مقالات

جمهورية التافهين حين تُصبح السطحية هي القاعدة بقلم:- امجد السيد -الهدف السودانية –

بقلم:- امجد السيد -الهدف السودانية -

جمهورية التافهين حين تُصبح السطحية هي القاعدة
بقلم:- امجد السيد -الهدف السودانية –
في زمنٍ تبدلت فيه القيم وتغيرت فيه ملامح المجتمعات بات من الطبيعي أن تجد التافهين في الواجهة يحتلون المنابر والشاشات وصفحات التواصل ويُقدمون باعتبارهم رموزا للنجاح والتأثير هذا ما أشار إليه المفكر الكندي “آلان دونو” في كتابه الشهير نظام التفاهةعندما قال بوضوح ومرارة لقد حسم التافهون المعركة لصالحهم.
لم تعد الكفاءة أو الجدارة أو القيم العليا شروطا للظهور والتأثير بل يكفي أن تُتقن التفاهة ان تصرخ أكثر أن تثير الجدل أو أن تُكرر ما يطلبه الجمهور مهما كان فارغا لتصبح نجما.
لكن الأخطر من صعود التفاهة في حد ذاتة هو أن تصبح التفاهة هي القاعدة وأن يغدو كل ما دونها نشازا أو ثقيل الظل وحينها كما يقول دونو يطفو الفساد المُبرمج ويغيب الذوق وتتآكل الأخلاق وتُسحق القيمة
السطحية لم تعد فقط في الشاشات العامة بل اقتحمت غرف أبنائنا بهواتف صغيرة ذكية تحمل كمّا هائلا من السموم الناعمة تحولت الميديا الحديثة إلى بدائل قوية عن الأسرة والمدرسة والنادي والمسجد بل تجاوزت أدوارهم وأغوت الصغار وأعادت تشكيل وعيهم وسلوكهم دون أن يكون للكبار قدرة حقيقية على السيطرة أو التوجيه.
يُقابل ذلك عجز تربوي وقلق شعبي مشروع كيف نواجه هذا الفيضان من المحتوى المفخخ المتدفق بلا رقيب؟ كيف نحمي أبناءنا من أن يصبحوا أسرى لمؤثري السوشال ميديا الذين لا يحمل أغلبهم قيمة ولا فكرة؟
لم تعد المسألة ترفا تربويا بل أمنا فكريا وأخلاقيا للأجيال.
لقد تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مصانع لإنتاج التفاهة منصات لا تعترف بالقيمة ولا تُعلي من شأن الفكر بل تروّج لما هو فارغ وسهل وسريع الهضم معيار النجاح فيها هو عدد المشاهدات وليس نوعية ما يُقال أو يُكتب
وكلما زاد الهبوط ارتفع عدد الإعجابات وكلما ازداد الاستفزاز تضاعف عدد المتابعين.
وهكذا أصبحت السطحية المتباهية هي عنوان المرحلة وغدت الأضواء تُسلط على من يُجيدون الصراخ لا من يمتلكون فكرا.
من هنا تتجلى أهمية أن نُعيد فتح النقاش المجتمعي والتربوي حول تأثير الإعلام الجديد لا من منطلق الرفض أو الهلع بل من موقع المسؤولية والبناء لا نريد شيطنة التقنية بل تقويم استخدامها لا نطلب من أبنائنا الانسحاب من العالم الرقمي بل أن يحملوا معه بوصلة ووعيا وقيما.
المطلوب ليس فقط رقابة تقنية على المحتوى بل حوار مفتوح مع أبنائنا وبناء بيئة أسرية ومدرسية تعيد لهم الثقة بذواتهم وتحفز فيهم الوعي النقدي والتمييز.
فنحن لا نعيش فقط أزمة فيض معلومات بل أزمة ضياع المعنى
ختاما لا مفر من طرح السؤال الصعب
هل ما زال هناك أمل في أن نُعيد الاعتبار للعقل للفكر للقيمة للمعنى؟
الإجابة مرهونة بمدى استعدادنا لمقاومة هذا النظام الناعم الذي يغزو منازلنا لا بثورة غاضبة بل ببناء بديل قيمي وتربوي ومعرفي وحواري.
نعم التافهون يتصدرون لكن الشعوب التي لا تستسلم تُنجب من يضيئون مجاهل الظلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب