الصحافه

نيويورك تايمز: كيف أطال نتنياهو الحرب في غزة خدمة لبقائه السياسي

نيويورك تايمز: كيف أطال نتنياهو الحرب في غزة خدمة لبقائه السياسي

 نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا موسعا أعدّه باتريك كينغزلي ورونين بيرغمان وناتان أودينهايمر، كشفوا فيه كيف أطال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمد الحرب في غزة حفاظًا على بقائه في الحكم. واستند التحقيق إلى لقاءات سرية ووقائع تجاهل معلومات استخباراتية حساسة.

وصفت الصحيفة التحقيق بأنه “القصة الداخلية” لحسابات نتنياهو السياسية بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. فبعد ستة أشهر من اندلاع الحرب في القطاع، كان نتنياهو يستعد لوقفها من خلال مفاوضات مع حماس للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد، وأبدى استعداده لقبول تسوية، فأوفد مبعوثًا لإبلاغ الوسطاء المصريين بالموقف الإسرائيلي الجديد. وفي اجتماع بوزارة الدفاع في تل أبيب، حاول نتنياهو إقناع حكومته بالخطة التي أبقاها خارج جدول الأعمال المكتوب للاجتماع، على أمل كشفها بشكل مفاجئ حتى لا يتمكن الوزراء المعارضون من تنسيق ردهم.

كان ذلك في نيسان/أبريل 2024، حين كان نتنياهو لا يزال يسعى لتعزيز موقعه السياسي. وكان المقترح يهدف إلى إنهاء الحرب لمدة ستة أسابيع على الأقل، وفتح الباب أمام مفاوضات هدنة دائمة، مع إمكانية إطلاق سراح أكثر من 30 أسيرًا لدى حماس خلال أسابيع، وإيقاف الدمار الذي يواجهه نحو مليوني فلسطيني في القطاع، إلى جانب زيادة فرص إبرام اتفاق سلام تاريخي مع السعودية، أقوى دولة في العالم العربي، التي أبدت في الكواليس استعدادها لتسريع المحادثات شرط توقف الحرب.

لكن الهدنة كانت تعني، في المقابل، خسارة نتنياهو لائتلافه اليميني المتطرف الذي يطالب باستمرار الحرب حتى احتلال غزة وإعادة الاستيطان فيها، وهدد هذا الائتلاف بإسقاط الحكومة، ما كان سيعني الذهاب إلى انتخابات جديدة لا يضمن نتنياهو نتائجها، خاصة في ظل اتهامات الفساد التي تلاحقه.

ورغم استعداده للمضي قدما، قاطع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الجلسة قائلًا: “أريدك أن تعلم أنه إذا طُرح اتفاق استسلام كهذا فلن يكون لديك حكومة. لقد انتهت الحكومة”. عندها اضطر نتنياهو للاختيار بين فرصة الهدنة وضمان بقائه السياسي، فاختار البقاء، وأكد لسموتريتش أنه “لا توجد خطة لوقف إطلاق النار”. وأثناء نقاش مجلس الوزراء، همس لمستشاريه الأمنيين: “لا تعرضوا الخطة”.

ورغم ما حققه نتنياهو من إنجاز في حرب الـ12 يوما ضد إيران لاحقا، ظل التحدي الأكبر متعلقا بالحرب على غزة التي سوّت مناطق واسعة بالأرض وأودت بحياة ما لا يقل عن 55 ألف شخص، بينهم نحو 10 آلاف طفل دون سن الحادية عشرة. وحتى لو نجحت المفاوضات في وقف الهجمات قريبا، تبقى الحرب هي الأطول في تاريخ إسرائيل، متجاوزة حروب 1948 و1973 وحتى حرب الأيام الستة عام 1967.

ومع استمرار القتال تراجع التعاطف الدولي مع إسرائيل، التي تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، بينما أدّى فشل الرئيس الأمريكي جو بايدن في إنهاء الحرب إلى انقسام الحزب الديمقراطي وساهم في إعادة دونالد ترامب إلى السلطة. أما داخليا، فقد عمّقت الحرب الاستقطاب حول مستقبل إسرائيل وديمقراطيتها وموقع نتنياهو كزعيم.

وسألت الصحيفة: “لماذا، رغم مرور ما يقارب عامين، لم تصل الحرب إلى نهاية حاسمة؟ ولماذا تجاهلت إسرائيل فرص خفض التصعيد ووسّعت طموحاتها العسكرية إلى لبنان وسوريا وصولًا إلى إيران؟”. وبينما يتهم كثير من الإسرائيليين حماس بإطالة أمد الحرب، يرى آخرون أن إسرائيل كانت قادرة على التوصل إلى صفقة مبكرة، ويتهمون نتنياهو، الذي يسيطر على الاستراتيجية العسكرية، بعرقلة هذا المسار.

ولتوضيح هذه الصورة، تحدث فريق التحقيق مع أكثر من 110 مسؤولين من إسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي، جميعهم إما عملوا مباشرة مع نتنياهو أو راقبوه عن كثب منذ بدء الحرب، إضافة إلى مراجعة عشرات الوثائق، من محاضر اجتماعات حكومية واتصالات دبلوماسية إلى خطط حربية ووثائق استخباراتية وسجلات سرية لـحماس.

