بلخيري: بين النقد والدراماتورجيا

بلخيري: بين النقد والدراماتورجيا
نــجـيـب طـــلال
رؤية خاصـــة :
فعاليات ثقافية إبداعية ؛ كـثر ! أحبطها التجاهل والتهميش والحصار وفعل اللامبالاة، والإقصاء القصدي، حتى أن بعضهم ابتعد عن المشهد كلية (؟) والغـرابة أننا لا نتساءل أو نسأل عنه/ عنهم. أو نحاول ( حتى ) أن نتأمّل سرّ عزلتهم ؟ إنه بالكاد هناك مثلهم أطياف سائحة. هنا وهنالك. أما عن حالتهم المادية / النفسية ؟ فلا تسأل، ولا تتساءل عن تلك القسوة التي دفعت به وبغيره كي يصبح من الغائبين،:” إن العزوف عن المشهد يكاد يصبح حالة عامة عند معظم النقاد والمبدعين، وعدّتها حالة فتور وتعزو سببها ، إلى التهميش الذي يقابله ظهور مبالغ فيه لأسماء أخرى تحب الظهور…. و أن المعني بالشأن الثقافي لا يبذل جهدا للحرص على المبدع الجيّد أو الناقد الحصيف، ويعتمد على ما يتوفر في الساحة فيتم استقطابهم. وعندما ترى المتردية والنطيحة يستأثرون بمكبرات الصوت أعتقد من يحترم موهبته أو تخصصه سيتراجع (1) مقابل هذا هنالك فعاليات تنحت في الصخر رغم أنه يشعـرأنه خارج السرب، في نظر اللوبيات وليس من الزمرة، أو أنه خطر عليها ؟ إنها بحق إشكالية في فضائنا الفني والإبداعي والفكري، هنا لانجزم بالقول السلبي / التشاؤمي، بل هنالك طاقات رغم أنها تستنزف بشكل أو آخر !، ولكن تجعل من حضورها مقاومة ضد تيار الإقصاء، وضد دائرة الإخوانيات والشللية ، وإن كانت تشعر بذلك، وتعبر عنه:” هذه الاجتهادات والابداعات ليست متعالية على التحليل والمناقشة والنقد، وكذلك اجتهاداتي ، ولدلا من اختلاق خلفيات ونوايا قد تلصق بهذه التوطئة عند باحثين ونقاد مسرح محددين، حين تعوزهم الحجج النصية- رغم أنني شخصيا ضحية الخلفيات والتسرع والقمع الفكري ( 2)
ففي هذا السياق فالباحث ” أحمد بلخيري” كغيره من ضحايا الكولسة ، والإقصاء الممنهج، لأسباب متعددة ومتنوعة حسب التوجهات واللوبيات، فبدل أن تسعى لإنتاج معرفة جديدة، لخلخلة الجمودية ،وبناء تصورات ثقافية وإبداعية بأساليب بديلة وبلغة جديدة ومشروع متمرد نحْـو أفق مستقبلي بلا مصلحة ولا تزلف ولا انبطاحيه، ولا لولاء لغير الحقيقة وطرح أسئلة أكثر من أجوبة جاهزة. وإن كان:” طريق الحقيقة غير معبدة أصلا، ولذلك فالسير فيها شاق جدا ومحفوف بكثير من المخاطر، وتتخللها الكثير من الحفر والنتوءات. لعل من بينها أن يبقى الذي سلكها معزولا وغريبا ومهمشا. لا لشيء سوى أنه آثر أن يبقى وفيا لحريته، وامتثل لمفهوم البحث العلمي الذي يقتضي الموضوعية والتجرد حتى مع النفس، فما بلك بالآخرين. وأثر نظافة اليد مع الحاجة، على التملق والانتهازية، دفاعا عن استقلالية البحث العلمي في مجال المسرح ، وفضل أن يكون موجودا بذاته لا بغيره. دون حجر أو وصاية ( 3) وفي هذا السياق حاول أن يبني نفسه بنفسه؛ وأن يتخذ له منهجا وطريقة معينة ، سعى السيرعليها ؛ ولا يحيد عنها. وبعيدا عن اللوبيات والشللية . فهو قانع بما وصل إليه. وملاحظتي حوله ، فالصديق ” أحمد بلخيري “لا يلهث وراء الصيت؛ ووراء المصالح؛ هـذه المسائل بالنسبة إليه لا تعنيه شيئا؛ الذي يعني بالنسبة إليه: هوأن يكون جديرا بالحياة التي وهـبه الله إياها.
فمن هاته الزاوية، جملة من مؤلفاته ومنجزاته ، أصيبت بتجاهل متعمد ، فلم تمسسها المقاربات ولا التفكيك، فبدلا من الحصار والقمع، فلم يحاول “علماء” المسرح الغـوص في منتوجه لقبوله أو نسفه منهجيا لتبيان قوتهم المعرفية ، مقابل ذلك لكشف ضعفه المعرفي في المشهد الثقافي والمسرحي ( تحديدا) أوليس الاختلاف في الرأي والتصور والتحليل قضية مشروعة ؟ أليس الإختلاف والجدل من الأسس الحضارية؟
وبالتالي فأي تحليل إن كان: ليس هو إصدار حكم. غير أنه إذا كان مجديا إصدار حكم فلن يكون إلآ بعد ، إنجاز الخطوة الرئيسية والضرورية، وهي التحليل ذاته. وهذا يدل على أن الحكم يعقب التحليل ولا يتصدره منطقيا، وليس على صعيد الكتابة بالضرورة. وكل حكم صادر في غياب التحليل الملموس؛ أي الحجج والبراهين النصية، هو حكم غير معلل؛ وانتفاء التعليل يعني انتفاء التحليل(4) ولهذا فالحقيقة التي لا مراء منها، التي نخفيها [عمدا ]بأننا في مجتمع لازالت ذهنيته قبلية وعشائرية ! مقتضاها خضوع المريد للشيخ من منطلقات متعددة . حيث ( المثقف) لم يستطع قتل الشيخ، ويسعى لقتل الأب رمزيا ! ف(الشيخ) ليس هو (الأب): مفارقة تفكير انشطاري، غير منسجم مع ذاته، أليس كذلك أمام قوافي ماكرة ، وخطاب مخاتل بين أسطره نصنع من أنفسنا عبر السارد/ الراوي أبطالا ضد “الشيخ ” تلك ازدواجية ثقافية هي ممارستنا وعبر خطوطها ، كل منا يمارس الضربات مع من هو ( ضد) حسب قوانا الشيطانية وطباعنا الإبليسية .المحصلة ثقافتنا ستصبح في مهب الريح ، ولولا بعض المحاولات الصادقة والمبدئية في المشهد الثقافي والفني، لوقع ذلك.
مدخل دراماتورجي:
بداهة مفهوم ” الدراماتورجيا” نزيل جملة من المفاهيم التي انقذفت في المشهد المسرحي ببلادنا دفعة واحدة وفي لحظة معينة، دونما مساءلة فكريّة ولا جماليّة في سياق النظرية الدرامية والمسرحية، بحيث أقحمت ( الدراماتورجيا) بشكل عضوي في جسد الفرجة والمسرحة، وتم إلغاء مصطلح( الإعداد) وإن كانت الدراماتورجيا ليست هي الإعـداد على مستوى الإشتغال والمنهجية. رغم أن المفهوم كان متداولا منذ(1767)بعْـدما تم:” اشتقاقه عن طريق الكاتب المسرحي والشاعر الألماني” جوتهلد إفرايم لسينج” وعين كأول دراماتورج في المسرح القومي الألماني بهامبورج(5) ولكن بالنسبة لنا سيظل مفهوما شديد الالتباس، أمام تمظهر الصناعة الثقافية، التي تسعى لاختراق السوق الثقافية بالمفهوم الشامل. ولهذا عمليا ( الدراماتورجيا ) تعد صناعة ومهنة : ” وبمعناها الأكثر شمولية هي التقنية (أو الشعرية) للفن الدرامي التي تعمل على إقامة مبادئ بناء على العمل، إما بشكل استنباطي استقرائي عبر أمثال ( محسوسة) واقعية/ وإما عبر نظام من المبادئ المجردة. يفترض هذا المفهوم مجموعة قواعد مسرحية خاصة، بحيث تصبح المعرفة ضرورية لكتابة مسرحية وتحليلها بصور ة صحيحة (6) بداهة يقوم بها ( الدراماتورج) وبما أن الأستاذ أحمد بلخيري مختص في المصطلحات يشير بأن( الدراماتورج):” ذلك أنها لم تعد تدل على مؤلف النص الدرامي، وإنما على الشخص الذي يهيئ نصا دراميا ليغـدو قابلا للمسرحة. هذا الأخير يضع في اعتباره العرض المسرحي. لذلك فهو يعتني بجميع الشروط التقنية والفنية اللازمة حين الإخراج المسرحي (7) وهذا قريب جدا لما أشار إليه بافيس: ” في المعنى التقليدي الدراماتورج هو المؤلف المسرحي( كوميديا أو تراجيديا)….