غزة على الطاولة: زيارة نتنياهو لواشنطن… صفقة اعتزال أم استكمال لـ”التلمود البابلي”؟

غزة على الطاولة: زيارة نتنياهو لواشنطن… صفقة اعتزال أم استكمال لـ”التلمود البابلي”؟
أمام المشهد المبهج الذي سيقع بعد ثلاثة أيام في البيت الأبيض ليس أمامي غير اقتباس آية من المصادر. “مومستان تثني إحداهما على الأخرى”، كُتب في تلمود بابلي. حنه زيمر الراحلة، محررة صحيفة “دافار”، كانت تمتشق هذه الآية في كل مرة ترى فيها سياسيين يزيفون المحبة أمام الكاميرات. ذات مرة، في أثناء رحلة عمل إلى إسطنبول قفزت إلى غلطة، حي النوافذ. أزقة ضيقة، ظلماء، بيوت مكشوفة، نساء مزينة تمدح إحداهما الأخرى أمام الزبائن. “فما بالك تلاميذ الحكماء”، كتب الحكماء. أناس حكماء كانوا أسيادنا. عندما ترون ترامب ونتنياهو ينحنيان إلى الأمام في كرسييهما الفاخرين في الغرفة البيضاوية، لا تفصل بينهما سوى شعرة، يهزان رأسيهما، يضحكان، أحدهما يثني على الآخر بمدائح مبالغ فيها – تذكروا تلموداً بابلياً.
طلب نتنياهو من البيت الأبيض تقديم موعد زيارته: فهو يعرف كم يمكن لمضيفه أن يكون متغير المزاج. إذا ما سار كل شيء وفق المخطط، فستدمج الزيارة احتفالاً على إيران بإنقاذ من غزة. ترامب بتغريداته يفترض أن يشكل وزناً مضاداً لكل تهديد يطلقه سموتريتش وبن غفير قبيل انسحاب محتمل. رغم اشتياقنا لحكم عسكري في غزة، واستيطان مستوطنين رمال تل السلطان وبيت لاهيا، لتحويل “فتيان التلال” [مستوطنو الضفة الغربية] إلى فتيان الشاطئ، فلن نكون منكري جميل لرئيس أعطانا فوردو.
“منذ 11 أكتوبر 2023 لا يفعل نتنياهو إلا سياسة حزبية”، قال لي شخص عمل معه معظم الفترة (في 7 أكتوبر أصيب بصدمة، مرت بالتدريج؛ في 11 أكتوبر اتخذ القرار السياسي الحزبي الأول في كابنت الحرب).
الآراء في الساحة السياسية منقسمة: هل وجهته إلى تسوية تخرج الجيش الإسرائيلي من معظم غزة، وتعيد المخطوفين، وتشق الطريق إلى التطبيع مع السعودية وتسمح له بالإعلان عن انتخابات مبكرة والانتصار فيها، أم لتبييض استمرار حكم الائتلاف الحالي، دون المخاطرة في انتخابات، في ظل تعميق شرخ داخلي وانقلاب نظامي؟
ثمة مؤشرات إلى هنا وهناك. التغيير في مكانة المخطوفين وعائلاتهم مؤشر من نوع ما. لم يكن تحرير مخطوفين هدفاً بحد ذاته: كان أداة، وسيلة. في البداية، أنكر نتنياهو وجودهم: كانوا مشكلة يحظر الاعتراف بها. في صالحهم، بالطبع، مثلما قالت سارة نتنياهو.
بعد ذلك، أصبحوا عبئاً، عدواً، عملاء حماس. عيناب تسنغاوكر، الزعيمة ورمز الكفاح من أجل الصفقة، لوحقت بلا رحمة، وهددوها بموت ابنها وبموتها. وعندما وصلنا إلى المرحلة الثالثة، المرحلة التي يتورط فيها نتنياهو بأنه في غزة، أصبحت صفقة تحرير المخطوفين هدف الحرب الأساس. عادت عائلاتهم لتكون أعزاء الأمة. إذا كان نتنياهو يسعى لإنهاء هذه القصة السيئة في غزة، فالمخطوفون وعائلاتهم سيشقون له الطريق.
التغيير في قضية التجنيد مؤشر معاكس. إذا كانت وجهة نتنياهو للتسوية والانتخابات، لكانت هناك حاجة للإبعاد نفسه عن الحريديم. فتملص الحريديم من الخدمة سم سياسي: فهو مكروه من ناخبي الليكود العاديين، ومكروه على نحو خاص في المجتمع الصهيوني – الديني، الذين يريد نتنياهو أصواتهم. على الرغم من ذلك، مارس ضغطاً على يولي أدلشتاين، رئيس لجنة الخارجية والأمن. في مقلوب على مقلوب، الحرب مع إيران كانت أيضاً حجة في صالح قانون التملص: لا يجب هز الائتلاف في وقت الحرب.
أدلشتاين انكسر. مسودة القانون أفرغت من العقوبات الشخصية التي فرضت على رافضي التجنيد. والمخصصات المالية أعيدت. إقرار القانون كما هو، بتأييد الكتل الحريدية، سيثير معارضة جماهيرية واسعة حتى من مؤيدي الحكومة، لكن سيسمح لها بمواصلة البقاء. هذا مؤشر. ولتعقيد الأمور أكثر، ثمة من يصدر سيناريو آخر، لا يقل صخباً: وجهة نتنياهو إلى تسوية، وإعادة المخطوفين، والخروج من معظم غزة، وإنهاء الحرب، والتطبيع مع العالم العربي السني. بعد أن ينهي هذه الحملة العظيمة، سيوقع على صفقة إقرار بالذنب مع ادعاء عام في محاكمته ويعتزل، في ذروة مجده، محوط بمحبة الشعب كله وإعجاب العالم. هو تعب، قال لوزير سابق. هل سيعتزل، سألت. لن تسمح له العائلة، قال.
كيف تعطلت العربات
في 16 أيار انطلق الجيش الإسرائيلي إلى حملة سميت “عربات جدعون”. شاركت فيها أربع فرق، ولاحقاً خمسة. رغم أن الجيش لا يعترف بذلك حتى الآن، فإن خيبة الأمل كبيرة. أمام النجاحات العسكرية المبهرة في لبنان وإيران، فإن الحملة في غزة تتلخص بفشل ذريع. كان الدافع سياسياً حزبياً، كان القرار قرار رجل واحد والثمن عال: عشرون مقاتلاً من الجيش قتلوا في حزيران، قتيلان في أيار وقتيلان آخران في الأيام الأولى من تموز؛ مئات من غير المشاركين ممن قتلوا في الجانب الفلسطيني. صور قاسية أمام العالم. مؤشرات صحوة من حماس.
أعمال الاحتلال دحرت السكان نحو دائرتين كبيرتين وأخرى صغيرة: دائرة غزة وأحيائها؛ ودائرة المواصي؛ وجيب أصغر من قلب خان يونس حتى أطراف مخيمات الوسط. الاشتباه بوجود مخطوفين أحياء في كل دائرة كهذه. كل تقدم للجيش يكلف حياتهم.
كي نفهم كيف تعطلت “عربات جدعون” أمام رجال غزة، علينا الرجوع إلى الوراء، إلى الجدول الزمني الذي عرضه الجيش على الكابنيت في أكتوبر 2023. فقد تحدث الجدول الزمني عن ثلاث مراحل قتالية تنتهي بتفكيك حماس بعد 11 شهراً حتى سنة.
كان للحرب خمسة أهداف معلنة. ليس في هذا الترتيب: تصفية القوة العسكرية لحماس؛ وتصفية قيادتها؛ وضمان حرية عمل لإسرائيل؛ وإقامة حكم آخر في غزة، وإعادة المخطوفين. الأهداف الثلاثة الأولى تحققت في نيسان – أيار 2024 قبل أكثر من سنة. أما الهدفان الأخيران فقد استوجبا خطوة سياسية، ليست عسكرية.
رفض نتنياهو القيام بالخطوة الإضافية. فقد تخوف من تفكيك الحكومة. الرفض كلف حياة مخطوفين ومقاتلين، والحكومة راوحت مكانها في غزة لسنة، وعندها انطلقت إلى حملة عسكرية يمكن أن نسميها “حرب سموتريتش” أو “حرب نتنياهو”. كانت الحجة أن الحملة ستجلب صفقة حسب الشروط التي طرحتها الحكومة. لكن هذا لم يحصل. أهداف الجيش الإسرائيلي صيغت حسب الأماني، وليس حسب الإمكانيات الواقعية على الأرض. خطابات رئيس الأركان والألوية المتفائلة استهدفت رفع معنويات المقاتلين. عملياً، رئيس الأركان أيد صفقة شاملة، تعيد كل المخطوفين وتقيم وقفاً دائماً للنار (حماس لم تتحدث عن وقف تام للحرب مع إسرائيل. فوقف الحرب يتعارض وأيديولوجيتها. على حد نهجها، هي مستعدة للهدنة أو تهدئة لزمن محدد).
التجربة تدل على أن الجانب الفلسطيني بقي بشكل عام في موقفه؛ أما حكومات إسرائيل فتغير المواقف كل وقت. إذا كان ثمة أمل في صفقة، فينبع من التغيير الذي طرأ، إذا كان طرأ، في خطة نتنياهو السياسية.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 4/7/2025