مقالات

العقليّة الانتقائية والسلامة الوطنية تحليل وتفسير ثقافي بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –

بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق -

العقليّة الانتقائية والسلامة الوطنية تحليل وتفسير ثقافي
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
ما العقلية الانتقالية: انها عقلية ترتكز على إرث ثقافي،تسكنه عصبية قربى الدم،التي هي في أساسها المولّدة للولاءات والانتماءات القبلية العشائرية،وما توجبه من التزامات لابن العشيرة والقبيلة،تجاه مستويات القربى الدموية،التي تشكل في النهاية المحدد الرئيس للولاءات والانتماءات،حسب مستويات العصبية.داخل البناء الاجتماعي القبلي الانقسامي بموجب مستويات القربى.
نستسمح.معلمنا ابن خلدون في طرح نظرية العصبية بهذا المستوى الذي يشكل لنا دليل عمل للمقاربة من العقلية الانتقائية،التي نعتبر حضورها وممارساتها والتزاماتها،وما تنتجه من ولاءات وانتماءات جهوية وعائلية وطائفية ووطنية وقومية ودينية ومذهبية .
فالعقلية الانتقائية عقلية مسكونة بثقافة عربية لوازع القربى الذي يفرض نفسه على هذه العقلية،حاملة معها مسوغاتها وحججها،وهو الذي يفرض عليها أن تستسلم لمحدداتها الثقافية .والانتقاء بكل اختصار له دوافعه الظاهرة والباطنة،وله ولاءاته وانتماءاته،المالكة لمشروعيتها الاجتماعية الأهلية،وما يجاورها من أطراف المدينة بمدنيتها.وتتوزع العقلية الانتقائية بين وازع الأنا،وما له من حسابات أمنية،ووازع السلطة،ووازع الجهوية والشلليةًا والعقيدة،وما يستنبته هذا الوازع من ولاءات وانتماءات،تتجلى في نهاية الأمر على شكل سلوك وممارسات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية.
وفي حياتنا العربية، والسورية على وجه الخصوص، ماتركته وخلّفته، من كلفة للأمن الوطني،وبقية الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية،وخاصة غداة انقلاب الثامن من آذار عام 1963،هذا الانقلاب الذي حمل معه العقلية الانتقائية،التي على أساسها، تم تشكيل الجيش السوري،والمؤسسات والدوائر المدنية،والذي بلغ ذروته في تشكيل أجهزة الأمن،التي تشكل في داخلها الدولة القوية،التي تحكم وتوجه وتدير عملية الانتقاء بكل أبعادها البنائية للبناء الاجتماعي العربي السوري،وجاءت ذروة العقلية الانتقائية في
أعقاب حركة 23شباط عام 1966،التي جعلت الانتقاء يقاد بثقافة أمن النظام،والذي هو بدوره يقاد بعقلية مذهبية طائفية،والذي تجلى بكل وضوح،لالبس فيه،غداة إلانقلاب الذي قام به حافظ الأسد.
ماالذي أتت به هذه العقلية الانتقائية،ومالها من ثقافة أهلية طائفية،تفكيك البناء الاجتماعي السوري،تفكيكاً لمكوناته الاجتماعية،،وتفكيكا لولاءاته الوطنية القومية*،وصارت العقلية الانتقائية تضيق حتى وصلت إلى البناء العشائري للطائفة العلوية،ومن ثم ضاقت هذه العقلية،حتى صات تبني النظام في سوريا،على أساس عائلة الأسد وتوابعها من بنى اجتماعية تحكمها قرابة الدم المذهبي.
كل ماتقدم من تحليل للعقلية الانتقالية وماجرته على البناء الاجتماعي السوري من ويلات وحروب وشرذمات ودمار،وضع الأمن الاجتماعي السياسي في سوريا على حافة الانهيار،يريد لفت الأنظار إلى هذه العقلية الانتقائية التي حكمت إرادة التغيير من تاريخ وصول الهيئة بقيادة أحمد الشرع،وما رافقها وشاركها من مجموعات مسلحة.
ان بدء الانتقاء وسياساته الإجرائية بحكم صيرورة التغيير بدءا من تشكيل الجيش إلى الأمن إلى اللجان والوزارات،والمؤسسات التي حسبت على بناء الدولة السورية الجديدة،على حد زعم السلطة الحاكمة.وما تلاها من هيئات تخص الأمن الوطني،والحوار الوطني، ووحدة مكونات البناء الاجتماعي السوري،واختيار أحمد الشرع رئيسا انتقالياً لمدة خمسة سنوات.وهذه العقلية الانتقائية بدأت تعيد تكوين البناء الاجتماعي على هواها،فكان الانتقاء مقاداً بهواجس أمنية مفرقة في أمن النظام ومؤسساته ووزاراته وجيشه،فأتى تشكيل الجيش حاملاً مخاوف وطنية،وهيئات الحوار الوطني وما سمي عدالة الانتقال جاءت منقوصة لاتقنع إلا أصحابها،فعاد الهاجس الوطني على أشده في وعي وهموم كل مكوانات البناء الاجتماعي والسياسي،وماله
من إمور نختصرها بالأمن الوطني السوري ومستلزماته ومحدداته،التي تصبح فيه كل مكونات المجتمع العربي
السوري حاضرة فيه.
من هذا الطرح للعقلية الانتقالية وملابسات إجراءاتها،وما تجلى عنها من مخاوف وهواجس أمنية تخص السلامة الوطنية،نحذر بكل مسؤولية من انعكاساتها على سلامة صيرورة التغيير،بحيث يراد له بجدارة أن يلبي مطالب محددات ومستلزمات الوحدة الوطنية،بكل ما تطمح إليه من أمور الوطن بحاجة إليه اليوم قبل الغد،وقبل أن يفوت الأوان،وأن يكون ما مرت به سوريا من نصف قرن ونيّف درساً يُؤخذ به،فتاريخ سوريا فيه من الدروس
المستفادة،مايشكل دليل عمل لكل قواه ومكوناته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
*سؤل كل ماقلناه ودوناه عن العقلية الانتقائية وإجراءاتها حتى هذه اللحظة أين الكفاءات وأين الاتجاهات السياسية والفكرية النضالية التي جابهت الثقافة الانتقائية من الثامن من آذار ،وأين حضور الأجيال التي عاشت انكسارا البناء الاجتماعي السوري من ذلك التاريخ،ونختمها بسؤال مصيري هل استفادت وتعلمت
العقلية الانتقالية من ما كتب عن التجربة الاجتماعية والسياسة العربية السورية،منذ  فارقتها الديمقراطية وقادها الانتقاء الفئوي المنحاز للأوهام والأنانية والطائفية،فثقافة الانتقاء ثقافة إقصائية مغالطة لحقائق التاريخ ودروسه المستفادة،وإياكم من مغالطة التاريخ ولوي عنقه.
د- عزالدين حسن الدياب ء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب