مقالات

سياسة بلا أقنعة بقلم: محمد ضياء الدين

محمد ضياء الدين-الهدف السودانية -

سياسة بلا أقنعة
بقلم: محمد ضياء الدين-الهدف السودانية –
 
الحديث عن القائد السياسي والمناضل لا يمكن فصله عن مفهوم القدوة. فالقيادة الحقيقية تنبع من الجماعية، مع أهمية كاريزما القائد وتأثيره على المجتمع بما يحمله من قيم ومبادئ. ليس المقصود هنا تعظيم الأفراد — بغض النظر عن النوع — على حساب العمل الجماعي والمؤسسي.
إن القائد القدوة هو من يجسد العلاقة الجدلية بين “الفكر والممارسة” في سلوكه وحياته اليومية، فلا فرق بين باطنه وظاهره. يقدم للجماهير الشعبية صورة حية عن المبادئ التي تقود رؤيته. لا يكفي أن يكون مجرد متحدث بارع؛ عليه أن يكون نموذجًا يمشي على الأرض بين الناس، يجاهر بأفكاره، يمارس ما يؤمن به، ويفتح الباب أمام الجميع للتعرف على خلفيته وتجربته بتواضع ودون تكلف. هذا الانفتاح هو الذي يخلق جسور الثقة، خاصة مع الشباب المتعطش للتغيير والذي يبحث عن نماذج حقيقية لا عن مجرد خطاب شعاراتي.
ولعل خير مثال على ذلك ما شهده التاريخ من تأثير نبينا وقدوتنا محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام. فقد كانت شخصيته “الصادق الأمين” هي القدوة الأولى التي جذبت الناس إليه قبل أن يطلعوا على تفاصيل رسالته. لقد آمنوا به أولًا، ثم آمنوا بما جاء به، لأنهم رأوا فيه تجسيدًا حيًا للقيم التي بشر بها. لذلك: “الإيمان بالقدوة سبق الإيمان بالرسالة”.
بناءً على هذا النموذج الخالد، نحن اليوم أحوج ما نكون إلى القائد السياسي القدوة. إن شبابنا الذي يعيش في عصر من الفوضى السياسية والتشتت الفكري، في أمس الحاجة إلى نماذج حية. علينا أن نقدم لهم القائد المتجرد من المصالح الشخصية، صاحب الرؤية السياسية والفكرية الواضحة، القائد القادر على الحوار، الذي يدرك أن العمل السياسي نضال وتضحية، لا مجرد فرصة للثراء أو التسلق على حساب المبادئ.
على النقيض من هذا النموذج، تبرز ظاهرة القائد السياسي الانتهازي، المتسلق الخائن لوطنه وأمته، الباحث عن المكاسب الآنية على حساب المبادئ والقيم. في الواقع، إن هذا النوع من القيادات المدجنة هو السبب الأبرز في نفور الشباب من العمل السياسي وتنامي الأصوات الداعية إلى شيطنة الأحزاب والممارسة الديمقراطية.
من نافلة القول الإشارة إلى أن السياسة في عصرنا هذا أصبحت علمًا وفنًا يختص بتنظيم المجتمع وتسيير شؤونه نحو تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. في المقابل، فإن الأحزاب والتنظيمات المدنية هي المعنية بقيادة العملية السياسية وتمثيل مصالح الفئات الاجتماعية، وتضع السياسات لتحقيق الأهداف، وتنظم الأفراد، وترسخ الممارسة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. عليه، فإن صعود الانتهازيين يهدد هذه المنظومة بأكملها.
للأسف، هناك قوى داخلية طفيلية تتغذى على الفساد، مرتبطة بقوى “نيو استعمارية” تعمل بمنهجية على شيطنة الأحزاب. الهدف من ذلك هو إفراغ الساحة الوطنية من المشاريع الوحدوية التحررية، لتسهيل اختراق المجتمع وتفكيكه، وتركه فريسة للتوجهات التي تخدم مصالح قوى النظام الرأسمالي الاستعماري الحديث. لذلك، يصبح من الضروري تصحيح مسار العمل السياسي في بلادنا، من خلال تطوير برامج وطنية وقومية شاملة ومستقلة، لا مجرد “برامج شعارات” تسعى وراء المكاسب السياسية الضيقة. كما يجب علينا أن نُعلي من قيمة “النماذج القدوة” لكي لا ينجح الانتهازيون في إفساد المشهد السياسي.
لقد آن الأوان أن يتقدم السياسي القدوة ليقود من الأمام، لا ليتسلق من الخلف. إن استعادة ثقة الشباب والمجتمع في قواه السياسية تبدأ عندما يصبح النضال السياسي جسرًا للوعي والتحرر، لا سلمًا للانتهازيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب