فيديو | لقاء مع د. عزمي بشارة || مفاوضات غزة والتطبيع بزمن الإبادة وما بعد العدوان على إيران

فيديو | لقاء مع د. عزمي بشارة || مفاوضات غزة والتطبيع بزمن الإبادة وما بعد العدوان على إيران
أوضح د. بشارة أنّ وقف إطلاق النار، لا يعني بالضّرورة وقف الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، و”لبنان مثال على ذلك”. ووفقه، فقد بدأ الجيش الإسرائيليّ، يدرك أنه “لا يمكن تحقيق المزيد”، من خلال استمرار الحرب على غزة.
قال المدير العام لـ”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، د. عزمي بشارة، في لقاء خاصّ أُجري معه عبر شاشة “التلفزيون العربيّ”، بوقت متأخر من مساء الإثنين، إن القضية الرئيسية بالمفاوضات بشأن غزة، هي مسألة الانسحاب الإسرائيليّ من القطاع، مشدّدا على أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بات يدرك أن إسرائيل ذاهبة لانتخابات مبكّرة، ويريد خوضها بشعبيّة مرتفعة. وفي إطار منفصل، استبعد أن يوقع النظام الجديد في سورية، اتفاق سلام مع إسرائيل، من دون استعادة الجولان.
وتحدّث بشارة خلال اللقاء، عن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وما بعد الهُدنة المُحتملة التي قد يتم التوصّل إليها بين إسرائيل وحركة حماس؛ كما تطرّق د. بشارة، إلى التطبيع في زمن الإبادة في ظلّ استمرار المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، وتوقّف عند السؤال بشأن؛ “ما الذي تغيّر بعد العدوان الإسرائيليّ على إيران؟”.
وخصّص بشارة حيّزا واسعا من الحوار، لانتقاد “موضة”، استبعد أن تكون بريئة، يروّجها بعض العرب للتطبيع مع إسرائيل، معتبرا أنه يجب التفكير حاليا بكيفية معاقبة إسرائيل، لا مكافأتها عبر التطبيع معها، مذكّرا بأن التطبيع مع إسرائيل لم يحل مشاكل الدول المطبّعة.
وأوضح بشارة أنّ وقف إطلاق النار، لا يعني بالضّرورة وقف الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، و”لبنان مثال على ذلك”. ووفقه، فقد بدأ الجيش الإسرائيليّ، يدرك أنه “لا يمكن تحقيق المزيد”، من خلال استمرار الحرب على غزة.
وفي ما يتعلّق بالعدوان الإسرائيلي على إيران، ذكر بشارة أن إسرائيل “وجّهت ضربة مُوجعة لإيران، وأظهرت أنها نجحت في اختراقها”، مشدّدا على أن “القيادة الإيرانية، مام تحديات كُبرى في مواجهة الاختراق الإسرائيليّ، وإعادة البناء”.
وقال إن “هناك في المشرق العربيّ من يقبل التحالف مع عدوٍّ للدولة، في إطار الصراع السياسيّ مع النظام الحاكم”. ورأى بشارة أن “منطق القوّة الإسرائيليّ، إذا لم يجد من يتصدّى له إقليميا، فسيلقى قبولا دوليًّا”.
وفي حين أشار مدير المركز العربيّ إلى أن “التطبيع الذي يجري التحدّث عنه الآن، لا مقابل له، ولا يضمن استعادة الأراضي المحتلّة”، شدّد على أن “الإصرار على الحقوق الوطنيّة، لا يعيق التقدّم الاقتصادي والاجتماعي في أيّ دولة”.
غزة
وذكر بشارة أنه يمكن أن يحصل تحول في الموقف الإسرائيلي من خريطة انسحاب جيش الاحتلال من غزة في اليومين المقبلين، “لأن الأجواء الدولية والإسرائيلية تتجه نحو وجوب حصول اتفاق، ولأن المقاومة قدمت أقصى ما يمكنها تقديمه من تنازلات، فإن الكرة باتت في الملعب الإسرائيلي، لذلك ترى نتنياهو حاليا في حالة توتر سياسي”.
وتتطرّق إلى بعض ملامح الاتفاق المحتمل الذي يؤخره إصرار تل أبيب على تقليص المساحات التي سينسحب منها الجيش في غزة، وكشف أنه يمكن الاتفاق على تخلي الاحتلال عن “مصائد الموت” التابعة لـ”مؤسسة غزة الإنسانية” الشريكة في قتل الفلسطينيين بحسب شهادات دولية وأممية، لتتولى مؤسسات الأمم المتحدة (منظمة الغذاء العالمي، فاو، خصوصا) التوزيع مع بقاء مركزين فقط في المناطق التي سيبقي الجيش الإسرائيلي سيطرته عليها خلال هدنة الستين يوما.
