ثقافة وفنون

رحلة تتجاوز ما يُرى: يارا الحجّار تكتب الشعر بعيون ثلاث لغات

رحلة تتجاوز ما يُرى: يارا الحجّار تكتب الشعر بعيون ثلاث لغات

بيروت –  A journey Beyond the Visible (رحلة تتجاوز ما يُرى)، عنوان باكورة مجموعة شعرية للبنانية يارا الحجّار الصادرة عن دار النهار، وفيها نصوص بلغات ثلاث العربية والانكليزية والفرنسية، تختار فيها الشابة اليافعة (20 عامًا)، أن تروي أحاسيس وأفكارا تعتمل في مخيلتها وسريرتها.
نصوص شعرية مفاجئة في الأسئلة التي تثيرها الطالبة في الهندسة المعمارية في الجامعة الأمريكية في بيروت.
حيث تنساق جملة من التساؤلات والإجابات المفتوحة على احتمالات غير قطعية تقارب في حالتها ما يشبه هندسة المكان والزمان، ببعد شعري مقرون بفلسفة الشابة الخاصّة ونظرتها للحياة.
فهي المخلوق وهي تفكّك، وهي كل شيء ولا شيء حسبما تكتب في نصها المعنون بالإنكليزية «كل ما هو أنا».
ثم تناجي نفسها والآخر في آن، فتسأل في «أيها الغريب أين انت؟»، أن يلاقيها عند الزقاق حيث عتم وحزن، يضيء المدينة.
هو غريب لا ندري إن كان تجسيدًا لحسّ واقع، أو خيال، أو هو مزيج بين اثنين، لكن في مناجاته ومخاطبته كأنها تخاطب ما في سرّها عن الوجود والمحيط والبشر والعالم كلّه، أو هو حبّ ترسمه طالبة الهندسة المعمارية بلغة عذبة، وعميقة في آن. ومن هذه المناجاة، تنتقل يارا الحجّار إلى الفضاء العام الطاغي على عالمنا.
ففلسطين حاضرة هنا، حاضرة في الشعر والشعور والوعي لما هو ثقيل على الضمير الجمعي والفردي.
لفلسطين مكان في قلبها، تكتب بالإنكليزية.

لماذا فلسطين؟
لكن مع ذلك، نسألها لماذا فلسطين؟
«لأنني منذ عرفت أن جدتي الراحلة جذورها فلسطينية، ولدت في فلسطين، وشهدت النكبة بينما كانت طفلة رضيعة، شعرت بأن هذا جزء من حياتي لا أريد أن أنساه، وأرغب في تذكره دائما»..
ويضاف إلى ذلك واقع أن «هناك أناسًا يتعذبون ويصمدون ولديهم إرادة القتال هذه، ولا يستسلمون»، كل هذا يرتبط كذلك بمقاربة بين اللبنانيين والفلسطينيين، تقول يارا، واجهوا محتلا واحدا، وهي مساحة مشتركة أكثر من يعرفها من واجه الاحتلال في فلسطين ولبنان.

«يا فلسطين، صدى إطلاق النار البعيد خفت
غمرته أنفاس الجرحى
وطنين الحشرات المستمر.
جثث البشر متراكمة في الأحياء الفقيرة
والزهور والأشجار صارت رمادًا
وصراخ أمٍ فقدت ولدها
على الأرض قلوب جريحة ورئات بلا أنفاس»
وتمضي
«لم يعد بوسعي أن أفعل شيئًا
لكنني ما زلت أشعر بالذنب، رغم أنني لست من طلب انتزاعك
اغفري لنا، آه اغفري لنا!».
بهذا النص الشعري (بالإنكليزية) تنساق مشاعر كأنها تنطق بلسان كُثُر، فنحن نعيش ذنب أن نحيا فيما المقتلة تحصد منا أرواحا بريئة، فهو ذنب العجز وذنب الحياة عندما يموت الآخر القريب.

لبنان والجنوب
بعد آخر في الوطن، الذي تناجيه يارا، هو الجنوب اللبناني.
بالعربية تكتب:

«هو الأرض حين تعود إلى نفسها جنوبها
هو الحرف حين يخطّ اسمه بالماء
والحلم حين يشيخ على كتف السّنديان
هنا حيث يتّكئ الوقت على جذع
والصّوت ينحت شكله في الصّخرة
والطّريق يعيد العابرين إلى الدّيار».