وبحسب الصحيفة، فقد تضافرت كل هذه الشهادات والوثائق لتؤكد أن إطالة الحرب كانت في مصلحة نتنياهو الشخصية. ومع أن الهجوم المفاجئ في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان من المتوقع أن يقضي على مستقبله السياسي، إلا أن نتنياهو حوّل الحرب إلى وسيلة للبقاء أولًا ثم لتعزيز فرصه بالفوز بولاية جديدة حتى انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2026.

مع أن هجوم حماس المفاجئ في 7 أكتوبر كان من المتوقع أن يقضي على مستقبله السياسي، إلا أن نتنياهو حوّل الحرب إلى وسيلة للبقاء أولًا ثم لتعزيز فرصه بالفوز بولاية جديدة حتى انتخابات أكتوبر 2026

خلص التحقيق إلى ثلاثة استنتاجات رئيسية: أولًا، أن سياسات نتنياهو قبل الحرب ساعدت في تقوية حماس عبر السماح لها بالاستعداد سرا. ثانيا، أن محاولاته تقويض القضاء عمّقت الانقسامات الداخلية وأضعفت الجيش، مما جعل إسرائيل هدفا أسهل للهجوم. ثالثا، أن قرارات نتنياهو خلال الحرب كانت كثيرا ما تُملى من اعتبارات سياسية وشخصية لا من ضرورات عسكرية بحتة.

وأظهر التحقيق أن نتنياهو تجاهل توصيات قادة الجيش الذين اعتبروا استمرار الحرب غير ضروري عسكريا في عدة مراحل، خاصة في نيسان/أبريل وتموز/يوليو 2024. وعندما كان الزخم الدولي يتجه نحو التهدئة، سعى لتوسيع الأهداف العسكرية عبر الهجوم على رفح واحتلال الحدود مع مصر. وحتى حين أُبرمت هدنة في كانون الثاني/يناير، انتهكها جزئيا في آذار/مارس لحماية ائتلافه من التفكك.

كانت كلفة هذا التمديد ثقيلة: مئات القتلى أسبوعيا من الفلسطينيين، وفاة أسرى إضافيين لدى حماس، تعميق الانقسام الداخلي في إسرائيل بين من يطالب بصفقة تبادل وبين من يريد استمرار الحرب حتى إنهاء حماس. كما أسهمت الحرب المطولة في عرقلة الصفقة مع السعودية، وشوهت صورة إسرائيل عالميًا، وأفضت إلى مطالبات في المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو.

لكن في المقابل، جنى نتنياهو مكاسب سياسية مباشرة، إذ أحكم قبضته على الدولة الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى خلال 18 عاما من توليه رئاسة الوزراء. ونجح في تجنب تحقيق حكومي في مسؤوليته عن الهجوم، مفضلًا تأجيله حتى “انتهاء الحرب”، بينما أقال أو دفع لاستقالة كبار المسؤولين الأمنيين.

وبينما يمثل أمام المحكمة ثلاث مرات أسبوعيا بتهم فساد، تسعى حكومته لإقالة النائب العام الذي يشرف على محاكمته. وفي الوقت نفسه، منحته الحرب الوقت للتحضير لهجوم على إيران وتنفيذه، وهو ما اعتبره مستشاروه إنجازا يعزز فرصه بالفوز مجددا.

يرى المقربون من نتنياهو، مثل الاستراتيجي سروليك إينهورن، أنه “حقق عودة سياسية لم يكن يتوقعها أحد، حتى داخل دائرته الضيقة”. وقد أعادت إدارته للحرب على غزة والهجوم على إيران رسم المشهد السياسي لصالحه، وجعلته في موقع قوي قبل أي انتخابات قادمة.

يرى المقربون من نتنياهو أنه “حقق عودة سياسية لم يكن يتوقعها أحد، حتى داخل دائرته الضيقة”. وقد أعادت إدارته للحرب على غزة والهجوم على إيران رسم المشهد السياسي لصالحه، وجعلته في موقع قوي قبل أي انتخابات قادمة

وأوردت الصحيفة تفاصيل إضافية عن تحذيرات أمنية سبقت الهجوم بشهور، تجاهلها نتنياهو، منها تقارير قدمها قائد الجيش هرتسي هاليفي ووزير الدفاع، لم تجد اهتمامًا كافيًا منه. وتشير الصحيفة إلى أن نتنياهو تلقى أول إنذار عن الهجوم في الساعة 6:29 صباح 7 تشرين الأول/أكتوبر بمكالمة واتساب من كبير مستشاريه العسكريين، ليبدأ بعدها رسم مسار البقاء السياسي من قلب أخطر أزمة أمنية.

وحتى خلال اللحظات الحرجة في الأيام الأولى، عندما تصدى الجيش للهجوم وبدأ غزو غزة، كان نتنياهو يسعى في الكواليس لتأمين دعم من المعارضة وتهدئة إدارة بايدن، مع الحفاظ على تحالفه مع أقصى اليمين. وقد تجلى هذا التوازن الصعب ليلة 17 تشرين الأول/أكتوبر حين وجد نفسه عاجزًا عن الاختيار بين مطالب وفد أمريكي تحت الأرض في تل أبيب وضغوط وزراء حكومته في غرفة مجاورة.

– “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب