
الحرب الإسرائيلية على إيران: منتصرون ومهزومون
بقلم الدكتور يوسف مكي
في الثالث عشر من حزيران/ يونيو المصادف يوم الجمعة، شنت إسرائيل هجوما مفاجئا على إيران، قبل يومين من انعقاد اجتماع ممثلين عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع مندوبين عن مؤسسة الطاقة النووية الإيرانية، الذي كان من المفترض انعقاده يوم الأحد، بعد يومين من العدوان على طهران.
لم تكن المفاجأة في العدوان نفسه، ولكن في نجاح عملية الخداع التي مارستها إسرائيل، ومعها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. فقد خبر الإيرانيون، في عقود زمنية عدة، حجم التضليل والخداع الذي تمارسه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، تجاه العقود والمعاهدات التي توقعها مع الدول، وقدرتها على التنصل منها. يضاف إلى ذلك، أن تهديد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو بتدمير القوة النووية الإيرانية، لم يكن سرا، بل كان يجري في وضح النهار.
العملية التي أقدمت عليها إسرائيل، ضد إيران كشفت عن اختراقات إسرائيلية كبرى في المؤسسة الإيرانية، اعترفت بها إدارة الجمهورية الإسلامية، وإن بشكل غير مباشر. فقد أقدمت حكومتها على توقيف ما يربو على السبعمئة شخص، بتهمة التجسس لصالح إسرائيل. وهو رقم ليس بالقليل، بكل المقاييس. يضاف إلى ذلك اكتشاف مخازن عديدة للمسيرات، في عدد من المدن الإيرانية، من أقصى الشمال الشرقي، حتى أدني الجنوب الغربي من البلاد.
يرد عدد من المحللين السياسيين الإيرانيين، أن الاختراق كان متبادلا، وأن إسرائيل ألقت القبض على عدد من وزرائها، وكبار مسؤوليها، ومن ضمنهم ضباط كبار بالجيش بتهمة التجسس لصالح إيران. وأن ذلك هو ما مكن الجمهورية الإسلامية، من الحصول على كم هائل من الوثائق التي حملت أسرارا عسكرية مهمة للغاية، ساعدت إيران كثيرا على المواجهة في هذه الحرب.
الواقع أن إيران، تلقت ضربة عنيفة، شملت أهم قياداتها في الحرس الثوري، مؤسسة خاتم الأنبياء، كما شملت عددا كبيرا من علماء الطاقة النووية. لكنها تمكنت من امتصاص الهجمة، والنجاح في تنفيذ هجمة مرتدة على إسرائيل، شملت مؤسسات استراتيجية، كمعهد وايزمن للدراسات الاستراتيجية، الذي تأسس عام 1934، قبل أربعة عشر عاما، من قيام إسرائيل. كما نفذت صواريخها الضاربة عمليات هجومية ناجحة، ضد مقر الموساد.
رغم مختلف وسائل التعتيم على الأخبار الواردة، من الكيان الإسرائيلي، فإن الصور التي بثتها وكالات الأنباء، وموقع التواصل الاجتماعي، للدمار التي نتج عن الضربات الصاروخية الإيرانية، كانت هائلة، بحيث بدى الدمار في بعض مناطق تل أبيب وحيفا، أشبه بالخراب والتدمير المنهجي، الذي أوقعته، قوات الاحتلال في قطاع غزة. وهو وضع لم تشهده إسرائيل، منذ تأسيسها حتى اندلاع هذه الحرب.
بالتأكيد لم يتوقع الإسرائيليون، حجم الرد الإيراني، بل راهنوا كثيرا على إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، بعد أن تمكنوا من اغتيال الصف الأول في قياداتها. لكن الجغرافيا، كما فصلنا ذلك في حديث سابق، خذلت إسرائيل، ووقفت إلى جانب طهران.
صحيح أن المدن الإيرانية الكبرى، تعرضت لخراب هائل، وربما تطلب إعادة إعمار ما خلفته الحرب وقتا طويلا، لكن ذلك لن يكون له تأثير كبير، على استقرار البلاد. فقد رأينا معظم تشكيلات المعارضة للنظام الإيراني في الداخل والخارج، تقف إلى جانب بلادها، وتعتبر ما جرى عدوانا موصوفا، على الأراضي الإيرانية، وليس على النظام، ولا شك أن التفاف الإيرانيين حول حق بلادهم في الدفاع عن نفسها أمام العدوان، قد خلق بيئة مثالية لمواجهة إسرائيل.
وإذا كانت العبرة بالنتائج، فإن إسرائيل، هي التي طلبت وقف إطلاق النار. وما جرى من سلوك كوميدي كاريكاتوري، للرئيس الأمريكي، ترامب، ودعوته المفاجئة لوقف إطلاق النار، هو في حقيقته، خطوة لإنقاذ إسرائيل من الخسائر والخراب.
في تل أبيب كما في طهران، جرت الاحتفالات بالنصر. وربما عبرت تلك الاحتفالات عن فرحة بنهاية الحرب، أكثر مما عبرت عن تحقيق انتصار حقيقي لأي من الطرفين. الإسرائيليون، إذا كانوا يعنون بالنصر، أنهم تمكنوا من اغتيال أهم القيادات الإيرانية، فهم محقون. لكن ذلك يعني أن العملية التي أقدموا عليها لم تحقق إي انجاز سياسي. فالحرب في النهاية، لا تكون عبثية، بل تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية. وقد وصفها عدد من كبار المفكرين السياسيين، أنها مفاوضات ساخنة، تتم بالسلاح. إن مثل هذه القراءة، توصف الهجمة الإسرائيلية بالفاشلة، التي لم تتمكن من تحقيق هدفها السياسي.
الإيرانيون، كما أشرنا، احتفلوا أيضا بالنصر، ومن حقهم ذلك. الهدف الإسرائيلي، المعلن هو تغيير النظام، بل وأيضا بل بلغ حد القول باغتيال المرشد. يضاف إلى ذلك، تحدث الإسرائيليون، ومعهم إدارة الرئيس ترامب، أنهم تمكنوا من ضرب المؤسسات النووية الإيرانية. وقد جاءت الأخبار، والتحليلات العسكرية، لتدحض ذلك الادعاء، وشمل الذين قالوا بذلك محطة تلفزيونية مرموقة وشهيرة، هي سي ان ان، بما يضفي مصداقية على القول بفشل الهجوم الإسرائيلي- الامريكي. وفي هذا السياق، نذكر بتصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي كذب الإدعاءات الأمريكية، وقال باستحالة تدمير المفاعلات النووية الإيرانية.
في كل الأحوال، بالحروب هناك مهزومون ومنتصرون، وهناك حسب قول المعتزلة: بين بين. ولعل أفضل توصيف لما جرى، أن الخسائر كانت كبيرة على الجانبين، وأن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أجندتها في هذه الحرب.