالي مخيم شعفاط: أغلقوا “الأونروا” وألقوا أبناءنا في الشارع.. ثم يصفوننا “مخربين”

“كأننا فئران تجارب”.. أهالي مخيم شعفاط: أغلقوا “الأونروا” وألقوا أبناءنا في الشارع.. ثم يصفوننا “مخربين”

منذ الخميس الماضي، حيث اقتحم رجال الشرطة ست مدارس للأونروا وأغلقوها، تقف مدرسة الأونروا شعفاط في شرقي القدس خالية. مبنى المدرسة الذي فيه عشرات الصفوف وساحات وحدائق هو الأكبر والأهم في المخيم المكتظ الذي يعاني نقصاً كبيراً في الأراضي الخضراء والمباني العامة. أمس، جاء رجال الشرطة إلى مدرسة الأونروا مرة أخرى للتأكد من عدم خرق أمر حظر التعليم في المدرسة.

800 طالب كانوا يتعلمون في ثلاث مدارس في هذه المنشأة الموجودة في شعفاط، حتى إغلاقها. الطلاب الأكبر انتقلوا للتعلم عن بعد، لكن الصغار بقوا من دون حل. الإغلاق يفاقم الصعوبة على حياة سكان مخيم اللاجئين الذين يعانون في الأصل من الإهمال والاكتظاظ ونقص الخدمات والبنى التحتية.

مدرسة الفقيه إحدى المدارس التي كان يجب أن تستوعب الطلاب. الشارع المؤدي إلى المدرسة مثل كل شوارع المخيم، بدا زقاقاً ضيقاً وبدون رصيف. صباح أول أمس، امتلأ الزقاق بالطلاب الذين طردوا من المدرسة. قبل فترة قصيرة من ذلك، وقعت حادثة خطيرة في المدرسة – والد أحد الطلاب هاجم وطعن معلماً على مدخل غرفة المدير. أصيب المعلم إصابة بالغة في يديه، ونقل لتلقي العلاج.

طوق المدير والمعلمون في المدرسة ساحة الطعن بالكراسي ومنعوا الطلاب من الاقتراب اعتقاداً بأن الأمر يتعلق بساحة جريمة إلى حين قدوم محققي الشرطة، لكن الشرطة لم تصل. اتصل أحد الآباء لتقديم شكوى، ولكن حسب قوله في الشرطة، قالوا له بأنه لن يتم فتح تحقيق. وأوضحت شرطة القدس بأنه لا يمكنهم التحقيق في الحادثة لأن المعلم أحد سكان “المناطق”، ولأنه لا يريد تقديم شكوى.

في محادثة مع الآباء والمعلمين، قالوا إن الهجوم حدث استثنائي، وإن مستوى العنف في المدرسة والحي غير مرتفع. “أكثر ما يخيفنا أن يحدث هنا ما يحدث في الطيبة أو في أماكن أخرى داخل إسرائيل. يحدث هذا مرة في السنة”، قال ناصر حشان، ناشط في المخيم وأحد الآباء. لكن قرار الشرطة عدم المجيء وعدم التحقيق في الحادثة دليل على إهمال السلطات الإسرائيلية. الإهمال هو السمة الأوضح للحياة في المخيم منذ أن تم فصله عن القدس بجدار الفصل قبل عشرين سنة.

مخيم شعفاط للاجئين أقامته الحكومة الأردنية والأمم المتحدة في 1965 لصالح اللاجئين الفلسطينيين من مناطق 1948 الذين عاشوا حتى ذلك الحين في حارة اليهود بالقدس. عند إقامة المخيم، أقيم على مدخله مجمع كبير للمباني التعليمية الذي تحول إلى ثلاث مدارس تديرها الأونروا. في 1967 تم ضم المخيم إلى أراضي القدس وأصبح حياً منها. ولكن بلدية القدس ووزارة التعليم فضلت إبقاء تعليم طلاب المخيم بيد الأونروا. فوفرت الأونروا الخدمات الصحية وتشغيل جهاز للنظافة في المخيم.

عند إقامة جدار الفصل، تم فصل المخيم عن القدس. خلال بضع سنوات، قفز عدد سكان المخيم، حيث بنيت حول المخيم آلاف الوحدات السكنية بدون رخص بناء، لأن البلدية والدولة لم تكترثا بما يحدث وراء الجدار، وأوقفت مراقبة البناء، أما العائلات الكثيرة التي لم تتمكن من شراء بيت في الأحياء داخل الجدار اضطرت إلى بناء بيت لها.
والآن، لا أحد يعرف عدد سكان المخيم والأحياء القريبة منه. في حين أن السلطات تقدر العدد بسبعين ألفاً، فإن السكان يتحدثون عن 120 ألف نسمة. مع الزيادة الحادة في عدد السكان أصبحت خدمات الأونروا في المخيم أمراً مهماً للسكان. والمدارس تبدو الفضاء شبه الوحيد الذي يمكن للأولاد اللعب فيه بأمان في مخيم مكتظ ليس فيه فضاءات مفتوحة وحدائق أو ملاعب رياضية، بل ولا حتى أرصفة.

إغلاق مدارس المخيم حدث جراء سن قانون لوقف نشاطات الأونروا داخل دولة إسرائيل بسبب ادعاءات إسرائيل اختراق حماس للوكالة. وهي ادعاءات ترفضها الأونروا والأمم المتحدة بشدة. في كانون الثاني، اضطر المستوى الإداري في الوكالة إلى مغادرة إسرائيل، وبدأ يدير الوكالة من المكاتب في الأردن.

“مدارس في مبان لا تدخلها الشمس”، قال ناصر حشان، وهو أحد سكان المخيم. “المدارس التي وفرت التعليم طوال عشرات السنين، يسودها صمت، وروتين حياة هؤلاء الأولاد تحطم إلى شظايا”، كتب أمس مدير وكالة الأونروا في الضفة الغربية، رولان فريدريك.

قبل شهر تقريباً، بدأت بلدية القدس بتوزيع بيانات تطالب الآباء إلى تسجيل أولادهم في مدرسة أخرى في المخيم أو خارجه، لكن مصدراً في البلدية اعترف أن استجابة الآباء معدومة حتى الآن. توجه بعض الآباء بشكل مستقل إلى مدارس أخرى وسجلوا أولادهم، لكن الغالبية الساحقة من الآباء ينتظرون السنة الدراسية القادمة لرؤية ما إذا كان حل شامل.

لبلدية تخطط لإقامة مدرسة مؤقتة تعمل في كرفانات، وتخطط في المستقبل لإقامة قرية تعليمية جديدة في منطقة مفتوحة بين المخيم وجدار الفصل. ولكن حسب التقديرات، لن يستكمل بناء هذه المدرسة قبل 2030.

وثمة دليل آخر على الطريقة التي تتعامل بها السلطات مع المخيم يمكن إيجادها في الملعب القريب من تجمع المدارس، الذي كان قبل سنتين ملعباً كبيراً ومتطوراً أقيم بتمويل أوروبي من قبل اللجنة الشعبية التي تدير المخيم. ولكن قبل سنتين، دمرت البلدية الملعب وحولته إلى موقع أعمال وتخزين فائض التراب، في إطار أعمال لشق شارع جديد. عند انتهاء الأعمال وبعد بضعة أشهر، سيعود الملعب للاستخدام، لكن في هذه الأثناء فقد أولاد مخيم شعفاط فضاء آخر كان يمكنهم اللعب فيه بأمان.

محمد فكري، أحد سكان المخيم، قال إن سلوك السلطات يخلد دائرة العنف. “لقد رموا الأولاد إلى الشارع. لا أعرف كيف يديرون الأمور هنا. في نهاية المطاف، سيصلون إلى الحاجز ويرشقون الحجارة، وستقول وسائل الإعلام بأننا مخربون. معظم الناس هنا يريدون العيش طبقاً للقانون. ولكننا نعيش في غابة هنا، ولا يمكن العيش بهذا الشكل”. “نحن مثل الفئران هنا، نركض من مكان إلى آخر، يجرون علينا التجارب”، قال حشان.

من شرطة إسرائيل جاء: “خلافاً للادعاءات، عند تلقي تقرير أمس عن حادثة العنف في مدرسة مخيم شعفاط للاجئين، بدأ رجال الشرطة بنشاطات بحثاً عن المشتبه فيه بالطعن. بعد فترة قصيرة، تواصل رجال الشرطة مع أبناء عائلة الضحية، وهو أحد سكان المناطق، وقيل إنه تم نقله لتلقي العلاج في مستشفى في رام الله، وأن إصابته طفيفة، وأنه غير مستعد للتعاون. عند تلقي شكوى في الشرطة عن الحادثة، فستتم معالجة ذلك”.

نير حسون

هآرتس 14/5/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب