حين يصبح الاقتصاد ساحة صراع: لماذا يقترب الفلسطينيون -بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸 من دائرة الاعتماد الكامل على إسرائيل؟
بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸

حين يصبح الاقتصاد ساحة صراع: لماذا يقترب الفلسطينيون من دائرة الاعتماد الكامل على إسرائيل؟
بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸
25.11.2025
—————————————————
في اللحظة التي يشتد فيها الضغط على الفلسطينيين في الجغرافيا والسياسة والاقتصاد، يبرز الامن الاقتصادي انه بحاجة الى مزيد من الاهتمام والالتفات الى مساره لانه جزء اصيل من الامن القومي الفلسطيني . فالعوامل الاقتصادية لم تعد تفصيلا تقنيا يمكن التعامل معه بالمسكنات، بل تحولت الى واحدة من اهم ساحات الصراع، حيث تتقاطع السيطرة على الموارد، والعوائد النقدية، والتجارة، مع واقع يزداد ارتباطا بالاقتصاد الاسرائيلي يوما بعد يوم. وعندما يصبح ميزان الواردات والصادرات منحازا على هذا النحو الحاد، تصبح الحاجة الى مراجعة معمقة وقرارات جريئة اكثر الحاحا من اي وقت مضى.
التداخلات الاقتصادية واسعة ومتعددة، لكنها تصب في المحصلة النهائية باتجاه واحد: قطاع الاقتصاد الوطني الفلسطيني. وفي واحدة من الزوايا المهمة التي ينبغي الانتباه اليها، تشير بيانات الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، وفق مسح اجراه موقع “الاقتصادي”، الى ان حجم الواردات من اسرائيل خلال شهر ايلول 2025 بلغ 432 مليون دولار، وهو ما يشكل %64 من اجمالي الواردات الفلسطينية. في المقابل، بلغت الصادرات الفلسطينية الى اسرائيل 166 مليون دولار، بما نسبته %90 من اجمالي الصادرات البالغة 184 مليون دولار.
هذه الارقام ذات دلالة مهمة، وتشير الى منعطف يستدعي من اصحاب الشأن الاقتصادي، ومن وزارة الاقتصاد، ومن الغرف التجارية الصناعية، التعامل معه باعتباره جزءا من مسؤولياتهم المباشرة في تحسين مسار العجلة الاقتصادية وضبط ايقاعها. فالبيانات، مهما كانت دقيقة، ليست للمشاهدة ولا من اجل ان توضع على الرفوف او في الادراج، بل هي ادوات لصياغة سياسات عملية. والاقتصاد الفلسطيني يقترب بسرعة من دائرة تعتمد بشكل شبه كامل على اسرائيل في الطاقة، والسلع، والمواد الخام، والانظمة المصرفية، وهو ما يجعل اي خطة اقتصادية جدية تحتاج اولا الى معالجة التبعية التجارية.
اين يكمن الخلل، وما تأثيراته على الملف الاقتصادي؟ في اعتقادي، من الضروري وجود اجابات واضحة، لكن الاهم هو الدفع باتجاه تحسين الواقع الاقتصادي. فحماية المنتج الوطني، رغم انها اولوية معلنة، ما زالت حتى الآن فكرة تراوح مكانها، وكأن القطاع التجاري يعيش في جزر منفصلة، يستورد ما ينتجه الفلسطينيون محليا دون تنسيق وضبط او رؤية استراتيجية موحدة.
لقد تعرض اقتصادنا لهزات عنيفة، وحرب اقتصادية ممتدة، ما زال حصارها قائما حتى اليوم، وترك آثارا سلبية على التدفق النقدي في المناطق الفلسطينية: قرصنة اموال الضرائب، والاستيلاء على اجزاء كبيرة منها، ومنع العمال الفلسطينيين من العمل داخل الخط الاخضر، اضافة الى الاجراءات الاسرائيلية التي تقيد الحركة بين المدن الفلسطينية وتصيب النشاط الاقتصادي بالشلل. وهذا دون ان نتحدث عن التهريب المنظم والمدعوم من جهات رسمية اسرائيلية.
ولا يتوقف الخلل عند حدود المقاصة او ارتفاع حجم الواردات من اسرائيل، بل يتفاقم مع تكدس كميات ضخمة من الشيكل الاسرائيلي في السوق الفلسطينية، وهي نتيجة طبيعية لغياب السيولة البديلة ولارتباط النشاط التجاري اليومي بالاقتصاد الاسرائيلي. هذا التكدس يتحول الى عبء ثقيل على النظام المصرفي الفلسطيني، اذ ترفض البنوك الاسرائيلية استقبال الفائض من العملة، وتفرض قيودا مشددة على عمليات الايداع والتحويل، ما يخلق اختناقا نقديا يهدد الاستقرار المالي برمته.
وفي ظل عدم وجود بنك مركزي كامل الصلاحيات او عملة وطنية مستقلة، تجد المصارف الفلسطينية نفسها امام مخاطر متزايدة، تتعلق بالسيولة، وتقييد التحويلات، وتعطيل انظمة الدفع، الامر الذي يضع الاقتصاد الفلسطيني في موقع هش، ليس فقط على مستوى العجز التجاري او تحكم اسرائيل في العوائد النقدية، بل ايضا على مستوى القدرة على ادارة النقد المتداول داخل الاسواق.
الرسالة التي تحملها هذه المقالة واضحة: الكيان الفلسطيني الساعي الى اقامة الدولة والتحرر الوطني، امام استحقاقات اقتصادية لا تقل اهمية عن الاستحقاقات السياسية. فالدول في مراحل نشأتها وتحررها ترسم اولوياتها بدقة، وتحدد احتياجاتها، وتخوض معارك بناءة لانتزاع حريتها. والاقتصاد، بما يمثله من ركيزة للامان والاستقرار، يجب ان يكون في صدارة تلك المعركة.




