ثقافة وفنون

كاميرات الاحتلال في قبضة «الهاكر» الإيراني

كاميرات الاحتلال في قبضة «الهاكر» الإيراني

علي عواد

قراصنة إيران يخترقون كاميرات المراقبة الإسرائيلية، ويوظفونها في إدارة المعركة. صورة «المارد التكنولوجي» الإسرائيلي تتلاشى أمام عيون العالم

شاشة واحدة، اتصال بالإنترنت، وابتسامة خفيفة على وجه خبير سايبر في طهران. كل ما يحتاجه الإيراني ليطلّ على داخل كيان الاحتلال: شوارع تل أبيب، مداخل المنازل، زوايا المحال، وجوه المستوطنين في لحظات القلق والخوف.

كاميرات الإنترنت التي رُكبت يوماً للمراقبة تحولت إلى أعين جديدة تُفتح من بعيد، تنقل صوراً حقيقية لا تمرّ برقيب عسكري ولا تخضع لرقابة إعلامية.

مشهد لم تتخيله «إسرائيل» يوماً، يجد فيه الإيراني نفسه قادراً على رصد ما يحدث لحظة بلحظة، يراقب نتائج الضربات، يلتقط حركة الجنود، ويعرف ما تخفيه الشاشات الرسمية خلف عناوين الرقابة.

المسؤول السابق في هيئة السايبر الإسرائيلية، ريفايل فرانكو، كشف علناً أن الإيرانيين اخترقوا الكاميرات لرصد نتائج الضربات وتحسين دقتها. «هيئة السايبر» أكدت بدورها تصاعد هذه الهجمات واعتبرت الكاميرات هدفاً سهلاً في المواجهة الدائرة.

شهدت الحرب بين «إسرائيل» وإيران تحولاً لافتاً في ميدان الصراع الرقمي، إذ استطاعت طهران توظيف نقاط ضعف البنية التحتية الإسرائيلية لتحويل أدوات الأمن إلى مصادر استخباراتية فعّالة.

كاميرات المراقبة الخاصة المنتشرة في المدن والمزارع الإسرائيلية تحولت إلى عيون إضافية ترصد ما يجري في العمق الإسرائيلي.

آلاف الأجهزة صارت اليوم تُغذّي خصماً يعرف جيداً كيف يستفيد من هذه الثغرات.

الإيرانيون فعّلوا خبراتهم في القرصنة والهجمات السيبرانية، فأصبحوا يرصدون نتائج الضربات الصاروخية بدقة عالية، مستفيدين من إهمال المستخدمين الإسرائيليين للإجراءات الأمنية الرقمية الأساسية. هاجموا الكاميرات المتصلة بالإنترنت، فحصلوا على صور مباشرة للبنايات والشوارع والمواقع المستهدفة.

تفرض «إسرائيل» رقابةً عسكرية صارمة على كل ما ينشر حول العمليات والهجمات، فالإعلام المحلي والعالمي لا يستطيع نشر صورة أو معلومة إلا بعد موافقة مسبقة من الرقابة. مع ذلك، استطاعت إيران تجاوز هذا الجدار الإعلامي عبر شبكة الكاميرات، ما منحها القدرة على رصد النتائج من مصادر مستقلة عن الماكينة الإعلامية الإسرائيلية.

تكشف هذه الظاهرة مدى هشاشة منظومة الأمن السيبراني داخل كيان يدّعي الريادة في مجالات التكنولوجيا.

الشركات الناشئة الإسرائيلية تغزو الأسواق العالمية بمنتجاتها الرقمية، إلا أن البنية الداخلية تعاني من تراكم ثغرات قديمة وجديدة.

الأجهزة الرخيصة، المنتشرة في كل حي وشارع، صارت نقطة ضعف، وفتحت الباب أمام الإفادة من أخطاء صغيرة ترتكب يومياً.

تكررت التحذيرات الرسمية من إمكانية اختراق الكاميرات منذ سنوات، غير أن غالبية المستخدمين لم تتخذ أي إجراءات عملية. بقيت كلمات المرور الافتراضية في أماكنها، واستمرت البثوث الحية في تدفقها على الإنترنت.

هذا الإهمال الجماعي، إضافة إلى الخبرات السيبرانية الإيرانية سمح بتحوّل كل كاميرا إلى أداة تجسّس مجانية.

تجربة أوكرانيا تكشف كيف يمكن للكاميرات المدنية أن تصبح جزءاً من مسرح الحرب من دون أن يشعر بها أحد.

حين اندلع الصراع، استخدمت القوات الروسية بثّ العدسات المنتشرة عند تقاطعات الطرق وفوق مداخل المباني لتتبع تحركات الجنود ورصد الإمدادات والمركبات.

المشهد كان يتكرر كل يوم: صور حية تتدفق من أجهزة رخيصة نصبها السكان، فإذا بها تعرض تفاصيل الشوارع وخطوط القطارات ونقاط التفتيش أمام الطرف المهاجم.

البيانات المرسلة عبر هذه الكاميرات سهلت على المخططين العسكريين مهمة جمع المعلومات الدقيقة عن المواقع الحيوية، حتى أصبح كل جهاز مراقبة منزلي أو مروري بمنزلة عين إضافية في يد من يعرف كيف يدخل إلى الشبكة.

تغيّرت معالم الصراع في السنوات الأخيرة، فانتقل التركيز نحو ميادين الذكاء الاصطناعي والاختراقات الرقمية.

«إسرائيل» أنفقت سنوات طويلة في تطوير صناعاتها الرقمية والترويج لتفوقها في الأمن السيبراني، وشاركت في مؤتمرات عالمية لتأكيد هذا الدور.

اليوم يظهر خصم يتقن استخدام الأدوات الرقمية، ويستطيع جمع المعلومات من قلب المجتمع الإسرائيلي.

استطاعت إيران قلب المعادلة في الحرب النفسية والمعلوماتية، ولم تعد رهينة ما تسمح به «إسرائيل» من صور أو تقارير إعلامية.

البيانات تتدفق مباشرة إلى مراكز التحليل، وتوفر للأجهزة الإيرانية دقة كبيرة في فهم الواقع الميداني وتقييم الأثر العسكري لأي ضربة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب