الصحافه

ترى في التفاوض بين إيران وأمريكا مصلحة لها.. الرياض بتوجس: كل هذا.. ويسلم “المفتاح” لنتنياهو؟

ترى في التفاوض بين إيران وأمريكا مصلحة لها.. الرياض بتوجس: كل هذا.. ويسلم “المفتاح” لنتنياهو؟

“الخيار في يد أمريكا؛ هل ستختار الولايات المتحدة الدبلوماسية أم ستبقى عالقة في حرب الآخرين؟”، كان هذا السطر الأخير في مقال نشره وزير خارجية إيران عباس عراقجي في صحيفة “فايننشال تايمز” الثلاثاء الماضي. هذه صياغة مهمة تؤطر الهجوم على إيران وسياسة واشنطن منها كانجرار أمريكي خلف إسرائيل وليس كمبادرة أمريكية. من هنا جاء تأكيده في المقال على أن الولايات المتحدة تستطيع استبدال الضرر الذي تسببت به الحرب بالتحرك الدبلوماسي، حيث قال: “حققنا في اللقاءات الخمسة مع ويتكوف أكثر مما حققناه في السنوات الأربعة لولاية بايدن الفاشلة”.

نفت إيران رسمياً أنها توجهت مباشرة للولايات المتحدة من أجل استئناف المفاوضات التي توقفت عشية الحرب، كما قال ترامب. ولكن كبار زعماء إيران، بما في ذلك الرئيس مسعود بزشكيان، لا يتوقفون عن إطلاق التصريحات لصالح استئناف المفاوضات، ويعملون عن طريق الوسطاء على الدفع بها قدماً. في اليوم الذي نشر فيه عراقجي مقاله في الصحيفة البريطانية، هبط في السعودية والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ووزير الخارجية فيصل بن فرحان، ووزير الدفاع خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد السعودي.

الزيارة التي حظيت بتغطية كبيرة في وسائل الإعلام السعودية، من سلسلة لقاءات دبلوماسية كثيرة بادرت إليها الدولتان في الفترة التي سبقت الحرب وبعدها. السفير الإيراني في السعودية، علي رضا عنايتي، قال عند انتهاء زيارته إن “القيادة السعودية تصر على مواصلة القناة الدبلوماسية وتطوير العلاقات بين الدولتين في كل المجالات”. يبدو أنه ليس إعلاناً استثنائياً، بل يشبه إعلانات سابقة نشرت بعد لقاءات مشابهة. لكن مجرد عقد هذا اللقاء عالي المستوى، بالذات في الوقت الذي تواصل فيه واشنطن والرئيس ترامب التهديد والتلويح بإمكانية توجيه “ضربة ثانية وثالثة” ضد إيران إذا استأنفت مشروعها النووي، ربما تدل على الطريقة التي تنوي إيران العمل فيها في المستقبل القريب.

الدول الثلاث، قطر وعُمان والسعودية، هي الآن مجندة للدفع قدماً بالدبلوماسية التي تهدف إلى استئناف جولة اللقاءات بين ويتكوف وعراقجي، التي ربما تكون في الأسبوع القادم. قطر التي توسطت من أجل وقف إطلاق النار في الوقت الذي فيه “سمحت” لإيران بمهاجمة قاعدة العديد الأمريكية على أراضيها باعتبار ذلك “عملية رد متفقاً عليها” على الهجوم الأمريكي، وحظيت بذلك على شكر من الرئيس الأمريكي، تعمل أمام إيران لإعادة الرقابة على المنشآت النووية.

الجدول الزمني لا يسمح بالتأخير. إيران طردت مراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية. وحسب تقارير إيرانية، فككت كاميرات مراقبة للوكالة في المواقع النووية. عملياً، لا توجد الآن أي رقابة منظمة في هذه المواقع، ولا توجد معلومات موثوقة عن مصير الـ 408 كغم من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة.

إعادة المراقبين، وفحص المواقع، ومسح الأضرار، وتحديد كامل لمكان اليورانيوم، كل ذلك ربما يكون شرطاً أٍساسياً لأي عملية دبلوماسية. هذه طلبات يقف ضدها القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان الإيراني، الذي يحظر التعاون مع الوكالة وينص على أن أي رقابة لن تكون إلا بمصادقة المجلس الأعلى للأمن القومي، خلافاً للترتيبات التي وضعت في الاتفاق النووي الذي منح المراقبين الصلاحية للقيام بعملية الرقابة بشكل مفاجئ، بدون إبلاغ مسبق أو تنسيق مسبق. الخوف هو من أن كل يوم يمر بدون رقابة سيمكن إيران من البدء في إعادة ترميم المشروع النووي أو إخفاء مواد ووسائل ستخدمها بعد ذلك.

في الوقت نفسه، تتكتك ساعة رمل أمام إيران ستلزمها باتخاذ قرار في الفترة القريبة. في هذا الشهر سيكون الموعد النهائي لفتح بند إعادة فرض العقوبات الذي يلزم مجلس الأمن بإعادة فرض العقوبات الدولية التي تم رفعها عن إيران عند توقيع الاتفاق النووي الأصلي في 2015. إذا تم استكمال هذه العملية، فسيكون تفعيل البند في 18 تشرين الأول. استئناف المفاوضات بين أمريكا وإيران قد يعيق هذا الإجراء، شريطة أنه يتم تحقيق تفاهمات جوهرية خلال فترة قصيرة تمكن من التوقيع على الاتفاق.

دبلوماسي أوروبا يمثل دولة موقعة على الاتفاق النووي، قال للصحيفة هذا الأسبوع بأن “الافتراض في أوروبا أنه رغم تصريحات الرئيس ترامب لم تنجح هجمات أمريكا وإسرائيل في تدمير كل منشآت التخصيب وتدمير مخزون اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة. ورغم أن الخيار العسكري الذي شكل تهديداً قبل ذلك لردع إيران والدفع قدماً بالخطوات السياسية، تم تطبيقه الآن، والنتيجة: إذا كانت هناك حاجة إلى استخدامه مرة أخرى، فلا مناص من بلورة اتفاق صارم ومراقب بشكل جيد. نتلقى إشارات من واشنطن بأن هذا هو التوجه الذي يسعى إليه ترامب الآن. سننتظر ونرى ما الذي ستجلبه الأيام القادمة، وليس الأسابيع القادمة. هو تجنب تقدير فرصة نجاح جهود إحياء القناة السياسية.

قطر هي التي تعمل لاستئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، لكن السعودية يمكنها توفير الغلاف السياسي الذي يدعم الضمانات التي تطلبها إيران من الولايات المتحدة، وتطبيق أي اتفاق سيتم التوقيع عليه.

في هذا السياق، يجب الانتباه إلى أن السعودية تحاول إظهار الحيادية في كل ما يتعلق بالخطوات العسكرية ضد إيران. فهي تعارض أي هجوم عسكري ضد إيران، وأوضحت بأنها لن تسمح باستخدام أراضيها لهذا الهدف. عندما بدأ الهجوم، كانت السعودية أول دولة أدانته، حتى لو امتنعت عن توجيه إدانة مباشرة للولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، هي لا تسوق علناً حلف الدفاع مع الولايات المتحدة. أما قضية المشروع النووي السعودي التي وضعت على طاولة المفاوضات على اعتبار أنها مهمة جداً في عهد الرئيس بايدن، نزل من العناوين.

ربما تستنتج السعودية أن إصرار الولايات المتحدة على منع إيران من تخصيب اليورانيوم في أراضيها، فستجد صعوبة في الوقت نفسه بمنحها إذناً مشابهاً. هذه المواضيع التي كانت الشرط الأٍساسي للسعودية للتطبيع مع إسرائيل قبل الحرب في غزة، تم استبدالها منذ ذلك الحين بشرط جديد للسعودية، الذي طالب بإجراءات تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كأساس للتطبيع.

السعودية كما يبدو، “تحدث” استراتيجيتها الإقليمية وتعتمد بشدة على “حزام الأمان” الأمريكي العسكري لضمان أمنها، وستحاول وضع شبكة أمان سياسية لها، تبقى لإيران فيها مكانة “الجارة الجيدة”، التي لا يجب المس بها وبنظامها.

هذه الرؤية تستند إلى إدراك بحسبه الهجوم على إيران ربما أبعد قدرتها على إنتاج القنبلة، لكنه أبقى على حالة تهديد إيران بالمس بمضيق هرمز وحركة الملاحة في الخليج الفارسي. وهكذا وضع المصالح الاقتصادية للسعودية على لوحة الأهداف حتى لو لم تهاجم إيران السعودية بشكل مباشر.

لم تغب عن عيون السعودية أيضاً حقيقة أنه رغم جهودها أمام الإدارة الأمريكية، ها هو ترامب يفضل في النهاية موقف إسرائيل على موقف السعودية، ما أثار لدى الرياض علامات استفهام إزاء حدود تأثيرها على الإدارة الأمريكية وعلى مستقبل “المحور المناهض لإيران”، وبالأساس من سيرسم خارطة الشرق الأوسط التي يطمح إليها ترامب.

على السعودية الاستعداد ليس فقط لوقت الحرب؛ فاتفاق نووي جديد يؤدي إلى رفع العقوبات عن إيران سيزيد كمية النفط التي تستطيع إيران أن توفرها للسوق العالمية، ومنافسة السعودية على زبائن استراتيجيين. هذا بالذات في الفترة التي -حسب تقديرات موقع “انيرجي انتلجنس”- يتوقع أن يكون هناك عرض النفط أعلى من الطلب مقارنة بالوضع الذي كانت فيه سوق النفط في 2021 عندما بدأ بايدن في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.

لكبح تأثير رفع العقوبات عن إيران، على السعودية (ليس عليها وحدها) التوصل إلى اتفاق مع إيران، وعدم استبعاد إمكانية إجراء حوار الآن بين الدولتين، وأن “إظهار الحيادية” السعودية تجاه إيران نبع من هذه الاعتبارات. يبدو أنه بدون اتفاق نووي، ستكون السعودية معفية من التعامل مع عواقبه الاقتصادية، لكنها ستبقى تحت تهديد الحرب، ما قد يفرض عليها ثمناً أعلى بكثير.

تسفي برئيل

هآرتس 11/7/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب