الصحافه

عودة للصفدي.. ورداً على أردان: نعم للدولة الفلسطينية

 عودة للصفدي.. ورداً على أردان: نعم للدولة الفلسطينية

من المحزن قراءة هذه الكلمات (مقال جلعاد أردان في صحيفة “إسرائيل اليوم” بتاريخ 29/6): “درس 7 أكتوبر واضح. وجود الدولة الفلسطينية حتى ضمن حدود مقلصة جداً، ستشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل. هي ليست مجرد مسالة أيديولوجية أو حق تاريخي، بل مسألة حياة أو موت. لا مكان لدولة فلسطينية سيادية بين البحر والنهر، لأنها ستحاول يوماً ما تدمير إسرائيل. أي أرض يسلم على تلال “يهودا والسامرة” قد تستخدم صباح الغد كقاعدة لإطلاق الصواريخ بعيدة المدى وكقاعدة لاختراق بري يهدد قلب الدولة”.

لو واصل نتنياهو، الذي انتخب بعد إيهود أولمرت لرئاسة الحكومة في 2009، درب أولمرت وعمل مع محمود عباس على إقامة الدولة الفلسطينية، لم يكن 7 أكتوبر ليحدث، والكثير من الإسرائيليين والفلسطينيين الذين قتلوا منذ 2009 كانوا على قيد الحياة. ولكن نتنياهو مثلما يتصرف في الحكومة الحالية، عمل ضد مصلحة معظم مواطني إسرائيل، وفضل مصلحة “غوش ايمونيم” وورثتها؛ وربما تبنى القرار المكتوب في الخطوط الأٍساسية لحكومته الحالية القائل بأن الاستيطان في أرض إسرائيل يكون لليهود فقط.

بعد الانتفاضة الأولى والثانية، فهم شارون وأولمرت بأنه لا أمن لإسرائيل بدون اتفاق مع الفلسطينيين؛ فقد قرر شارون تحرير قطاع غزة من وجود المستوطنات الإسرائيلية، أما أولمرت الذي أصبح رئيساً للحكومة فقد تحدث عن إعادة تجميع في المناطق المحتلة رغم أن ذلك لن ينفذ، لكنه بادر إلى إجراء المفاوضات مع عباس لإقامة الدولة الفلسطينية، وتم عقد لقاءات كثيرة بينهما.

رفض نتنياهو الالتقاء بعباس الذي اعترف بدولة إسرائيل، وفضل دعم حماس. يبدو أنه اعتقد بأن الفلسطينيين سيسلمون بسيطرة إسرائيل على مجالات رئيسية في حياتهم، بدون مواطنة وتأثير، وكان وجود السلطة الفلسطينية مريحاً له؛ لأنها تدير المجالات المدنية لحياة الفلسطينيين، وتقيم تعاوناً أمنياً مع إسرائيل. نتيجة سياسة نتنياهو من ناحية الفلسطينيين في “المناطق” [الضفة الغربية]، كانت وما زالت نظام أبرتهايد وحشياً وقمعياً، الذي أصبح أسوأ من سنة إلى أخرى، وأدى ويؤدي إلى أحداث إرهابية كثيرة.

أنهى أردان عمله في الأمم المتحدة في آب 2024، لكنه ربما أدرك الحدث الذي وقع هناك بعد شهر ونصف من استقالته وعقب خطاب تقليدي لرئيس حكومة إسرائيل هناك. هذا الحدث وصفه مراسل “هآرتس” جاكي خوري في 3/10/2024 كما يلي:

“تصريح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة الجمعة الماضي، الذي قال فيه بأن إسرائيل محاطة بأعداء يريدون تدميرها، أثار غضب وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، الذي وضع إسرائيل مرة أخرى أمام سؤال – كيف، هل هي تنوي إنهاء النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. أما الصفدي، حيث كان يجلس بجانبه وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية مصر بدر عبد العاطي، ورئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى، فقد وقف في مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة ونقل رسالة واضحة بروحية مبادرة السلام العربية التي قادتها السعودية في السابق. حسب قوله، الدول العربية مستعدة لضمان أمن إسرائيل شريطة إنهاء الاحتلال. وقف رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو هنا وأعلن بأن إسرائيل محاطة بمن يريدون تدميرها. “نحن ممثلي الدول العربية، نملك تفويضاً من 57 دولة، ولنا الرغبة في ضمان أمن إسرائيل في إطار إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة”، قال الصفدي.

“وقال وزير خارجية الأردن إن من يخلق الخطر على إسرائيل هو نتنياهو، الذي يعارض حل الدولتين. “أنتم، المراسلين، هل تسألون رئيس حكومة إسرائيل كيف يرى نهاية العملية، باستثناء الحرب والمزيد من الحرب والقتل؟” سأل الصفدي الحضور. “جميعنا نريد السلام، وإسرائيل ستحصل على السلام والاستقرار إذا أنهت الاحتلال ووافقت على الانسحاب من المناطق المحتلة على أساس حدود 1967″. هذه روايتنا. ولكن إسرائيل قتلت كل محاولة للسلام خلال 30 سنة، نحن نريد السلام ولنا خطط له، أما إسرائيل فمن دون خطة؛ خطتها تدمير غزة ولبنان، لا يوجد شريك في إسرائيل””.

كتب أردان أيضاً في المقال: “الشرق الأوسط يقف على عتبة عهد جديد، عهد من القوة الإسرائيلية والفرص التاريخية… لقد ولدت فرصة لاستغلال سياسي إلى درجة إنهاء النزاع بين إسرائيل والعالم العربي. طريق اتفاق سلام مع السعودية – اللاعبة الأهم في العالم العربي – مفتوحة أكثر من أي وقت مضى. تحطيم المشروع النووي الإيراني، وانهيار حزب الله وانهيار نظام الأسد، كل ذلك خلق واقعاً جديداً، تدرك فيه الدول العربية المعتدلة أن إسرائيل ليست المشكلة، بل هي جزء من الحل أمام الإسلام المتطرف.

“لكن هذا التحالف يجب أن يبنى على واقع، وليس على أوهام. الفلسطينيون، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، ليسوا جزءاً من المعسكر المعتدل. حتى لو كانوا يرتدون البدلات ولا يحملون السلاح علناً، فهم يحملون نفس أيديولوجيا حماس وإيران التدميرية: إنكار وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية”.

تجاهل أردان اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل، وأنه عند تسلم رئيس السلطة عباس منصبه في 2006 قال إنه لن يعمل إلا بالأسلوب السياسي، وأنه لن يوافق على العنف. السير في الطريق السياسي مع السلطة لا يروق لنتنياهو؛ لأن نتيجة المحتملة هي دولة فلسطينية. رفض نتنياهو الالتقاء مع عباس رغم السنوات الكثيرة التي تسلم فيها الاثنان منصبهما. عند تسلمه لمنصب رئيس الحكومة في 2009 قرر رعاية حماس، التي لم تعترف بإسرائيل وبالمقابل إضعاف السلطة.

لا ينكر عباس وجود دولة إسرائيل، وموقفه، الذي بحسبه يجب إقامة دولة فلسطينية في المناطق التي احتلت في 1967، بما في ذلك شرقي القدس وغزة، معروف. تمسك أردان بمطالبة نتنياهو الوقحة القائلة بأن على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. لم يطلب من أي دولة أخرى الاعتراف بذلك، حتى من مصر والأردن. إضافة إلى ذلك، مثلما يعتبر نتنياهو نفسه زعيماً للعالم اليهودي (رغم الضرر الكبير الذي ألحقه بزيادة اللاسامية في العالم)، فإن عباس أيضاً هو رئيس خمس سكان إسرائيل العرب، ولا سبب لتجاهل وجودهم. لا توجد دولة من الدول التي وقعت على اتفاقات إبراهيم طلب منها الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

في حزيران 2024، عندما كان أردان سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، تحدث المرشد الإيراني علي خامنئي في احتفال على مرور 35 سنة على موت سلفه، قائد الثورة الأول الخميني، وقال إن وضع الفلسطينيين تحت الحكم الإسرائيلي كان الموضوع الأهم بالنسبة للخميني، الذي قال بأن على الفلسطينيين محاربة من يمنع استقلالهم. وأضاف خامنئي: “كانت المنطقة بحاجة إلى 7 أكتوبر، الذي جاء في الوقت: نجح الفلسطينيون في فرض الحصار على حكومة الكيان الصهيوني، فلم يعد لها طريق للهرب، وتحولت القضية الفلسطينية إلى قضية رئيسية في الرأي العام العالمي. كانت ضرورية الحرب عقب العملية الأمريكية – الغربية لتغيير الواقع في المنطقة. لقد جاءت في وقت حساس وأفشلت كل محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني”. خامنئي قصد في قوله الاتفاق بين إسرائيل والسعودية الذي تبجح نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة في أيلول 2023 بأنه سيتم التوقيع عليه بدون فيتو من الفلسطينيين، وبذلك حدد موعد هجوم 7 أكتوبر.

كان رد عباس على أقوال خامنئي مهماً. قال يتبين من أقوال الزعيم الإيراني أن هدف إيران هو “التضحية بدماء الفلسطينيين”. وأضاف: “الشعب الفلسطيني يناضل منذ مئة سنة، وليس بحاجة إلى حروب لا تخدم مصالحه: الحرية وحماية القدس والأماكن المقدسة”. وأضاف: “نريد إنهاء الاحتلال وتطبيق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وليس سياسة لا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني”.

عندما تكون الأمور بهذه الصورة، يجب أن يسأل أردان ونتنياهو: هل ما يريدانه هو مواصلة نظام الأبرتهايد غير القانوني في المناطق المحتلة إلى الأبد وتوسيعه ليصل إلى غزة أيضاً؟ وتقديم دعم حكومي للإرهاب اليهودي في المناطق كما أعطي في السنوات الأخيرة، التي تذكر بتحذير يشعباهو لايفوفيتش بأن الاحتلال سيصنع من اليهود يهوداً نازيين، ويواصل العيش مع الإرهاب الفلسطيني والحرب الإسرائيلية ضده، أم أنهما يعتقدان أن وهم سموتريتش، السنوار الإسرائيلي، وربما أيضاً وهم نتنياهو (اختفاء الفلسطينيين من المناطق المحتلة ومن غزة) سيتحقق؟

الحقيقة، لسنا بحاجة إلى أقوال حكيمة لوزراء خارجية الدول العربية لنفهم أن الخطوة الصحيحة لإسرائيل التي ستعزز أمنها بشكل جوهري هي الكف عن السيطرة على شعب آخر، المحروم من الحقوق، وتؤيد إقامة دولة فلسطينية. وهي خطوة ستعطي الحرية وتقرير المصير والكرامة للفلسطينيين، وستحسن مكانة إسرائيل في العالم، لا سيما في الدول الإسلامية التي أصبح لإسرائيل علاقات معها، وستحسن علاقات مواطني إسرائيل الفلسطينيين بدولتهم وتجعل إيران تتوقف عن رؤية في إسرائيل عدوة، وستزدهر الدولتان، إسرائيل وفلسطين.

يجدر التذكير بالأقوال التي قالها رئيس الحكومة إسحق رابين في الكنيست في كانون الثاني 1993: “إيران في المرحلة الأولى من جهودها لامتلاك قدرة غير تقليدية بشكل عام ونووية بشكل خاص. نقدر أن لدى إيران الآن قوة بشرية المناسبة وموارد كافية لامتلاك السلاح النووي في غضون عشر سنوات. نتابع نشاطات إيران النووية وجهات أخرى في المجتمع الدولي، التي لم تخف حقيقة أن إمكانية امتلاك إيران للسلاح النووي يجب أن تقلق، وهذا أحد الأسباب التي بسببها علينا استغلال نافذة الفرص والتقدم نحو السلام”.

عاموس شوكن

 هآرتس 11/7/2025

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب