مقالات

لماذا تدعو أمريكا إيران إلى التفاوض رغم إعلانها تدمير البرنامج النووي الإيراني؟.

لماذا تدعو أمريكا إيران إلى التفاوض رغم إعلانها تدمير البرنامج النووي الإيراني؟.

بقلم : علي او عمو.
كاتب من المغرب.

رغم الضربات العسكرية الواسعة التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية في
كل من فوردو ونطنز وأصفهان، وإعلانها أنها قد نجحت في "القضاء التام" على البرنامج النووي
الإيراني، إلا أن دعوة البيت الأبيض لطهران للعودة إلى طاولة المفاوضات تثير تساؤلات عميقة حول حقيقة ما
جرى وأهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية من هذه الحرب المحدودة. تباين في الروايات من جهة، تؤكد الإدارة
الأمريكية أن هجماتها الأخيرة وجهت ضربة قاصمة للبنية التحتية النووية الإيرانية، ما
يعني _بحسب روايتها _ أنها أزالت تهديداً كبيراً لاستقرار المنطقة ومنعت إيران من امتلاك القنبلة النووية في
المستقبل القريب.

ومن جهة أخرى، تنفي إيران هذه الادعاءات، وتقول إن المنشآت قد تعرضت لبعض الأضرار، لكنها ليست "كارثية" و
ستَعمل على استئناف برنامجها النووي لاحقاً. وفي خطوة تصعيدية، أعلنت طهران تعليق تعاونها مع مفتشي الوكالة
الدولية للطاقة الذرية، ما يعمّق الغموض حول حقيقة حجم الأضرار، ويضع البرنامج النووي الإيراني في دائرة
"اللاشفافية".
لماذا تدعو واشنطن إلى التفاوض؟
السؤال المطروح هنا: إذا كانت أمريكا قد "قضت على البرنامج النووي"، فلماذا تعود وتدعو إيران إلى التفاوض؟
وعلى ماذا ستتفاوض إيران وقد جُرِّدت – حسب الرواية الأمريكية – من عناصر قوتها النووية؟

هناك عدّة تفسيرات محتملة لذلك:
1. ضربات رمزية أكثر منها تدميرية: قد تكون الضربات الأمريكية محدودة من حيث النتائج، وتهدف أساساً إلى حفظ
ماء وجه إسرائيل بعد الهجمات الإيرانية الثقيلة، مع إرسال رسالة ردع لطهران، دون التورط في حرب شاملة. وفي
هذه الحالة، فإن البرنامج النووي لا يزال قائماً، وإن تضرّره جزئي، ما يعني أن التفاوض لا يزال ضرورياً.
2. خشية من الانفلات النووي الإيراني: بعد تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الدولية، تخشى واشنطن أن تصبح إيران
أكثر اندفاعاً نحو تخصيب اليورانيوم دون رقابة، ما قد يفتح الباب أمام سباق تسلّح في الشرق الأوسط. ولهذا تسعى
لإعادة إيران إلى المسار الدبلوماسي.
3. الضغط من أجل اتفاق نووي جديد: الولايات المتحدة تريد، على ما يبدو، استثمار هذه المرحلة لفرض شروط أشد
على إيران، تتجاوز اتفاق 2015، وتشمل ليس فقط الملف النووي، بل أيضاً برنامج الصواريخ الباليستية والنفوذ
الإقليمي لطهران.
4. حسابات سياسية داخلية ودولية: البيت الأبيض يدرك أن الحل العسكري لا يمكن أن يكون دائماً، خصوصاً في ملف
معقّد كإيران. لذلك تبقى الدعوة إلى التفاوض أداة ضرورية لحشد التأييد الدولي، وطمأنة الحلفاء، ومنع التصعيد
الإقليمي.
موقف إيران: مقاومة وتهديد مُبطَّن.
من جانبها، تبدو إيران مصمّمة على عدم الرضوخ، وتُلمح إلى قدرتها على استئناف البرنامج النووي بسرعة أعلى مما
كانت عليه، خصوصاً وأنها أصبحت أكثر انغلاقاً على الرقابة الدولية. وقد يكون تعليق التعاون مع الوكالة الدولية هو
ورقة ضغط تستخدمها للعودة إلى التفاوض من موقع قوة لا ضعف.
الخلاصة:
في نهاية المطاف، ما يجري ليس نهاية للصراع النووي، بل مرحلة جديدة منه. الضربات الأمريكية لم تُنهِ المشكلة،
وإنما دفعتها نحو مسار أكثر تعقيداً. والدعوة الأمريكية إلى التفاوض، رغم "النجاح العسكري المزعوم"، تكشف أن
واشنطن لا تثِق في الحل العسكري وحده، وتدرك أن إيران لن تُجبَر بسهولة على التراجع عن طموحاتها النووية دون
مقابل سياسي واقتصادي.

وهكذا، يبقى الملف النووي الإيراني رَهينَ لعبةِ شدّ وجذب بين الولايات المتحدة الأمريكية و الجمهورية الإيرانية، في
مشهد تتداخل فيه الحسابات العسكرية والاستراتيجية والدبلوماسية، وسط صمت دولي مُريب وانتظار حَذِر لما ستؤول
إليه الأيام القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب