ثقافة وفنون

رسومات وليد رشيد… الشكل الفني وإثارة الإدراك الحسي

رسومات وليد رشيد… الشكل الفني وإثارة الإدراك الحسي

خضير الزيدي

يضع الفنان وليد رشيد في حساباته الجمالية، وحدة منطق الشكل وما تثيره مستويات النسق والتعبير داخل العمل الفني. ويحرص على الإتيان بطاقة بصرية تستثمر العلاقة بين الخطوط والألوان، وتداخل شعرية التخاطب مع مظاهر الإرادة الداخلية لذاكرته ووجدانه، في طريقة إنتاج لوحاته، فما الغاية من كل هذا الهوس وهل فعلا سينتج لنا عملا تجريديا قابلا للتعبير والوصف الجمالي، مثلما هو قابل للتأويل.
لنتأمل هذه الأعمال كيف يتم فيها استحضار نزعة الشكل المتفرد، وكيف تبدو وظيفة التعبير بعيدة عن البهرجة والغموض، بينما نجد الخطوط والكتل اللونية تسارع لاتخاذ إيقاع متوازن في محاولة طرح عمل متكامل (من حيث المهارة وطريقة التكوين) التي تبدو في حقيقة وجوده الشكلي متصورا ومتخيلا، لكن عند الاقتراب منه يتميز بوحدة موضوع أقرب للصفاء الروحي في الطرح (الصوفي).


يبهرنا وليد رشيد في طريقة الرسم التجريدي مع مجموعة تخطيطات لا تتنصل عن انتمائها، لإبداء خطاب منفرد بصريا، مثلما أدهشنا في إنجاز متوالية أعمال خزفية لها غرابة واختلاف في العمل الفني، وبما أننا إزاء رسومات لا تؤجل الاهتمام بها كونها لم تنطو على تحديد محاولات الطرح، إلا أننا نجد من الضروري التذكير بها لقيمة شأنها، شكليا وتعبيريا. فإذا كان الفنان يخفي علينا قسما من طاقته في إنتاج لوحات تجريدية مفعمة بالألوان، بينما يرشدنا إلى طاقاته الإبداعية في الخزف، فإن من أولويات دهشتنا أننا نقف أمام تداخل المفاهيم، أو بيان تمايزها مع كونها تمثل انفصالا بين الاثنين، الخزف والرسم. وهنا سيتحول التمايز في يوم ما إلى حزمة اشتغال علينا معرفة اعتماد تنوعه ومرجعياته، فهل يتبين على أساس التلاعب بالشكل التجريدي، كونه في طور تأسيس فرادة مختلفة؟ أم هو مشروع يلتحق بالخزفيات ليوسع من قاعدة الابتكار، فيما يناسب الشكل ورسالته التعبيرية.
ما الحاجة لمسوغات التمرد في الشكل الفني؟
حينما نتابع الشكل في لوحات وليد رشيد، سيأخذنا إلى أمرين، الأول يتعلق بالفكرة ومرجعية منظومتها الثقافية، والثاني بترابط العلاقة الرمزية بين أجزاء العمل الفني. وبما أن كل عمل لا يخلو من العاطفة الجمالية فإن أكثر ما يلفتنا في اشتغالاته هو كيفية تلقي ذلك التعبير العفوي في طاقته وهو يرسم، وحتى نشير إلى ذلك التعبير سنتوقف عند طروحات سوزان لانجر، التي ترى أن الصورة الفنية، إنما هي ديناميكية كونها حية، ولأنها كذلك فهي مبدأ متوفر في جميع الفنون الإنسانية، وإذا أردنا الإشارة إلى صورة العمل رمزيا، فسيكون من المفيد التذكير بما تتركه من إدراك، أو حدس استدلالي. أعمال هذا الفنان لم تتجرد من الرمز، فهي تعطي قدرا من عدة خيارات لعل أقربها للمتلقي ما تبديه من انفعالات وميل إلى لذة حسية قابلة للتفسير، ووفقا لهذه الرؤية سيكون التمرد في العمل الفني مؤاتيا لاشتراطات شكلية ونفسية، فهل يتوافق هذا مع التمتع بالأشكال المجردة، كما في تخطيطاته التي أنجزها عبر قصائد لشعراء عرب؟ أم هي مرجع مختلف ينأى بنفسه عن الرسومات والخزفيات؟ أعتقد أن تعامل وليد رشيد مع الرسم، جاء نتاجا لحدس تلقائي حدس من نوع يفرق بين التعبير بالوعي والتعبير، جراء العاطفة فهناك خياران (عقلي) مكون لغاية بصرية ملتزمة بمعايير ما يخضع له الفن، و(عاطفي) يتنافر مع كل ما هو معتمد على الغموض والاجترار الشكلي، وهذا التناقض في معرفة حقيقة الشكل يولّد لدى المتلقي تساؤلات عدة مثل، ما الذي يدور في ذهن الفنان وهو يمارس العمل التجريدي؟ ما القوة التي تتعارض مع تنظيمه لعمل اللوحة ليكون منفصلا عن فن الخزف؟ هل هناك استثمار لطاقة روحية تتصف بالنبل وهي تقدم أعمالا مختلفة عن ذهنية المتلقي؟ هذه الأسئلة وغيرها تعيدنا إلى مفهوم اللاشكلي في اللوحة وكيف نتأمله.. طبعا لا يخفى على الفنان مدى اهتمامه بتنظيم الرموز، سواء جاءت عبر علامات معللة، أو غرض طبيعي منفرد، فالغرض من الرسم في الأخير رسالة جمالية، وإن مثلت حقائق مغيبة عن الذاكرة أو متخيلة جراء نظامها الإشاري. المهم هناك رسومات قابلة للتأويل منفتحة على تعدد القراءات السيميائية، وتتمتع بوحدة موضوع أفرده (الشكل) بكل ما تمثله الخطوط وغرابة التلوين من وصف لأحاسيس موجودة في السطح التصويري.

 
كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب