ثقافة وفنون

كمال داود يرد: لست مطاردًا دوليًا بل طُردت من بلدي

كمال داود يرد: لست مطاردًا دوليًا بل طُردت من بلدي

ورد في صحيفة «القدس العربي»، بتاريخ السبت 12 يونيو/حزيران الماضي، مقالٌ انطوى على سوء فهم ومغالطات. وبودّي أن أوضّح بعض النّقاط التي وردت في المقال، ومن أجل تنوير الرّأي العامّ كذلك. فأنا لم أكن يوما محلّ مُذكرة توقيف دولية، صادرة عن الإنتربول، في مناسبتين، كما ورد في المقال، بل إنّ منظمة الشّرطة الجنائية الدّولية (أنتربول) رفضت الطلبين اللذين تقدّمت بهما الجزائر، والسّبب يعود إلى أن الملفات المُرسلة احتوت على وثائق مزوّرة، بشكل فاضح، وكان طابعها سياسيا بامتياز، مما حتّم على أنتربول عدم قبول الطّلبين.
من المتعارف عليه أن الأشخاص المقربين من نظام عبد المجيد تبون، وكذلك الحال بخصوص وسائل الإعلام التي تسير في فلكهم، بالإضافة إلى الجماعات الإسلامية والمتطرّفة، أنّهم لا يكفّون عن انتقادي وتشويه سمعتي، في كلّ مناسبة أو غير مناسبة. لكن هذه الانتقادات التي أتعرّض إليها لا تعبّر عن الجزائر، ولا تمثّل البلد في مجمله، وهي انتقادات لا تعكس رأي النقاد الحقيقيين لها. لأن أهل البلاد يدركون حجم الظّلم، ويعرفون من يُنير دربهم. أما الانتقادات الآتية من الإسلاميين، أو جماعات مقرّبة منهم، فهي جزء من مشروع أوسع هدفه إقصاء أي قيّادة مستقلة لا تنتمي إليهم وإلى حلفائهم. هكذا يمارسون «إرهابا إعلاميا» حقيقيا، يستهدف كلّ من يُعارض مشروعاتهم، وهذا الأمر يدفع الكثيرين إلى المنفى، أو إلى الصمت. أنا شخصيا طُردت من بلدي في هذا السياق، أنا ممنوع من العودة إلى بلدي، مُنعت من زيارة أمّي، مُنعت من دفن أمّي، التي توفيت يوم الجمعة الماضي.
فيما يخصّ القضية الفلسطينية، كنت دائما أؤكّد أنّها قضية تحرّر من الاستعمار، ولا أعتبرها قضية عنصرية أو طائفية، وبالتأكيد ليست قضية «إسلامية» فحسب. النضال هنا من أجل دولة فلسطينية توفّر الحقّ في الحياة للفلسطينيين، لا من أجل إبادة يهود، أو مجرد «تحرير» القدس أو تسريع نهاية العالم. لقد كنت دائما أعارض مشروع الإسلاميين، مهما كان اسمهم، لأنهم لا يؤمنون بالحرية إلا لأنفسهم. اليوم، هناك إسرائيليون رهائن، وآلاف الفلسطينيين يموتون، وأول المستفيدين سياسيا وانتخابيا هم الإسلاميون. هدفهم هو السلطة، وليس فلسطين. دافعهم هو كراهية اليهود، وليس ديمقراطية الدولة الفلسطينية. لم نرهم يتأثرون يوما من أجل السودان، أو سوريا، أو العراق، أو من أجل المهاجرين الذين يموتون في الصحراء، كما يفعلون من أجل جدران مسجد في القدس.
في كتاباتي، أسخر من أولئك «الذين يُحرّون فلسطين في مخيّلتهم فحسب»، من طنجة إلى جاكرتا، يدعون إلى الحرب من منازلهم، ويؤججون الكراهية، ثم ينامون في سلام، فبينما يعاني أهل غزة، هناك من يمكثون في فنادق خمسة نجوم.  أنا ذلك القروي الذي يتوجّس ممن يدافعون عن الآخرين، من أجل أن يموتوا، كي يعيش هؤلاء المدافعون عنهم في هناء مستأنسين بأفكارهم. أقولها بوضوح: لليهود والإسرائيليين الحق في الأرض، الدولة والأمن، وكذلك للفلسطينيين: الأرض، الأمن والدولة. كفى نفاقا: نحن لا نحب الفلسطينيين حقا، نحن فقط نحب كراهية اليهود. الفلسطيني يحتاج إلى تأشيرة للانتقال من بلد عربي إلى آخر؛ من النّادر أن يحوز الجنسية أو تُعطى له الأولوية في تلك البلدان. كلنا نعرف هذا الواقع. نحن نحتقرهم في حياتهم، ونرفع صورهم عندما يموتون.
إن المقال الذي ورد في صحيفة «القدس العربي»، بتاريخ السبت 12 يونيو الماضي، يتّهمني أيضا ـ كالعادة في محاكمات أيديولوجية ـ بالدّفاع عن مراجعة تاريخ الاستعمار في الجزائر. مع من؟ أين؟ وكيف؟ أنا أعارض تقديس الماضي، عندما يكون ذلك على حساب الحاضر. كما أُعارض حزب جبهة التحرير الوطني، سواءً كان الحزب الواحد أو غيره، أدعو إلى جبهة ضد جبهة التحرير لتحقيق تحرّر وطني حقيقي. أختار أن أضع الأولوية للأطفال لا للأجداد؛ أن أُشيّد الطرق لا أن أقضي وقتي في مجادلة الذّاكرة. العروبة ملكي أنا، لستُ ملكًا للعروبة: هي ثقافة، لا جنسيّة.
بخصوص فرنسا، فإنّها تسكن عقول بعض الجزائريين: يحتاجونها كمشروع أو كعدو ليُعيدوا سرد حرب تحرير لم يعيشوها ويريدون تكرارها. وأنا أكرّر: أي بلد يصرف وقته للحديث عن مستعمِرِه القديم، ليس بلدا مستقلا بل هو بلدٌ تابع. فرنسا مشكلة داخلية في الجزائر: عندما نستطيع الحديث عنها بهدوء ورَويّة، سننفتح بحقّ على العالم والمستقبل. انظروا إلى فيتنام وكوريا الجنوبية وغيرهما.
نعم، أنا أحبّ الغرب وحضارته، وسأغيّر من خطابي يوم يغيّر اللاجئون العرب بوصلتهم ويصبح العالم العربي مقصدهم بدلاً من الغرب. كما أعارض استخدام الذاكرة أداةً للامتيازات أو لتحنيط بلدٍ كامل في الماضي، وكأننا نعيش عهدا إقطاعيا غير منته. أكثر مما يضر الغرب بالعالم العربي، فإن هذا الأخير هو ضحية ثقافة رثّة. أنا كاتب، وفي الجزائر، لم أظلم أحدا، على عكس الإسلاميين الذين يمارسون تجارتهم اليوم بحرية في المدن الجزائرية. لا أحد يُسيء إليهم أو ينتقدهم، بينما الكاتب الجزائري وحده يُهان ويُطعن ويُتهم بالخيانة، خاصة إذا كان خصمه «أمياً متعلما». من السهل أن تفرغ حنقك على الكاتب حين يذلّك النظام: فهذا يخفّف عنك من دون خوف من السجن أو الموت؛ لأن الكاتب لا يملك سلاحًا ولا رتبة ولا بدلة ولا سكينا. لذلك نعم، سيزداد عدد قاتلينا، مثلما ازداد عدد ضحايانا في جزائر التسعينيات، تحت عنف الجماعات المتطرّفة. وسينقص عدد كتّابنا. أليس هذا هو الحال العربي؟

كاتب جزائري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب