انقلاب 19 جوان 1965 كما عاشه الجنرال خالد نزار ترجمة، وتلخيص، وتنظيم، وتعليق معمر حبار

انقلاب 19 جوان 1965 كما عاشه الجنرال خالد نزار
ترجمة، وتلخيص، وتنظيم، وتعليق معمر حبار
“RECUEIL DES MEMOIRES DU GENERAL KHALED NEZZAR. 1Ma carrière militaire،” Deuxième édition revue et corrigée، CHIHAB EDITION, 2semestre, 2017، Bab EL Oued، Alger، ALGERIE، Contient 406 Pages.
مقدّمة القارئ المتتبّع:
العناوين الفرعية من وضع صاحب الترجمة.
الفصل المعني بالترجمة عبر صفحات: 287-290
أوّلا: النصّ المعني بالترجمة:
انقلاب 19 جوان 1965: 287-290
يكمن الاختلاف بين أحمد بن بلة وهواري بومدين، في: أوّلا عدم الانسجام في السّلوك.
بومدين: رجل هادئ، ويفكّر، ويقتصد في كلماته، ولا يفعل شيء دون تحضير الأدوات الموضوعية للنجاح.
بن بلة: كلّه اندفاع، وكلّه عاطفة وتلقائية، ولا يعيش إلاّ للجمهور. ويستعمل في لقاءاته عبارات تهيج المشاعر: “جينا رحمة”، و”معجزة”، و”حڨرونة”، و”الحمام”. وفوضوي، وشعبوي، وتحبه النّساء، ويفقد كلّ توازنه أثناء التجمعات الشعبية. ومحاط بالتروتسكيين والأعوان الناصريين، ويغرق في مخطّط كارثي لإسلامي-سوفياتي-جزائري-اشتراكي. يضاعف أخطاءه، ويتنكّر لأصدقائه الأوائل سنوات المحنة. وشرطته السياسية تعتقل، وتعذّب، وتضع في الإقامة الجبرية، أو النفي، بما فيهم قادة عظام للثّورة الجزائرية. خطواته الكارثية أبعدت عنه شيئا فشيئا الجميع. والمشاكل التي تعترضه تعود إلى الإرادة السّيّئة للرجال وليس لحالة البلد. ودائما، ضمن هدف عزل نائبه، هاجم رفقاءه من السّاعة الأولى. كمدغري، وقايد أحمد، وبوتفليقة. 288
أثناء مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني، بالجزائر العاصمة، وفي أفريل 1964. هاجم بعض المؤتمرين خواري بومدين لأنّه: “كوّن الجيش بفضل ضباط من الجيش الفرنسي”. ورفض بومدين هذا الوصف الظالم للمجاهدين. ويدافع عن الجيش التحرير الوطني بكلّ مقوماته وكفاءاته. 288
احتياطات هواري بومدين:
اتّخذ بومدين كافّة الاحتياطات للقضاء على التمرّد خلال 24 ساعة، واستسلم النقيب بوعنان الذي كان قائد في القيادة العامة لوزارة الدفاع من طرف بن بلة. 288
سعى بن بلة لإنشاء مليشيا مسلّحة موازية للجيش الوطني الشعبي لإشباع تعطشه للسلطة المطلقة. 289
أحمد بن بلة يخطّط للإطاحة بهواري بومدين:
بدأ شهر جوان 1965 بشكل جيّد بالنسبة لبن بلة. لأنّه وتحت رئاسته سيتم إحياء الذكرى الخامسة لمؤتمر باندونغ. وتمّ تسريب أنّ الرّئيس سيعلن عن تغييرات مهمة داخل الحكومة. وتكهن العالم أن بومدين ضمن قائمة الذين سيتم إسقاطهم. واعتقد بن بلة أن لا أحد سيقف أمامه في خضم هذا الحدث الدولي المهم. وكان يثق في نفسه، وذهب لوهران لمتابعة مقابلة في كرة القدم بحضور المتألّق بيليه. وعاد إلى الجزائر العاصمة عبر الطائرة. 289-290
ليلة انقلاب 19 جوان 1965:
ليلة 19 جوان، على الرّابعة مساء، استدعاني العقيد شابو لمكتبه. وانحصرت مهمتي في التحضير الفني، عبر إخراج الدبابات من المخازن المتواجدة بدار البيضاء، وبعدها السّهر على فرض الأمن في منطقة غرب العاصمة، المتواجدة عبر محورين. الجهة الشرقية تحت تصرّف النقيب شريف جغري. وسليمان هوفمان مكلّف بوضع الدبابات في مناطق حساسة من العاصمة. والانقلاب على بن بلة انطلق. 290
نجاح انقلاب 19 جوان 1965:
بقيت في مديرية العتاد، محاط بضباط الجيش والشرطة والدرك. استمعت رفقة جلول خطيب مدير تشريفات الرئيس، وفي الحقيقة، هو الأمين العام، المكلّف بإعطاء سرّ نجاح العملية. في 19 صباحا، هاتفني: “العصفور في القفص”. كلّ شيء جرى كما هو مبرمج. 290
اللّيلة التي بعد انقلاب 19 جوان 1965:
في الصباح، غادرت وزارة الدفاع. ولاحظت المواطنين، وبيأس يقولون: “انظر، مع مشاكل جديدة!”. وهو ما تعبّر عنه مشاعرهم. وأثناء عودتي للمكتب، وصلتني رسالة مفادها أنّ الطلبة يتظاهرون في تافورة. النقيب علي بلعزوز المتواجد في الحاجز الأمني. ذهب لملاقاة الشباب وشرع في الرقص على نغمات أغانيهم. واندهش الشباب منه. وتفرّقوا جميعا. وكأنّ المزحة أفضل دواء لسوء الطبع. في عنابة، ردّ الفعل الشعبي كان عنيفا. ومن حسن الحظ أنّه لم تكن دماء.
شبهات حول مصر:
غدا بعد 19 جوان، أوقفت المكلّف بالأمن الوطني المصري بقرب فندق أليتي (السفير حاليا). في نفس الوقت كانت الغواصات المصرية على حدود مياهنا الإقليمية. وطلبوا منّا التوقف للتزوّد بالوقود. وإجابتنا كانت سلبية. وتساءلنا لماذا هذه الغواصات قريبة جدّا من سواحلنا ولماذا مسؤول الأمن المصري متواجد بالعاصمة. 290
المصريون، الغاضبون من الانقلاب على بومدين، طلبوا منّا إعادة ميغ-15 الخمسة التي قدّموها لنا عقب استرجاع السّيادة الوطنية. 290
قراءتي الشخصية لانقلاب 19 جوان 1965:
عاش الجنرال خالد نزار انقلاب 19 جوان 1965. كمشارك لكن ليس أساسي. وكان يومها في 28 من عمره. وعاش انقلاب 11 جانفي 1992 كصانع للانقلاب، وأساسي. وكان يومها في 55 سنة من عمره. أي بعد 27 سنة عاد للانقلاب من جديد.
يرى الكاتب أنّ السّبب في انقلاب 19 جوان 1965 في الاختلاف الكامن في سلوك، وشخصية أحمد بن بلة من جهة، وهواري بومدين من جهة ثانية. والتي لا يمكن بحال أن يلتقيا عبرها. وكأنّه يريد أن يقول: الانقلاب نتيجة منتظرة لاختلاف الشخصيتين، وسلوك كلا منهما.
يتّضح من الصفحات -وأخرى- أنّ خالد نزار معجب أشدّ الإعجاب بالرّئيس هواري بومدين. ووفي له، ومطيع، ويمتثل لتعليماته. وفي الوقت نفسه لا يطيق الرّئيس أحمد بن بلة، ويرى فيه كلّ العيوب. وكأنّه يقول: أحمد بن بلة لا يصلح لحكم الجزائر.
يذكّر الكاتب ما ذكرته كلّ المذكرات فيما قرأنا- أن سبب الانقلاب هو سعي أحمد بن بلة لـ: “عزل نائبه”. أي عزل هواري بومدين. ومهاجمة أصدقاءه المقرّبون إليه.
واضح جدّا أنّ الانقلاب لم يدم أكثر من 24 ساعة. ما يدلّ على عدّة نقاط. منها -وفي تقديري-: قوّة الرّئيس هواري بومدين، وسرعته الفائقة والفاعلة في ضبط منحنى الأحداث لصالحة. ومن جهة ثانية: ضعف الرّئيس أحمد بن بلة. وأنّه لم يكن له أوفياء، ولا أقوياء.
أعتقد أنّ الرّئيس أحمد بن بلة بالغ كثيرا في ثقته في نفسه، وفي كونه سيقيل نائبه وزير الدفاع هواري بومدين. ولم يقدّر قوّة هواري بومدين، وسرعته، ودقّته، وفاعليته، ومحيطه الشّديد الوفاء له.
أزعم أنّ أحمد بن بلة كان يعتمد على الدعم الخارجي عبر مؤتمر باندونغ للإطاحة بهواري بومدين. واعتبر ذلك كافيا. ولم يحسن قراءة الوضع الجزائري. ولم يقدّر جيّدا قوّة هواري بومدين، ومحيطه. ولذلك فشل في الإطاحة بنائبه وزير الدفاع.
أعدّ الرّئيس هواري بومدين كلّ الترتيبات ومهما صغرت لإنجاح الانقلاب. وقد نجح وبسرعة فائقة، ودون دماء. وهذا ما كان يفتقر إليه أحمد بن بلة.
عبد الناصر الذي كان يرجو من أحمد بن بلة الكثير لم يعجبه -حينها- انقلاب هواري بومدين.
تكمن عظمة الرئيس هواري بومدين في كونه وقف مع مصر، وعبد الناصر في حرب 1967، و1973. بالعتاد، والجيش الشعبي الوطني، والأموال الباهظة، والطائرات، والطيارين. رغم أنّه وقف ضدّه في انقلاب 1967. وتجاوز هواري بومدين الاختلافات الشخصية ولم يبدها، وتركها جانبا ووقف مع مصر، وعبد الناصر في محنتها ودون مقابل. والجزائر يومها حديثة عهد باسترجاع السّيادة الوطنية. ولم يمرّ على ذلك غير خمس سنوات.
الخميس 23 ذو الحجة 1446هـ، الموافق لـ 19 جوان 2025
الشرفة – الشلف – الجزائر