أما في نصها الفرنسي فتسأل عن ماهية الوطن اللبناني:
“منذ وصولي، ما فتئت أبحث عن زاوية
زاوية صغيرة جدًا تستطيع ذاكرتي التسلّل إليها
لتصنع منها لبنانًا زائفًا
لبنانًا لا تكون خرائبه سوى خرائب بعلبك
وفي ذاكرتي، تتحوّل أرزاته إلى ظلال بعيدة”

نسـأل يارا لماذا الجنوب؟
«أمي من الجنوب، ومنذ صغري في المدرسة كانت لدي رفيقة تسألني من أين أنت؟ أجيبها إنني من الجنوب ومن شحيم (بلدة والدي في جبل لبنان – الشوف)، أما هي فتعترض مؤكدة أنها من شحيم فقط».
ثم تستطرد يارا، «المهم جدا أن نعرف أننا لسنا من مكان واحد ولا نأتي من شخص واحد»، وهنا يكون الإرث الشخصي قد تقاطع مع العام باستحضار فلسطين ولبنان معها، بالأبعاد والأماكن المختلفة. فالإرث ليس أبويّا فقط، ولا يجب أن يكون، بل هو توارث هذه الهويات من أمّ وأب وجدّ وجدة، ومن سير حياة يتناقلها الأبناء والأحفاد.
بالنسبة ليارا، «الشعر في هذا العصر آخذ في التلاشي، فنحن في هذا الجيل معتادون على نمط حياة سريع يُجبرنا في كثير من الأحيان على كبت مشاعرنا. وعندما أنظر إلى الكُتّاب والشعراء مثل مي زيادة وإدغار آلان بو، أشعر بدافع للتوقّف قليلًا والتأمّل في كل المشاعر المختلفة التي نمر بها، وإعادة إحياء هذا الجانب الحسي من التجربة الإنسانية».

ما بين العمارة والشعر
وتضيف في إجابة على سؤال «ما بين العمارة والشعر من مشترك؟»، « منذ طفولتي، كنت دائمًا أحب الشعر والكتابة. لا أعلم إن كانت الكتابة قد أخرجت الإبداع الذي بداخلي، أم أنها كانت ثمرة لذلك الإبداع. في كلتا الحالتين، شعرت بأن هذا الإبداع يمتد إلى مجالات أخرى مثل الفن والعمارة. يمكن القول إن هذه المجالات تغذي بعضها البعض، فكلّها تحمل في طياتها الجمال، والجرأة، والهشاشة. الكتابة كانت دائمًا جزءًا مني، وأعتقد أنها هي التي قادتني إلى العمارة، وليس العكس».
ماذا تريد أن تقول يارا، ابنة العشرين؟ «إن كنتُ أستطيع تقديم خلاصة لكل القصائد في هذا الكتاب، فستكون بالتأكيد أن الشعر لا ينبع من الذات وحدها، بل هو انعكاس لكل الأشخاص الذين ساهموا في تشكيل هذه الذات. فعندما نفكّر في الحياة، من الصعب ألا نربط كل مرحلة زمنية بشخص ما. الشعر هو بمثابة يوميات شخصية يلتقي فيها جميع هؤلاء الأشخاص».

لكن لماذا بلغات ثلاث؟
«يشتهر معظم اللبنانيين بتحدث ثلاث لغات، وأجد من الجميل أننا نمزج بين هذه اللغات الثلاث في جملة واحدة، لأن بعض الأشياء يُقال بسهولة أكبر بالإنكليزية، وأخرى بالفرنسية، وأخرى بالعربية. أحب أن أطبع مشاعري بلغات مختلفة لأنني فخورة بجميع الطرق التي أستطيع من خلالها التعبير عن نفسي. القصائد المكتوبة بالإنكليزية تختلف عن تلك بالفرنسية، وينطبق الأمر ذاته على القصائد بالعربية، وذلك لأن لكل لغة نغمتها الخاصة، وبعض المشاعر يُعبَّر عنها بشكل أصدق بلغة دون أخرى. فالشعر لا يقتصر على المعنى فقط، بل يشمل الكلمات وكيفية وقعها في الأذن، وهنا تلعب اللغة دورًا أساسيًا وجوهريًا».
وقّعت يارا باكورة أعمالها في جناح دار النهار في معرض بيروت الدولي للكتاب العربي 66 الذي نظمه النادي الثقافي العربي واختتم يوم أمس.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب