مقالات

 السياسة الإسرائيلية العارية: حماية طائفية في السويداء، وابادة جماعية في غزة. بقلم مروان سلطان – فلسطين

بقلم مروان سلطان – فلسطين

 السياسة الإسرائيلية العارية: حماية طائفية في السويداء، وابادة جماعية في غزة.

بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

18.7.2025

———————————————

تسعى إسرائيل اليوم، من خلال تداخلاتها، إلى فرض وجودها في أي معادلة إقليمية بحيث لا يمكن تجاوزها. هذا التداخل يستخدم لتقوية حضورها السياسي والعسكري، ويعمق الانقسامات العربية الداخلية تحت عناوين مختلفة، من حجج “الدفاع عن النفس” إلى “الدوافع الإنسانية”.

الاندفاع الإنساني والاصطفاف الطائفي في جنوب سوريا يأتي تحت غطاء “المسؤولية الأخلاقية”، بينما في المقابل، في غزة، ترتكب إسرائيل المجازر يوميا، وتستهدف المدنيين، الأطفال، النساء، المستشفيات، المدارس، الجامعات، وأماكن الإيواء، تحت حجج “مكافحة الإرهاب”، دون أدنى اعتبار لأي بعد إنساني أو قانوني.

اندفاع إسرائيل السريع المفضوح جاء تلبية لنداء الدروز في جنوب سوريا، وضرب الجيش السوري الذي حضر إلى السويداء لفرض الأمن ووقف الاقتتال الداخلي الدائر بين الدروز وعشائر بدوية، يكشف نفاق الموقف الإسرائيلي. فهي تدّعي التدخل لحماية الطائفة الدرزية ومنع المجازر، بينما على الجانب الآخر، في غزة، ترتكب الإبادة وجرائم الحرب، وتفرض المجاعة والعطش، وتمنع دخول الدواء والعلاج.

الجيش الإسرائيلي في غزة، هو نفسه في الجولان، الذي هبّ لنجدة الدروز حسب زعمه، وهو ذاته الذي يرتكب المجازر منذ أكثر من عام في غزة. وهنا يطرح التساؤل نفسه: هل تفجرت لدى الجيش الإسرائيلي ينابيع الرحمة فجأة تجاه الدروز، وجفت بالكامل في غزة؟

هذا الموقف يكشف جوهر التناقضات في السياسة الإسرائيلية، ويعري أوجه الانتهازية والتوظيف السياسي للقضايا الطائفية والإقليمية. فهو تحرك سياسي وعسكري محسوب، يخدم أهدافا استراتيجية، لا إنسانية كما تزعم إسرائيل.

قد يظن المراقب العادي للمشهد أن هناك بعدا إنسانيا في تدخل إسرائيل لحماية الدروز، لكن من يتعمق في المشهد يدرك أن إسرائيل لا تهتم للدروز من أجلهم، ولا لغيرهم من الطوائف، بل تسعى لجذب الأقليات وشراء ولاءاتها عبر تقديم خدمات وامتيازات محسوبة.

ومع اندلاع الأزمة في السويداء، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل “ملتزمة بمنع إلحاق الأذى بالدروز في سوريا، انطلاقًا من التحالف الأخوي العميق مع مواطنينا الدروز في إسرائيل، وروابطهم العائلية والتاريخية معهم”. وهذه رسالة واضحة للدروز في فلسطين، الذين يخدم بعضهم في الجيش الإسرائيلي، بأن إسرائيل “تحمي من يواليها”، سواء كانوا دروزًا أو غيرهم.

السويداء هي محافظة سورية في الجنوب، على الحدود الشمالية  مع فلسطين التاريخية، يقطنها الدروز، وهم طائفة موزعة بين الجولان وفلسطين والجنوب السوري. تعاملت إسرائيل معهم كأقلية منذ النكبة، وعززت مكانتهم، حيث تبوأوا مواقع في الجيش، خصوصًا في وحدات “حرس الحدود”، نتيجة الولاء الذي أظهروه لإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948.

التشابه بين غزة والسويداء يكمن في أن إسرائيل تسعى لفرض هيمنتها على الإقليمين، وإن اختلفت الوسائل. فهي تخوض حربا على غزة لتأمين حدودها وخلق ظروف جديدة في إطار “الشرق الأوسط الجديد”، وتتدخل في السويداء تحت غطاء إنساني، لكنه في الحقيقة جزء من مشروع تطويع سوريا، عبر خلق بلبلة في الجنوب. ويبدو أن العلاقة مع بعض أبناء الطائفة الدرزية شكلت لإسرائيل فرصة استثنائية لتوسيع نفوذها.

إسرائيل توظف هذه التحركات لفرض السيطرة والهيمنة، وخلق كيانات منفصلة عن النسيج المجتمعي، تمامًا كما أنشأت روابط القرى في الضفة الغربية، وجيش لحد في جنوب لبنان. الهدف واحد: التمزيق والسيطرة.

الموقف الإسرائيلي المفضوح ليس أخلاقيًا ولا إنسانيًا، بل قائم على حسابات أمنية واستراتيجية بحتة. ويكشف هذا التناقض الفاضح بين السويداء وغزة عن العقلية الاستعمارية الإسرائيلية التي تصنّف الضحايا: من كان “مناسبًا” سياسيًا يُستثمر ويُدعم، ومن كان “عدوًا وجوديًا” كالفلسطينيين، يُباد دون تردد أو رحمة. اسرائيل لا تحركها القيم وانما المصالح التي تستفيد منها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب