مقالات
تحولات «حماس» بين المقاومة والسياسة: قراءة موضوعية في ضوء نقاشات داخلية ورؤى تحليلية متراكمة

تحولات «حماس» بين المقاومة والسياسة: قراءة موضوعية في ضوء نقاشات داخلية ورؤى تحليلية متراكمة
إعداد: المحامي علي أبو حبلة
تشير المعلومات المتداولة مؤخراً حول مناقشات داخل حركة «حماس» بشأن احتمال التحول إلى صيغة الحزب السياسي، إلى أن الحركة تعيش لحظة مراجعة عميقة، قد تشكّل نقطة تحول محورية في مسارها السياسي والوطني. هذه النقاشات لا يمكن فصلها عن السياقات المتراكمة التي فرضتها الحرب على غزة، والتحولات في المشهد الفلسطيني، والضغوط الإقليمية والدولية التي أعادت صياغة طبيعة النظام السياسي المقبل خاصة بعد اقدام إدارة ترمب على إدراج حركة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب
وتأتي هذه القراءة امتداداً لسلسلة تحليلات استراتيجية سبق أن قدّمها المفكر والباحث الدكتور بكر أبو بكر، وكذلك ما عُرض في مقالات سابقة للكاتب والمحلل السياسي المحامي علي أبو حبلة، والتي تناولت مستقبل حركة «حماس» في اليوم التالي للحرب، وضرورة إجراء تحول استراتيجي في بنيتها الفكرية وأدوات عملها السياسية.
أولاً: التحول السياسي… من فرضية نظرية إلى نقاش داخلي جاد
تشير مصادر مطلعة إلى أن قيادات من «حماس» في الداخل والخارج بحثت ورقة سياسية تتناول لأول مرة خياراً واضحاً:
إعادة تعريف الحركة من تنظيم مقاوم إلى حزب سياسي وطني، يحتفظ برمزيته التاريخية ودوره المقاوم، لكنه ينخرط في العملية السياسية عبر أدوات جديدة.
هذا النقاش الداخلي يعكس ما أكّدته التحليلات السابقة بأن استمرار الحركة بصيغتها التقليدية بات أمراً مكلفاً، وبأن المتغيرات التي أفرزتها الحرب تفرض نمطاً جديداً من العمل السياسي.
التحليل الذي قدّمه الدكتور بكر أبو بكر ذهب في الاتجاه نفسه، مؤكداً أن «التحول من الحركة العقائدية إلى حركة سياسية ذات برنامج وطني هو ضرورة لحماس إن أرادت البقاء فاعلاً رئيسياً في النظام الفلسطيني».
كما أكّد المحامي علي أبو حبلة أن «المرحلة المقبلة تتطلب إعادة صياغة الفكر والاستراتيجية، وتبنّي نموذج سياسي قادر على إدارة الحكم والتفاعل مع المؤسسات الفلسطينية القائمة».
ثانياً: بين النموذج التركي والخصوصية الفلسطينية… دروس وتجارب
تستند بعض النقاشات داخل «حماس» إلى تجارب حركات إسلامية انتقلت إلى العمل السياسي المنظّم، وفي مقدمتها تجربة حزب العدالة والتنمية التركي، التي تشكّل نموذجاً مهماً من حيث:
التحول من إطار فكري إسلامي إلى حزب سياسي وطني،
تطوير الخطاب السياسي بما ينسجم مع الدولة،
إدارة الحكم عبر أدوات ديمقراطية،
بناء تحالفات داخلية وخارجية.
وقد سبق أن عُرض هذا النموذج في تحليلات كلٍّ من بكر أبو بكر وعلي أبو حبلة كتجربة يمكن الاستفادة من دروسها، مع التأكيد على أن البيئة الفلسطينية تختلف جذرياً في ظل الاحتلال، والانقسام، وغياب الدولة.
وبالتالي، فالدروس لا تُنقل كما هي، بل يُستفاد منها في:
تطوير رؤية سياسية أكثر مرونة،
تنظيم العلاقة بين العمل المقاوم والعمل السياسي،
تحديث البنية الحركية لتناسب المتغيرات
ثالثاً: منظمة التحرير الفلسطينية… الإطار الجامع لأي تحول
منذ سنوات، تزايدت الدعوات لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الإطار الوحيد الذي يضمن تمثيلاً وطنياً شاملاً.
وقد شدّد الدكتور بكر أبو بكر في دراساته على أن إعادة الهيكلة ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل، وأن مشاركة «حماس» فيها يجب أن تتم ضمن توافق وطني يضمن وحدة القرار الفلسطيني.
وفي سلسلة مقالاتي السابقة أكّدتُ أن أي تحول سياسي داخل «حماس» سيكون ناقصاً دون إطار جامع يضمّ جميع القوى الفلسطينية.
إذ لا يمكن للحركة أن تتحول إلى حزب سياسي فاعل خارج مؤسسات منظمة التحرير التي تمثل الشرعية الوطنية المعترف بها دولياً.
وتشير الورقة الداخلية المسربة من «حماس» إلى وجود استعداد لبحث هذا الملف بجدية، وهو ما يشكّل تقاطعاً مهماً مع الرؤية التي طُرحت سابقاً بشأن ضرورة إعادة بناء الشرعية الفلسطينية على قاعدة الشراكة الوطنية.
رابعاً: سلاح المقاومة… نحو صياغة جديدة لوظيفته الوطنية
من أبرز الإشكاليات المثارة في سياق التحول السياسي هو مستقبل السلاح.
وتؤكد التحليلات الموضوعية — بما فيها تحليلات الدكتور بكر أبو بكر — أن أي ترتيبات تخص سلاح «حماس» يجب أن تكون محض فلسطينية، وتستند إلى:
اتفاق وطني شامل،
تحديد وظيفة السلاح في إطار استراتيجية كفاحية موحدة،
عدم إخضاع القرار الوطني لأي ضغوط خارجية.
وقد بيّنت في تحليلات سابقة أن «التحول السياسي لا يعني نزع السلاح، بل إعادة تعريف دوره ضمن مشروع وطني جامع»، وهو ما يبدو اليوم أحد محاور النقاش داخل الحركة.
خامساً: البيئة الإقليمية والدولية… إعادة رسم قواعد اللعبة
الحرب على غزة أعادت تشكيل البيئة الاستراتيجية في المنطقة بطريقة عميقة، حيث باتت الدول الإقليمية والولايات المتحدة تربط بين:
الإعمار،
الاستقرار السياسي،
إدارة الحكم في غزة،
وتوحيد البنية السياسية الفلسطينية.
وتؤكد القراءات السياسية أن استمرار أي فصيل — بما في ذلك «حماس» — خارج الإطار السياسي المتفق عليه سيجعل موقعه هشاً في ترتيبات المرحلة المقبلة.
وهذا ما دفع الحركة، على ما يبدو، إلى التفكير في موقعها في مستقبل النظام السياسي، خشية تهميشها ضمن ترتيبات ما بعد الحرب.
سادساً: هل يشكّل هذا التحول محطة تاريخية؟
تجمع التحليلات السياسية — بما فيها تحليلات بكر أبو بكر والمحامي علي أبو حبلة — على أن «حماس» أمام خيارين:
1. الإبقاء على النموذج التنظيمي التقليدي بما يحمله من كلفة سياسية وتنظيمية وشعبية،
2. أو الانتقال إلى نموذج سياسي أكثر مرونة، يتيح لها المشاركة في الحكم وإدارة القطاع والاندماج في النظام السياسي الفلسطيني.
التحول — إن تم — سيكون من أهم التحولات في تاريخ الحركة، وربما في تاريخ النظام السياسي الفلسطيني منذ منتصف التسعينيات.
خاتمة: نحو رؤية وطنية شاملة تتجاوز الانقسام
تؤكد النقاشات الداخلية المتزايدة داخل «حماس» أن الحركة في لحظة مراجعة استراتيجية فرضتها الحرب والظروف المتغيرة.
لكن نجاح أي تحول سياسي مشروط بوجود:
إطار وطني جامع،
توافق فلسطيني شامل،
إعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية،
تحديد وظيفة السلاح ضمن استراتيجية وطنية موحدة،
ورؤية متكاملة لإعادة الإعمار وترتيبات الحكم.
وبذلك، فإن التحولات الراهنة ليست معزولة عن المسار الفكري والسياسي الذي شدّد عليه الدكتور بكر أبو بكر في كتاباته، ولا عن الرؤية السياسية التي قدّمها المحامي علي أبو حبلة في سلسلة تحليلاته.
فكلتاهما تؤكدان أن مستقبل الحركة — بل ومستقبل القضية الفلسطينية — مرهون بالقدرة على الانتقال من مرحلة الانقسام والصراع إلى مرحلة الشراكة الوطنية، وإعادة بناء النظام السياسي، وصياغة مشروع وطني موحّد قادر على مواجهة تحديات ما بعد الحرب.


