مقالات
مفهوم التوتاليتارية ( الحلقة 2 – 4) قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي
قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي
مفهوم التوتاليتارية ( الحلقة 2 – 4)
قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي (1)
إن ما يميز النمط التوتالي في الحكم عن سواه هو الوسائل المعتمدة لتطبيق الايديولوجبة الرسمية وفرض الإلتزام بها على الجميع . وتسويغ إعتماد هذه الوسائل له علاقة واضحة بمحتوى العقيدة التوتالية التي تشجع على إعتماد هذه الوسائل بدلا من أن تمنعها . كما أن مجتمعات كثيرة قد يكون نظام حكمها دستوريا على الاجمال ، تلجأ إلى التعبئة والاستقطاب وربما القمع والحد من بعض الحريات لمواجهة الأزمات والمخاطر الطارئة دون أن تصبح بالضرورة، مجتمعات توتالية . كما أن اعتماد نظام الحزب الواحد غير كاف لدمغ نمط حكم معين بصفة التوتالية . والتوتالية هي السيطرة التامة الشاملة من قبل فرد ( القائد) على المجتمع بكلية . فالقائد، في النظام التوتالي، يسيطر ليس فقط على النخبة وعلى الحزب واجهزته وعلى الدولة ومؤسساتها ، بل كذلك على المجتمع بكل ما فيه . فهذا جنتيلي يشدد على أن النقطة الأولى الأساسية التي يجب أن نفهمها في تعريف الفاشية هي شموليتها والمدى التوتالي لعقيدتها التي تعني ليس فقط بالنهج والتنظيم السياسيين، بل تعني كذلك ” بكل إرادة الأمة وفكرها وشعورها”. وهنا وجه الجدة والخطورة في النهج التوتالي. فالحكام المستبدون عبر التاريخ حاولوا وبعضهم نجح إلى حد ما ان يكونوا هم الدولة . لكن القائد التوتالي ، عندما ينجح يزيل من الوجود دولة قائمة مع قوانينها ومؤسساتها وإداراتها وبيقروقراطيتها ، ثم يمد أصابع سلطته إلى المجتمع محاولا جعل إرادة الأمة وفكرها وشعورها امتدادا لارادته وفكره وشعوره.
وأهم ما في هذه السيطرة التوتالية فلسفيا وعمليا، أنها تلغي مبدأ حكم القانون وسيادته لتضع محله إرادة الفرد . وقد أدرك الفلاسفة، من ارسطو إلى فلاسفتنا المعاصرين مرورا بتوما الأكويني ولوك ومونتيسكيو وكانط ، أن الطغيان هو النتيجة الحتمية لممارسة السلطة في غياب حكم القانون . كما أن الطغيان يبقى طغيانا ولو كان الطاغي حسن النية أو نبيل المقصد . فلا ضمان لحرية المواطن وكرامته بغياب قوانين معلنة واضحة ونافذة تحدد حقوق المواطن وواجباته . وبغياب التزام راسخ ومبدئي بحكم القانون وسيادته يبقى المواطن تحت رحمة الأفراد ونزواتهم.
ومن الصعب تصور نماذج للاستبداد أشد من الاستبداد المتمثل في النماذج الأصلية للقائد التوتالي التي افرزها النصف الأول من القرن العشرين . مفهوم دولة القائد يعني غياب اية مقاييس واضحة ومعلنة لما هو شرعي أو قانوني وطغيان مشيئة القائد. مما يجعل نمط الحكم التوتالي نمطا اعتباطيا نزويا كيفيا استنساببا متقلبا . وفي ظل هذا النمط من الحكم يصبح من المستحيل تكوين توقعات عقلانية واضحة لما سيحدث ، ويستحيل ، بالتالي، على الأفراد والجماعات تحديد ما عليهم القيام به لحماية مصالحهم أو حتى للمحافظة على أرواحهم . فابطال البارحة يهانون اليوم او يقتلون ، وابطال اليوم مرشحون لأن يصبحوا خونة الغد . وإذا اضفنا إلى هذا الجو من الغموض والايقين والتقلب استعمال العنف المنظم وتكنولوجية التسلط الحديثة تتكون لدينا صورة الرعب التوتالي كما مارسه بعض القادة في التاريخ.
يتابع..
المصدر :
(1) الموسوعة الفلسفه العربية المجلد الثاني، معهد الإنماء العربي ص 402.
2025 /01 /18