والاستعمال الفرنسي للكلمة يفضل حاليا المؤلف المسرحي/auteur dramatique والاستعمال التقني الحديث ،المؤلف المسرحي مصدره نابع من المعنى الأول رقم 1 أ ي دراماتورج استنادا لترجمته واستعماله للمعنى الألماني، يعني اليوم المستشار الأدبي والمسرحي الملحق بفرقة أو بمخرج أو بمسؤول عن تحضير عرض ما (8) ويبدو أن هذا هو التعريف السليم للدراماتورج كمهنة من ضمن المهن الفنية، ولاسيما أن هنالك أكثر من 12 نوعا من الدراماتورجيا، وإن كان المبدع الفرنسي والمتخصص في علم الجمال[ إيتيان سوريو/ Étienne Souriau] (1892/1979 ) يحدد بأن هنالك ست وظائف دراماتورجية تشكل هيكلية كل عالم درامي. وبشكل ضمني فهي تعتمد على فلسفة علم الجمال، وهذا ما استند عليه ( دينيس ديديرو/dénis diderot) وإن اختلفت دراماتورجيا “بريشت” عنهم من حيث الشكل/ المثالية، ولاسيما أنها:” عصارة التداخل بين الممارسة والنظرية لهذا :” فكان الدراماتورج الذي يعمل لدى فرقة بريشت يتم تدريبه على كونه باحثا أرشيفيا، وكاتبا مسرحيا وناقدا، عليه مسؤولية تعليم الجمهور من خلال عدة برامج محاضرات وزيارات للمصانع والمدارس ومسجل ملاحظات لطرق الآداء(9) فرغم التباس مفهوم الدراماتورجيا فمن أي موقع سيشتغل الأستاذ { أحمد بلخيري} في التحليل الدراماتورجي لنصين مسرحيين؟ هل من أجل صياغة إخراجية تتجاوز النص الدرامي للعرض، أم بمثابة مستشار أدبي أم القيام بتوصيف لنموذج قرائي/ مقارباتي ، أم تقديم نموذج لتحليل دراماتورجي؟ علما أن النص المكتوب، ليس هو المسرحيّة، بل يمثل الجانب الأدبي من العرض المسرحي ، الذي تتداخل فيه عـدة عناصر ومكونات من تمثيل؛ وسينوغرافيا؛ وأزياء؛ وإضاءة، وألوان ؛ وموسيقى؛ وغناء؛ ورقص؛ ومتلقي؛ وقاعة؛؛؛؛ ورغم انسياقنا مع الإطناب والالتباس واجترارنا حول مفهوم ” الدراماتورجيا” نقول باختصار : هومفهوم عملي يقوم به عدة دراماتورجيين لهم علاقة وطيدة بالفرقة الاحترافية شكلا ومضمونا، وليست شكلا كما هو عندنا. فالرقص ( مثلا) وحدة تركيبية في العرض المسرحي ، يحتاج لدراماتورجي إيقاع…المهم لنملأ الفراغ…
الاختيار الدراماتورجي:
فاختيار المحلل لنصين ( يا موجة غني/ أقدام بيضاء) لنفس الكاتب” الزبير بن بوشتى” يطرح عـدة أسئلة، وإن كان يبرر اختياره:” إنه من الأسماء المسرحية التي تمتلك مقومات الكتابة الدرامية، فوجدت أن الفرصة مناسبة لتقديم عمليا، ما يبرر هذا الحكم (10)وإن كنا نقبل أو نرفض هذا التبرير، بداهة نحن سنحلل ما بأيدينا، ولكن مادام الأخ” بلخيري” يحمل مشروعا قرائيا ويلمح إليه :” ذلك أنني أرغب وأفكر في إنجاز تحاليل دراماتورجية لنصوص درامية أخرى، قـد تكون لكتاب دراميين آخرين (11)
مبدئيا سيكون اشتغالا محمودا، واستحماده يكمن في اختيار نص واحد لكل كاتب(ما) بدل نصين أو ثلاث ، لأن مثل هذا اختيار، وإن كان بريئا من زاوية ، فمن زاوية ثقافتنا الكواليسية، ستطرح شبهات وتأويلات أبسطها (المصارفة تحت الطاولة) هذا واقع ثقافي/ مغربي، لا يمكن أن نخفيه، والذي يمكن أن يبدده منظور تنويع الاختيار، وإن كنت أختلف مع صاحب النص(؟)
وبعيدا عن كل هذا فالقيام بتحليل نص مسرحي ما، يقتضي تهيئ اختيارات إخراجية ، سواء تم أنجز العمل ؛ أو لم يتم.
ولٌلإشارة فمسرحية (ياموجة غني) تم إنجازها سنة2001 من لدن جمعية “مسرح أبينوم” ( شفشاون) و ( أقدام بيضاء ) سنة2008 من طرف [ تياترو القصبة ( طنجة) وكلا[ العملين ] دعما من طرف وزارة الثقافة والاتصال. ولهذا فماذا سيضيف التحليل الدراماتورجي من معنى؟ فهل هي محاولة للتأويل التاريخي والسياسي للنص المسرحي، أم من أجل تحليل وتفسير تحولات المسرح ما بعد الدرامي، أم هناك تغيير في معنى العملين، سيسعى التحليل توليد أنساقهما السمعية والبصرية،؟ وذلك انطلاقا من تغير الشروط الاجتماعية والتاريخية للتلقي، يتغير المعنى؟ تساؤلات تفرض نفسها في سياق عملين تم عرضهما الركح. ومهما كان مفهوم الدراماتورجيا ملتبس ومناور حسب الوضعيات ،فالتحليل الدراماتورجي ، عمليا يتلاءم ومقتضيات مشروع الإخراج، وأبعْـد من هـذا [الدراماتورجيا الجديدة] ترتكز بالأساس على عملية التلقي/ التواصل/ التفاعل. لكن نحن أمام تحليل دراماتورجي على الورق. و بعيدا عن تجربة الركح :” إن موضوع التحليل الدراماتورجي النص الدرامي وليس مؤلفه او العرض المسرحي؛ وليس كل المساهمين في إبداعه، أقصد التحليل وليس التعريف (12) ولكن سقط في ملامسة التعريف بالكاتب:” صدرت للمبدع الدرامي الزبير بن بوشتى باكورة نصوصه الدرامية، ففي سنة 1991 صدرله نصان دراميا ن في كتاب واحد(…) منذ ذلك الحين(…) وطنجيتانوسسنة2011. تدل وتيرة النشر، نشر النصوص الدرامية، على أننا أمام مشروع درامي متواصل. قد تزداد حلقاته لاحقا…(13) فهذا لاعلاقة له بالدراماتورجيا مما يمكن أن نستشف بأننا :
بين النقد والدراماتورجيا:
والذي يزيدنا اقتناعا بأننا أمام مقاربة تقاطعية ، بين قراءة و الرؤية الدراماتورجية في تحليل اللغات الدرامية للنصين:” لأن الكتابة الدرامية عند الزبير بن بوشتى في النصين المشار غليهما. تقوم على ثلاثة ركائز هي التاريخ، والذاكرة ، والواقع (…) صنعة ابان الكاتب من خلالها عن مهارة وحذق في معرفة أسرار الكتابة الدرامية، معرفة اسرار الصنعة الفنية الدرامية…(14) ولاسيما أن الدراماتورجية مفهوم نقدي بالأساس، يقتضي هذا تتجاوز بنية النـص لتحقيق بنية العرض، من خلال تهيئ اختيارات إخراج مسرحي مستقبلي،. وبما أن اشتغال الباحث” أحمد بخيري” تمركز على (نصين) في دفتي كتاب، عمليا حصر المسرح في الأدبية وليس في الفن، وهنا إشكالية العودة للنقاش العقيم ين الأدبية والجمالية، لهذا:” فإن الدراماتورجيا هي مصطلح يشمل البنية الداخلية للعرض المسرحي، علاوة على أنه كما يبدو مصطلحا يعنى بالعملية التعاونية في ربط أجزاء العمل المسرحي. وهذا يبدو شيئا مقتضبا(15) لكن الباحث انغمس في تحليل اللغات الدرامية للنصين، معتمدا على رؤية ” بيير لا رطوماس/pierre larthomas عبر كتابه ( langage dramatique-littératures/1972) دون الإشارة إليه، منطلقا من الحكاية / الحوار-المونولوج/الإرشادات/ الشخصية /الفضاء/ الإضاءة /الديكور/ الأزياء/ الزمن/ هاته اللغات لها من الغنى السيميائي في منظومة اللغات الدرامية ، لكن تحليلها ينساق لمنهجية ” النقد” وليس لمنهج دراماتورجي، وبالتالي فالصديق” أحمد بلخيري” حاول جاهدا أن يكون دراماتورجيا، في تحليله من خلال شخصية [عرب أو عساس] ليدخلنا في متخيل العرض المسرحي المحتمل، لكن الرؤية النقدية هي الطاغية
والمتحكمة في التحليل، علما أن :” كلمة «تحليل» نفسها تضم عدة احتمالات، وقد قدم الخطاب المعاصر مجموعة كبيرة من الاقتراحاتفيما يتعلق بما ينبغي أن تكون عليه عملية التحليل. وكما يوحي استفسار
(فان كيركهوفن) فإننا نحتاج إلى الانطلاق إلى ما وراء فكرة أن الدراما تقدم مجموعة بسيطة من الدوال لكي نفسرها، لأن الدراماتورجيا أيضا تتعلق باستجابات المتلقي وتتضمنها: وبالتالي فلا بد أن يعتبر العمل المسرحي حـَدثا ديناميا (16) على يقين بأن الباحث ” بلخيري” يدرك هذا، لكن طبيعة الإشتغال عندنا لم تصل لدرجة المهنية والتخصص العملي. وبالتالي ما نقوم به محاولات من منظور مرجعي يتحكم فيه الآخر( الغرب) هذه حقيقة لا يمكن أن نتهرب منها أو نسفسط فيها، بحيث ” بلخيري” تحكمت فيه الرؤية النقدية بدل الدراماتورجيا، ولنتأمل هذا:” كل تلك الشخصيات شديدة الارتباط بالبنية الدرامية بفضل تماسك احداث هذه الاخيرة وتلاحم اجزائها هذا التلاحم راجع إلى ترابط الاحداث الدرامية (17) مقابل هذا نفس التحليل لشخصية (الزلط/ الوناس) في نص يا موجة غني:” سعى الزلط من خلال تفسيره إلى إخفاء حقيقة تعاونه مع الاستعمار في البادية حسب منظور الوناس، بينما سعى هذا الأخير إلى كشف الحقيقة من وجهة نظره .لذلك كانت لكل تفسير خلفية ما. والخلفيتان، مثل التفسيرين متناقضتان(18) فعلى هذا المنوال انتهج التحليل للغات الدرامية، وخاصة الحوار الذي تمركز على التحليل البلاغي:” فالتحليل الدراماتورجي يسعى لخلق لغة بلاغية بصرية بمثابة اقتراحات الاخراج واللعب ، تركيزا على المشاهدة، تلك التي ترتبط بالفرجة. أما النص ففرجته تتحقق عبر الاستهلاك القرائي.: “إن البحر والعـطش في هذا التركيب لا يتعلق المعنيان فيهما بالمعنيين المعجميين بل بمعنيين مجازيين ايحائيين…فكذلك كلمة العطش لأن هذه مرتبطة بتلك وذلك فعل شربتَ ( 19) فهذا التحليل ماذا سيعطي للرؤية الدراماتورجية أمام شروط التلقي والتفسير الاجتماعي؟ بالتأكيد سيخدم الممثل في الفهم، ولن يقدم أية إضافة للمتلقي؟ والسبب أن الباحث تراوحت رؤيته بين النقد والدراماتورجيا، مما انحصر تحليله داخليا ( النصين) یقوم بتفكیك اللغات الدرامیة حسب ما ھو موجود في النصين الدراميين فقط . مما أغفل في تحليله النقدي الموازي للغات الدرامية – الصمت:
فللصمت دور أقوى في اللعبة الدرامية، وأقوى من الحوار، لأنه يتفوق علی الكلام في أغلب المواقف، ويؤزمه كذلك، لأنه في الغالب ما يكون الصمت لوناً من ألوان التورية ، هـذا في التحليل البلاغي ، أما في التحليل الدرامي يعد ” الصمت” وسیلة أساس لکسر الحواجز وإرهاب الشخصية المقابلة. وكذلك تم إغفال – التوابع- ( الإكسسوار) التي تتشكل حركيا بحركية الممثل، أو تضيف له استكمال شخصيته ، وكذا شد انتباه( المتلقي) أما الإغفال الثالث :فيتمثل في – الهوامش- وهذه الأخيرة ليست هي ( الإرشادات الركحية) بل إرشادات تفسيرية للمفردات الأجنبية والأماكن، ولاسيما أن نص (يا موجة غني) يتضمن على أزيد من عشرين هامشا أو إحالة ، وفي ( أقدام بيضاء) على سبعة عشر هامشا، فلم يتم تحليلها انسجاما مع سیاق اللغات الدرامیة، نتيجة المراوحة التأملية بين النقد والدراماتورجيا، كما اشرت سلفا. وفي قوله هـذا حقيقة المراوحة:” كل هذه الموضوعات تم النظر إليها بوعي نقدي وبأسلوب درامي عميق وبليغ، وقد كانت الشخصيتان الدراميتان الرئيسيتان أداتين فنيتين استعملهما الكاتب بحِـس ووعي دراميين للحفر الدرامي في التاريخ والواقع معا(20) ولكن مهما وقع الإختلاف؟ تبقى رؤيته و تحليلاته مجهودات لا يمكن أن نبخس حضورها وحقها في المشهد النقـدي/ الإبداعي.
الإستــئــناس:
1) تصريح: الناقدة – كوثر القاضي – محور مبدعون «غابوا وما آبوا» متابعة: لعلي الرباعي جريدة عكاظ في 23/08/2024
2) نحو تحليل دراماتورجي لأحمد بلخيري – ص 14- الدارالبيضاء / المغرب/ 2004
3) نفســـــه – ص 13
4) نفســــه – ص 64
5) المرجع في فن الدراما: لجون لينارد/ ماري لوكهارت- ترجمة محمد يونس- ص259
6) معجم المسرح : لباتريس بافي – (مترجم ) ميشال ف . خضار – نبيل أبومراد (مراجع) ص196
سلسلة792 المنظمة العربية للترجمة ط1فبراير2015 بيروت
7) نحو تحليل دراماتورجي- ص /65
8) معجم المسرح: ص /194
9) المرجع في فن الدراما – ص/263
10) في التحليل الدراماتورجي(1) لأحمد بلخيري – ص5 مطابع الرباط نت- ط1/2019
11) نــفســـه – ص7)
12) نــفســــه – ص6
13) نفســـــه ص- 9
14) نــفســـه ص -6/7
15) ماهية الدراماتورجيا : لكاثي تيرنر سين. ك. بهرنت ترجمة: أحمد عبد الفتاح مجلة”مسرحنا”ص24-
عدد 624 – في12/ أغسطس/2019/
16) نــفســـــه – ص 24
17) في التحليل الدراماتورجي(1)- ص-45
18) نـــفـســــه – ص- 113
19)نــفــســـــــه – ص- 120
20) نفــســـــه ص – 85