مقالات
الخامس من حزيران والانقلاب على لاءات الخرطوم الثلاث ،هل من جرعة امل لصمود الامة ! بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان -

الخامس من حزيران والانقلاب على لاءات الخرطوم الثلاث ،هل من جرعة امل لصمود الامة !
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –
بين مَوْقِفَيْ الرفض (لا) والقبول (نعم) ، ثمة خانةٍ ثالثة تجمع بين الموقفين اتُّفِق على تسميتها ب(لَعَمْ)وما تعنيه من منزلة بين المنزلتين لموقف متردِّد قد لا تجد له تفسيراً محدّداً في معاجم اللغة العربية غير ان المصالح السياسية الكبرى وضعته في خانة اللا موقف الذي حرِصَت خلاله منظمات ودول على إخفاء حقيقة مواقفها من قضايا مصيرية استراتيجية كالقضية الفلسطينية ، إما تهرُّباً من مسؤوليات او إضماراً لتغييرات مستقبلية تنتظر الظروف العامة والخاصة لإشهارها على الملأ دون تقدير للمخاطر الناجمة عنها او ردّات فعل الشعوب عليها وما سوف يصدره التاريخ بشأنها غداً .
ربّما على الواحد فينا هذه الايام ان (ينحت) بالقلم ما يراه موائماً للتمييز بين الواقع المرّ والحالة الأمرّ التي تمر فيها امتنا العربية وأقطارها على غرار ما فعله اديبُّ فلسطيني يوماً عندما حاول نحت وتركيب شخصية فلسطينية تواكب اوضاع من يعيش في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ باختراعه مسمى ( سعيد ابو النحس المتشائل) ، ولَعُمري تزدحم الأفكار هذه الايام فتضيق العبارة بها ونحن على ابواب حلول ستة عقودٍ من السنين على يوم الخامس من حزيران للعام ١٩٦٧ وما إختلفت فيه الآراء على توصيف ذلك اليوم من نكسةٍ إلى هزيمة لم يحسم الاختلاف فيما بينها سوى قمة عربية تاريخيّة عُقِدَت في عاصمة السودان ، الخرطوم ، اواخر شهر آب من ذاك العام اسفر عنها من ( اللاءات) ما دفع إلى تسميتها بقمة اللاءات العربية الثلاث المحددة ب:
لا صلح ، لا اعتراف ، لا تفاوُض مع العدو الصهيوني ، لتشكّل رافعةً لاستنهاض معنويات الامة من جديد ويبدأ منها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حرب الاستنزاف وبناء قواته المسلحة لتخوض حرب اوكتوبر في العام ١٩٧٣ وتنتصر وكادت ان تُبقي على دور ريادتها للصراع العربي الصهيوني من جديد لولا ان انور السادات لم يأخذ مصر بأكملها إلى الانقلاب على لاءات الخرطوم في كامب دافيد فتنقلب المعادلة ويتحول العدو التاريخي صديقاً وتبدأ عجلة التطبيع معه بعد ذلك للإقلاع على مراحل بأشكال تراوحت بين الخجل وال(لعم) إلى القبول التام والعمل على تطليق اللاءات الثلاث ، بالثلاث .
وبالرغم من جسامة الاخطار التي لحقت بالامة بعد الخامس من حزيران ، فذلك لم يمنع اكثر من مفكر وباحث من نقد الهزيمة بقصد استخراج ما في طيّاتها من فعالية ثورية لم تزل تختزن ذاكرة الامة لينتج عن ذلك سلسلة متغيّرات على غرار ما حصل بعد النكبة الفلسطينية الكبرى عام ١٩٤٨ واندلاع ثورة يوليو المجيدة في مصر وبزوغ نجم عبدالناصر ومشاركته “البعث” في بناء أول وحدة عربية في التاريخ الحديث بين قطري مصر وسوريا في افعل ردٍ على النكبة ، فإن انطلاق المقاومة الفلسطينية لتجديد ثورة الشعب الفلسطيني وقيام دولة البعثيين في العراق عام ١٩٦٨ إلى ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا عام ١٩٧٠ ، شكّلت كلّها تجلّيات مصيرية للامة نحو اعادة تموضعها من جديد مع بروز اكثر من علامة استفهام حول الدور الذي لعبه الخميني في ايران وتبنّيه لمخطط تصدير الثورة وما نتج عنه من نزيف لقدرات الامة وتمزيق وحدتها وكل افرازات احتلال العراق ومصادرة الربيع العربي الذي لم يكن بمستوى طموح الجماهير العربية وتوقها نحو الحرية والتحرر .
هل تبادر جماهير العروبة ونخبها الثورية إلى التمرُّد على واقع الامة واستعادة زمام أمورها بايديها كما فعلت بعد نكبة فلسطين وهزيمة الخامس من حزيران ، ام ان كل الطرق امامها مسدودةُّ وهي مُحاصَرَة بمنطق التطبيع مع العدو الصهيوني من كل جانب وقد بادرت أنظمة وأقطار إلى فعل ذلك وتحولت عداوة التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك إلى وجهة نظر لا تستحق حتى تسجيل موقفٍ
سِلميٍّ كحد ادنى تجاه ما يجري ، والويل لمن يخرج عن إجماعٍ رسمه البيت الأبيض الاميركي ، وعلى ارض غزة يُرسَم المصير ومعه الخرائط الجديدة للوطن العربي ، ما يجعل الترحُّم جائزاً على”سايكس بيكو” امام ما سنشهده من تقسيم المُقَسَّم وتجزئة المُجَزَّأ ولم يعد ليوحدُّنا سوى حرب الابادة التي لا تميّز بين عربي وعربي وكلاهما يتشاركان خيام اللجوء من جديد على مساحة الوطن فلم تعد”الخيمة” تقتصر على ابناء الشعب الفلسطيني وهي أشدّ ما يطالب به الغزّيُون اليوم ، وانما تراها على مدى الاميال الممتدة في السودان وسيناء وليبيا واليمن والعراق والأردن وسوريا ولبنان امتداداً نحو بلاد الترك والبحار التي لم توفّر ابتلاع من عجزت عن دفنه ارض العرب .
من يجرؤ على”نحت” مفردات الرفض اليوم بعد ان تحولت اللاءات إلى نسياً منسياً وباتت ال”نَعَم”للتطبيع لا تنازعها “نَعَمُّ” اخرى في زمن يجب ان نكون فيه اسياد كلماتنا ومفرداتنا او لا نكون ، فمن يملك جرعة الامل لصمود هذه الامة ومنع انهيارها ويقول : لا !!