من دايتون إلى ترامب وفينزل: خطط أمنية لحماية إسرائيل وزيارة نور شمس تكشف الأهداف

من دايتون إلى ترامب وفينزل: خطط أمنية لحماية إسرائيل وزيارة نور شمس تكشف الأهداف
بقلم رئيس التحرير
منذ توقيع اتفاق أوسلو، تبنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مقاربة ثابتة لإدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تقوم على ضمان “أمن إسرائيل” وتطويق أي مقاومة فلسطينية، بينما يتم تجاهل معالجة جذور الصراع المتمثلة في الاحتلال والاستيطان. هذه المقاربة أنتجت سلسلة من الخطط الأمنية التي بدأت مع الجنرال الأمريكي كيث ديتون ثم تعمقت في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وعهد بايدن ، وصولًا إلى إدارة ترمب اليوم، التي تتحرك عبر الجنرال مايكل فينزل لإحياء ذات الوصفة الفاشلة، وآخر تجلياتها زيارة مخيم نور شمس ومحيطه، تحت عنوان “الترتيبات الأمنية”.
أولاً: من دايتون إلى ترامب – استراتيجية أمنية لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وفق رؤية الشرق الأوسط الجديد
في عام 2007، أطلق الجنرال كيث دايتون خطة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وفق عقيدة ترى في المقاومة الفلسطينية تهديدًا لأمن إسرائيل، وليس ردًا مشروعًا على الاحتلال. كانت المهمة الأساسية لهذه الأجهزة هي “محاربة الإرهاب” ومنع أي عمل مسلح ضد الاحتلال، مقابل وعود وهمية بتسهيل المسار السياسي.
لاحقًا، جاءت إدارة الرئيس دونالد ترامب لتأخذ هذا النهج إلى مستوى أكثر خطورة، عبر ما عُرف بـ”صفقة القرن”. لم تكتفِ إدارة ترامب بالدفع نحو الحلول الأمنية، بل حاولت تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، شرعنة الاستيطان، واقتراح حكم ذاتي هزيل للفلسطينيين تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
ثانياً: إدارة بايدن وخطة فينزل – إعادة إنتاج الفشل
بعد سقوط صفقة القرن أمام صمود الشعب الفلسطيني، عادت إدارة ترمب لإحياء النهج الأمني مجددًا عبر الجنرال مايكل فينزل، الذي يقود خطة تستهدف:
إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية لتكون أكثر قدرة على بسط الأمن والسيطره وفرض تهدئة طويلة الأمد تخدم أمن إسرائيل، مع تجاهل كامل لجرائم الاستيطان والاعتداءات اليومية للاحتلال.
زيارة فينزل إلى مخيم نور شمس ومناطق أخرى بالضفة الغربية تكشف بوضوح أن الولايات المتحدة تدفع نحو “ترتيبات أمنية” تمنع تحول هذه المخيمات إلى مراكز للمقاومة، في وقت تشهد فيه الضفة موجة متصاعدة من العمليات ضد الاحتلال.
ثالثاً: الموقف الفلسطيني الرسمي – استمرار الرهان الخاطئ على واشنطن
رغم كل هذه التجارب، لا تزال القيادة الفلسطينية الرسمية تراهن على الولايات المتحدة كوسيط نزيه، وتتمسك بالتنسيق الأمني كخيار استراتيجي. هذه المراهنة السياسية في قراءة الدور الأمريكي حالت دون بلورة استراتيجية فلسطينية وطنية جامعة تعتمد على:
وحدة الصف الوطني.
دعم المقاومة الشعبية والسياسية.
تدويل القضية الفلسطينية في مواجهة الانحياز الأمريكي لإسرائيل.
بينما كان على القيادة الفلسطينية أن تدرك أن كل الإدارات الأمريكية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، تشترك في تبني عقيدة “الأمن لإسرائيل أولًا”، وأنها غير جادة في إنهاء الاحتلال أو دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
رابعاً: التداعيات والاستنتاجات
إن الرهان على الخطط الأمنية، من دايتون إلى ترامب وفينزل، أثبت فشله الذريع في تحقيق الأمن أو الاستقرار. كل المحاولات فشلت خاصة وأن المراهنة الخاطئة في تجاهل إذعان اسرائيل لقرارات الشرعية الدولية وتجاهل الممارسات الإسرائيلية تصطدم بإرادة فلسطينية راسخة تتجدد في كل جيل، وآخرها ما نشهده في الضفة الغربية من رفض للاحتلال والاستيطان
زيارة فينزل إلى مخيم نور شمس ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لتطويق الشعب الفلسطيني، لكنها لن تنجح طالما بقي الاحتلال جاثمًا على الأرض الفلسطينية، وطالما ظل الشعب الفلسطيني متمسكًا بحقه المشروع في الحرية وتقرير المصير.
من دايتون إلى ترامب وفينزل، تتكرر الوصفة الأمريكية ذاتها مع تغيير الأسماء والوجوه، لكن النتيجة واحدة: الفشل. إن مفتاح الأمن الحقيقي لا يكمن في خطط أمنية ولا في قمم إقليمية، بل في إنهاء الاحتلال، واعتراف المجتمع الدولي بالحقوق الوطنية الفلسطينية كاملة، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.