وفي ما يخصّ التعنت الإسرائيلي في مسألة الانسحاب وإعادة الانتشار، ذكّر بشارة بأن الإسرائيليين استحدثوا غلافا داخل غزة، وأقحموا بناء معسكر الاعتقال الذي يسمونه “المدينة الإنسانية” في رفح، تمهيدا لمنع إعادة الإعمار، ومواصلة الحصار، وبدء تهجير الغزيين إلى خارج القطاع، أو على الأقل لتقليص عدد الفلسطينيين في غزة، إن لم يحصل ترانسفير كامل.
ورأى بشارة أنّ ما قد يذلّل العقبات هو تغير في الموقف الإسرائيلي، ناتج إما عن توقع أميركي أو عن وضع داخلي إسرائيلي، أو عن إدراك نتنياهو أن الانتخابات المبكرة في إسرائيل حتمية، لأنهم لم يتفقوا على قانون تجنيد الحريديين ولا على قانون الميزانية، لذلك ربما لا يمانع في حل الكنيست لأنه يريد خوض الانتخابات وهو في أحسن أحواله شعبيا.
وحذّر مدير المركز العربي من أن أي وقف لإطلاق النار، لا يعني أن إسرائيل ستوقف ضرباتها، وهذا ما يعتقد الإسرائيليون أنه سيدفع الغزيين جنوبا، ورجح أن تواصل تل أبيب قصفها حتى لو توقفت الحرب “كما تفعل في لبنان حاليا، ولدي انطباع بأن هذا نمط عسكري جديد يقوم على حرية القصف خلال وقف إطلاق النار”.
وأشار إلى أنه لا ضمانات بوقف الحرب، إنما “الضمان الوحيد أن هناك أجواء إقليمية ودولية وإسرائيلية بوقف الحرب لأن أهدافها انتهت” حسب ما بات الجيش الإسرائيلي نفسه مقتنعا به أيضا، بما أنه لم يعد هناك شيئ تقريبا لقصفه في غزة.
وبحسب بشارة، فإنه في حال أُبرمت هدنة الستين يوما بالفعل وتوقفت الحرب، “فقد يبقى حصار غزة مستمرا، والمعركة الأساسية للأيام القادمة ربما تكون منع إعادة الإعمار والحصار واستمرار العمليات العسكرية”.
العدوان على إيران وما بعده
ولفت بشارة في معرض ردّه على سؤال عن المكاسب الأساسية التي حققتها إسرائيل من ضرب إيران إلى أن الأهداف كانت قد تحققت قبل ضرب إيران، تحديدا عبر تحييد حزب الله، وقصف سورية، واستغلال انهيار النظام السابق، لضرب القوة العسكرية لهذا البلد، وكذلك ضرب حماس، مضيفا أن قصف إيران أمنية لدى نتنياهو منذ 20 عاما، ظل يردد خلالها أكاذيبه عن تمكن إيران من إنتاج سلاح نووي في غضون أسبوعين.
وذكر مدير “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” أن “الردع الإيراني ضُرب بالفعل”، مضيفا أن ضربة إيران كانت موجعة وقوامها التفوق التكنولوجي الأميركي ــ الإسرائيلي، ودرجة الاختراق الإسرائيلي الهائل لإيران، الذي ربما يكون قد فاجأ المسؤولين الإيرانيين أنفسهم؛ اختراق مماثل ظهر في لبنان وسورية والعراق، “وهذه مشكلة في المجتمعات العربية التي يسهل اختراقها على عكس إسرائيل، لأن هناك إجماعا على الدولة وعلى الأمن القومي للبلد”.
وتوقّع بشارة أن تكون لدى الإيرانيين تحديات كبرى في محاربة الاختراق وفي التحدي التكنولوجي، متسائلا عما إذا كانوا قادرين على التطور تكنولوجيا من دون رفع العقوبات، أو يتجهون شرقا تماما نحو روسيا والصين.
واستبعد المفكر العربي أن يكون المشروع النووي الإيراني قد انتهى بفعل الضربة. وقال إن الإنجاز الأساسي هو تمكُّن نتنياهو من التبجح بأنه غيّر المنطقة جيوسياسيا، وهي برأيه رسالة موجهة للعالم وللإقليم، مفادها أن الإسرائيلي بات شرطي المنطقة، وأن إسرائيل لا أميركا هي من تحمي البلدان العربية من إيران.
وتوقّع بشارة أن يشكل وضع كهذا، معضلة للزعماء العرب، لناحية احتمالات قبولهم بأن يكون الإسرائيلي حاكم المنطقة، معربا عن أمله أن يؤدي ذلك إلى رد فعل معاكس عربيا على قاعدة أن إيران لم تعد عدوا، ولا تهديدا.
تناغم بين نتنياهو وترامب
وفي السياق، عرّج بشارة على علاقة التناغم بين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو الثنائي الذي سبق له أن وصفه في مقابلات سابقة بأنه “قاتل”.
وسخر من كيف أن زعماء العالم يتعلمون سريعا كيفية التعامل مع هذه الظاهرة (ترامب) وهو “تركيبة نادرة جدا في التاريخ من الجهل والنرجسية معا”.
أما نتنياهو، الخبير بالألاعيب والمناورات على حد تعبير بشارة، فقد “تعلم بسرعة أيضا كيفية التعامل مع ترامب”، متوقفا عند مشهد سمّاه عبثيا كأن يرشح “مجرم حرب رئيس دولة لا علاقة له بالسلام، ولا الإنسانية لنيل جائزة نوبل للسلام”، في حين تُفرض عقوبات على مسوؤلة أممية مثل فرانشيسكا ألبانيزي وعلى المحكمة الجنائية الدولية.
وشدّد على أن ترامب الذي لا يتعامل إلا مع زعماء أقوياء، قد يدعم نتنياهو في ضم مناطق سورية وفي الضفة الغربية.
“موضة” التطبيع
وفي ما يتعلق بموجة التطبيع العربي مع إسرائيل، شدّد بشارة على أن النقاش في هذه المرحلة، يجب أن يدور حول كيف معاقبة إسرائيل وهل نستطيع معاقبتها، وكيف نوقف الإبادة، وليس هل نكافئ إسرائيل عبر التطبيع معها؟
ولفت بشارة إلى أن هذه المعادلة، تعتبر غير مقبولة حتى بالنسبة لمن يؤيدون السلام مع إسرائيل، لأن هناك شروطا للتطبيع (في إشارة إلى مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002)، بينما العرب الذين يريدون التطبيع اليوم، إنما يريدونه من دون تلبية الشروط، أي الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة في الضفة والجولان.
وتخوّف من أن هذه الموضة “يصعب أن تكون طبيعية وبريئة”.
وذكّر بشارة بأن التطبيع لا يحلّ مشاكل الدول المطبّعة، بدليل أن مشاكل المصريين الاقتصادية تفاقمت رغم التطبيع مع إسرائيل، كذلك الحال مع الأردن، ذلك أن “التطبيع لا يحل أي مشاكل” على عكس ما تروّجه أوساط من أوهام وأساطير مع إرهاب معنوي وحرب نفسية على وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن نواجهها برأي بشارة.
وفي إطار إسهابه بشأن التطبيع، بدا بشارة واثقاً من أن النظام السوري الحالي “لا يستطيع توقيع اتفاق مع إسرائيل من دون الجولان”.
تفكيك الأمة الوطنية من العراق إلى سورية
وفي المحور الأخير من الحوار الخاص لتلفزيون “العربي” مع الدكتور عزمي بشارة الذي تمحور حول الطائفية وتفكك مجتمعات ودول عربية على أسس طائفية، رأى مؤلف “الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة” أن تفكيك الأمة الوطنية حصل في العراق “وأخشى أنه يحصل في سورية”.
ولاحظ أن وحدة الأمة الوطنية، أي مجموع المواطنين، حين تفككها إلى طوائف، تبدأ الطائفية بإعادة إنتاج نفسها.
ووفق رأي بشارة، فإن إقامة الدولة اللاطائفية هي الكفيل بتغيير المجتمعات وإرساء ثقافة مواطنة ديمقراطية، وإلا فإنّ الدولة، بدل أن تبني أمة من مواطنين، تنشئ في أفضل الحالات تعايشا بين طوائف، وهذا يضرب كل مؤسسات الدولة، فلا يعود التقييم يحصل على أساس الكفاءة ولا القانون يُطبق بالتساوي بين المواطنين.