فرقة الروك المصرية تنحاز إلى الهامش والحرية والضياع | «كايروكي» في بيروت: لنهدم الأصنام القديمة!

فرقة الروك المصرية تنحاز إلى الهامش والحرية والضياع | «كايروكي» في بيروت: لنهدم الأصنام القديمة!
في صيف العام الماضي، قدّمت فرقة «كايروكي» المصرية أولى حفلاتها في لبنان ضمن «مهرجانات بيبلوس الدولية».

استمرّت الحفلة ساعةً كاملة قدّمت فيها الفرقة باقة من أغنياتها، غالبيتها من الإصدارات الحديثة. وكعادتها، رافقت الأغنيات عروض غرافيكية من تصميم محمد مصطفى، في تجربة بصرية تميز حفلاتها. تعود الفرقة هذا العام إلى لبنان بحفلة جديدة تُقام غداً في «بيروت هول».
هوية فنية متفرّدة
في إحدى مقابلاته، رفض المغني الرئيسي أمير عيد وصفه بـ«القدوة»، مؤكداً على أنّ كونه فناناً لا يعني بالضرورة أن يكون قدوةً لأحد، بل يفضّل أن يكون على طبيعته، ومن أحبّه أو كرهه، فذلك خياره الشخصي.
هذا التصالح مع الذات يعكس هوية الفرقة التي دائماً ما ابتعدت عن النمط التجاري السائد، مقدّمةً صوتاً متمرداً على السلطة والتقاليد والمألوف، كما على صراعات الأجيال، في محاولة دائمة لهدم أصنام السياسة والمجتمع.
صوت شبابي معترض
ورغم هذا الموقف الرافض لدور القدوة، شكّلت «كايروكي» نموذجاً فعلياً للشباب، وصوتاً معبّراً عن جيل بأكمله. بدأت الفرقة عام 2003 حين قرّر خمسة أصدقاء يجمعهم حبّ موسيقى الروك تطوير شغفهم وتكوين فرقتهم الخاصة. هؤلاء الأصدقاء هم: أمير عيد، شريف هواري، تامر هاشم، شريف مصطفى، وآدم الألفي.
اعتادوا الالتقاء في منزل عيد للعزف والهروب من رتابة الحياة اليومية. جميعهم، باستثناء شريف مصطفى، من منطقة المعادي حيث يعرف الجميع بعضهم البعض. في سن السابعة عشرة، قرّروا تعلّم الموسيقى، حتى أصبحت شغلهم الشاغل.
اسم الفرقة مزيج بين كلمتي «كاراوكي» و«القاهرة»، وقد اختاره شريف هواري على عجل قبيل إحدى الحفلات، فجاء الاسم بالمصادفة. اكتشف الفرقة مهندس الصوت الحائز جائزة «غرامي»، علاء الكاشف، ففتح لهم أبواب الاستوديو الخاص به لتجريب وتسجيل موسيقاهم، مقدّماً لهم الدعم والإرشاد. ومن هناك، بدأت رحلتهم في إنتاج موسيقى الروك الممزوجة بالألحان الشرقية، لتصبح «كايروكي» لاحقاً أشهر فرقة روك في مصر.
الشهرة الواسعة مع «ثورة يناير»
دائماً ما عبّرت الفرقة عن هموم جيل كامل من المصريين، عن ثوراتهم وإحباطاتهم وبقايا أملهم. ورغم أن التأسيس يعود إلى عام 2003، لم تنل الفرقة شهرتها الواسعة إلا بعد اندلاع ثورة «25 يناير» عام 2011، حين نزل أعضاؤها إلى ميدان التحرير وغنوا: «رفعنا راسنا في السما/ والجوع مبقاش بيهمنا/ أهم حاجة حقنا/ ونكتب تاريخنا بدمنا». وفي الساحة نفسها، شاركوا عايدة الأيوبي في أغنية «نتجمع نشرب الشاي»، وغنّوا للمعتقلين «ياما في الحبس مظاليم»، وأعادوا تقديم قصيدة عبد الرحمن الأبنودي «إحنا ولاد الكلب الشعب» في أغنيتهم «احنا الشعب».
موسيقى روك ممزوجة بالألحان الشرقية
منع أغنية «مطلوب زعيم»
أطلقت الفرقة أول ألبوماتها «مطلوب زعيم» عام 2012، قبيل الانتخابات الرئاسية، وتضمّن أغنيات رافقت الثورة، أبرزها «صوت الحرية» و«الميدان» و«اثبت مكانك». أثار الألبوم جدلاً واسعاً، خصوصاً أغنية العنوان «مطلوب زعيم» التي اعتُبرت مسيئة، ما دفع وزير الإعلام حينها، أحمد أنيس، إلى إصدار قرار بمنع بثها بدعوى خدش الحياء العام لاحتوائها على كلمة «دكر».
إحباط ما بعد الربيع
تراجعت الحماسة الثورية في أغنيات الفرقة لاحقاً، بعد خفوت موجة الثورات العربية. في ألبوم «السكة شمال»، بدأ يظهر تأثير الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، كما في أغنية «السكة شمال» التي تقول: «الورد اللي فتح الجناين/ دلوقتي أصبح حقه هاين»، في محاكاة لقصيدته «الورد اللي فتح جناين مصر» التي احتفت بالشهداء، بينما عبّرت الأغنية عن ضياع حقوقهم وضياع الثورة.
لاحقاً، اتخذت موسيقاهم منحى أكثر تشاؤماً وانسحاباً من السياسة. في ألبوم «ناس وناس»، وتحديداً في أغنية «على الهامش»، يقولون: «خلاص خليك ما بين البين/ بتضحك بس من غير صوت/ وتحزن بس من غير دمعة/ وتهمس بس همس سكوت».
الضياع الوجودي في الألبومات الأخيرة
في ألبوماتهم الأخيرة، جسّدت الفرقة الضياع الوجودي لجيل عربي فقد الأمل في التغيير السياسي. في ألبوم «نقطة بيضا»، يقولون: «جوايا اتنين وأنا التالت/ والتالت دايماً ساكت»، قبل أن يؤكدوا في «آخر أغنية» تمسّكهم بالحرية: «في حرب ضد الحرية والحرية ممنوعة/… لو دي آخر أغنية ليا/ هفضل أغني عن الحرية». وفي ألبوم «ولاد البطة السوداء»، تبرز ذات الثيمة في «أنا الصوت»: «أنا اللي جريمتي في قيمتي/ ومشكلتي إني قولت الحق».
الشعبية تبلغ الذروة مع «روما»
مع ألبومهم الأخير «روما»، وصلت شعبية «كايروكي» إلى ذروتها، إذ انتقلت من القضايا السياسية المباشرة إلى أسئلة فلسفية ووجودية، مستعينةً بمدينة «روما» كرمز حضاري وثقافي يعكس ضياع الإنسان المعاصر بين ماضيه وحاضره. تناولت أغنيات الألبوم مواضيع الهوية، والحرية، والحب، والفقد، والذاكرة، ما جعله يلقى صدى واسعاً بين الشباب التائهين والباحثين عن ذواتهم، خصوصاً في ظل شعور بالخذلان والاغتراب بعد سنوات من الإحباط السياسي.
محاولات قمع
رغم نجاحها، واجهت الفرقة محاولات قمع متكررة. في 2017، منعت الهيئة العامة للرقابة على المصنفات الفنية في مصر تداول ألبوم «نقطة بيضا»، وطلبت عدم إذاعته، معتبرةً بعض أغانيه مخالفةً للقيم المجتمعية، منها «السكة شمال» و«هدنة» و«يا أبيض يا أسود».
في تحدٍّ لهذا القرار، طرحت الفرقة الألبوم كاملاً عبر منصاتها الإلكترونية. كما أُلغيت أو أُجّلت لها حفلات داخل مصر وخارجها من دون أسباب معلنة، وغالباً بعد إصدار أغنيات ذات طابع سياسي، منها «آخر أغنية» التي وُصفت بأنها صرخة حرية ضد القمع.
فلسطين من «حلمي أنا» إلى «تلك قضية»
تحتلّ فلسطين مكانة خاصة في وجدان «كايروكي»، ليس كقضية سياسية فقط، بل كرمز للعدالة والهوية الجمعية. ففي أغنية «حلمي أنا»، من ألبومهم الأول، تتقاطع القضية مع نضالات الشعوب العربية: «حلمي أنا أزرع ورود/ مكان الحدود… أمسح دموع طفل موجوع». وفي قصيدة أحمد فؤاد نجم «الخط ده خطي»، التي تغنت بها الفرقة، نسمع: «شط الزيتون شطي/ والأرض عربية». أما أبرز ما قدّموه في هذا السياق، فكان أغنية «تلك قضية»، من كلمات مصطفى إبراهيم، التي شكّلت صرخة ضد نفاق الغرب والآلة الإسرائيلية في عدوانها على غزة: «بتقول على البواب الحارس/ وجنبك جيش بيهد مدارس/ وأما بتقفش نفسك لابس دم/ تقول الكل ضحية/ وتلك قضية وتلك قضية».