الصحافه

هآرتس: إسرائيل إزاء سوريا.. بين الرغبة في توسيع “حدود الدولة” ومصالح أمريكا الاستراتيجية

 هآرتس: إسرائيل إزاء سوريا.. بين الرغبة في توسيع “حدود الدولة” ومصالح أمريكا الاستراتيجية

وقف آخر لإطلاق النار، الثالث في غضون أسبوع، دخل أمس حيز التنفيذ بين الدروز والعشائر البدوية وبينها وبين النظام السوري برئاسة أحمد الشرع. خلافاً لاتفاقات وقف إطلاق النار السابقة، قد يكون لهذا الاتفاق هذه المرة احتمالية أكبر للصمود، لأن قيادة الدروز اتخذت موقفاً موحداً يشمل الزعيم الروحي حكمت الهجري، الذي عارض حتى الآن أي وقف لإطلاق النار أو التعاون مع النظام السوري. قيادة العشائر البدوية، المفهوم الغامض الذي لا يوضح من هي هذه القبائل ومن يمثلها، انضمت إلى وقف إطلاق النار وأعلنت التمسك بمبادئه. ولكنها أوضحت بأن تسليم سلاحها مشروط بخطوة مشابهة من جانب الدروز.

تصريحات زعماء الطرفين المتخاصمين التي بدت متصالحة تعد خطوة مهمة لتهدئة النفوس. ولكن الدماء ما زالت تغلي، ونتائج المواجهات ستنمي حالة الانتقام. المعارك ما زالت مستمرة في المنطقة في هذه الأثناء. فحسب المركز السوري لحقوق الإنسان، قتل 718 شخصاً منذ بداية المعارك، بينهم 226 من سكان محافظة السويداء، 80 مدنياً و305 شخصاً من قوات الأمن السورية، و18 من أبناء العشائر البدوية. ولحقت أضرار كبيرة بالممتلكات والبنى التحتية مثل منشآت تزويد المياه والكهرباء التي خرجت عن الخدمة. في خطابه الخميس، تعهد الشرع بإجراء تحقيق مع ومحاكمة كل من خرق القانون “مهما كانت طائفته”.

لكن المواطنين في سوريا جربوا وعوداً كهذه، التي تبين أنها وعود فارغة. المذبحة ضد أبناء الطائفة العلوية والمس بكنيسة مار الياس في دمشق في حزيران التي قتل فيها 25 شخصاً، مثال على ذلك. الآن بقي الانتظار ورؤية كيف سيتم تطبيق وقف إطلاق النار بين الدروز والبدو، وكيف سيستخدم الشرع الصلاحيات التي أعطاها لقواته للحفاظ على الأمن في هذه المنطقة القابلة للاشتعال. كل ذلك في موازاة محاولته تنسيق انتشار القوات وسلوكها إزاء قيادة الدروز.

الخطوة التي أحدثت الانعطافة هي وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا، الذي تم التوصل إليه بضغط أمريكي، بعد مهاجمة الجيش الإسرائيلي مباني للنظام، من بينها مبنى هيئة الأركان السورية وأهداف قرب القصر الرئاسي. كان الخوف الفوري والمبرر أن تتطور المواجهة الطائفية، التي حدث العشرات مثلها في تاريخ محافظة السويداء، إلى حرب شاملة بين إسرائيل ونظام الشرع في موازاة اندلاع حرب أهلية تخرج عن السيطرة. هذا التطور هو الأمر الأخير الذي تحتاجه إدارة ترامب، التي انشغلت في الأسابيع الأخيرة في تشكيل خطة السيطرة في سوريا بصورة تمكنها من سحب قواتها منها والتحرر من هذه الساحة التي أصبحت ساحة زائدة بالنسبة لها.

قد يقبل ترامب رد إسرائيل التلقائي، أنها هبت للدفاع عن “إخوتنا الدروز”، رغم أن بعض قياداتهم في سوريا لم تستدعها، بل وعارضت ذلك. مع ذلك، لم تتفهم واشنطن قرار إسرائيل مهاجمة القوات السورية التي بدأت في التقدم نحو السويداء لاستعادة النظام هناك، ولم تتفهم قصف مؤسسات النظام. ولعل رداً مهذباً لوزير الخارجية الأمريكي على الهجوم يشير إلى مستوى الغضب الذي أثاره هذا الهجوم. “العداء التاريخي بين مجموعات مختلفة في جنوب غرب سوريا أدى إلى وضع مؤسف وسوء فهم، كما يبدو بين إسرائيل والطرف السوري”، قال روبيو في رده على المراسلين.

المفهوم المرن “سوء الفهم” الذي اختاره روبيو لوصف التطور، كان يصعب عليه إخفاء الصدمة التي أثارها هجوم إسرائيل. يبدو أنه أكثر من “سوء فهم” بين إسرائيل والنظام السوري، بل عدم فهم إسرائيل للموقف الأمريكي. فحين قال روبيو بأنه تحدث مع “الأطراف ذات الصلة” فإنه سمع من الرئيس التركي اردوغان رأيه بشأن الهجوم الإسرائيلي، وأنه يعرض التنسيق الأمني بين إسرائيل وتركيا للخطر.

حصل وزير الخارجية الأمريكي أيضاً على تقرير بأن الأردن يجمع قواته قرب الحدود مع سوريا لمنع انزلاق المواجهات إلى أراضيه. واندلاع محتمل لحرب أهلية تقوض نظام الشرع، الذي يحظى برعاية السعودية وتركيا وقطر وأمريكا، وهو ما لم تأخذه إسرائيل في الحسبان، التي اعتبرت الحرب الطائفية فرصة لرسم خط حدود آخر بينها وبين سوريا. إذا كانت إسرائيل أعلنت بأن مهاجمة القوات السورية استهدفت منع اقتراب “قوات معادية” من حدودها، وحسب صياغة المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي “الجيش الإسرائيلي لن يسمح بوجود تهديد عسكري في جنوب سوريا وسيعمل ضده”، خلال فترة قصيرة، فهو تفسير قد تغير؛ وجاء بدلاً منه تعهد بحماية الدروز المدعوم بضغط قيادة الدروز في إسرائيل، وشجع على اختراق الجدار في هضبة الجولان وتدفق مئات الدروز الإسرائيليين إلى أراضي سوريا. ولم تستعد إسرائيل لذلك، والدولة المسورة جيداً في الشرق الأوسط وجدت أمام حدود مخترقة بدون سيطرة مرة أخرى.

في يوم الهجوم الإسرائيلي على أهداف النظام في دمشق استضاف الرئيس ترامب ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة، الذي هو سيد آخر للشرع. إسرائيل كان يمكن أن تعرف بأن الهجوم على نظام الشرع هو تحد لحزام الأمان الثقيل الذي يحيط به والذي تشارك فيه الدول العربية الرائدة، وتركيا، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية. هذه الدول التي أعطت الاعتراف الكامل للشرع ورفعت العقوبات عن سوريا تعتبر الرئيس السوري، مع كل التحفظات والقيود، زعيماً يحظى باحتمالية عالية لإحلال الاستقرار في سوريا والدفع قدماً بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية.

إن تطلع الولايات المتحدة هو نقل مهمة محاربة داعش إلى تركيا، مع ضمان سلامة الأكراد في سوريا. هذا البند يقتضي التوصل إلى اتفاق كامل بين الأكراد والشرع، في الوقت الذي يشخص فيه الأكراد كيفية إدارة الرئيس للأزمة مع الدروز. هناك أسئلة رئيسية في هذا السياق، السؤال الأول هو: هل ستوافق المليشيات الدرزية الستة المنقسمة على اندماجها في الجيش السوري، وفي أي إطار؟ السؤال الثاني هو: ماذا سيكون نطاق الحكم الذاتي المحلي الذي سيعطيه الشرع للمحافظة الدرزية؟

المبعوث الأمريكي توم باراك، يمارس ضغطاً شديداً على الأكراد للموافقة وتطبيق الاتفاق الذي وقعوا عليه مع الشرع في آذار، الذي في إطاره سيندمجون في الجيش وينقلون السيطرة في محافظاتهم إلى أيدي النظام المركزي. ولكن باراك فهم على الفور بأن المعركة في السويداء قد تفشل هذه الجهود، وكل ذلك برعاية إسرائيل. من المهم التذكير أن إسرائيل نفسها بدأت تحت الضغط الأمريكي في تغيير المقاربة تجاه الشرع. ممثلوها أجروا عدة لقاءات مباشرة مع شخصيات كبيرة في النظام، وبقي أساس للتنسيق الأمني بين الدولتين. عملياً، حتى أحداث الأسبوع الماضي انشغلت مع شبكات التخمين، هل سيلتقي الشرع مع نتنياهو في إطار لقاءات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، التي يتوقع عقدها في أيلول القادم؟ ها هو الشرع عاد في لحظة ليكون الجهادي الإسلامي، زعيم عصابات القتل الذي يهدد ليس فقط حياة الدروز، بل أيضاً أمن إسرائيل.

إزاء هذه الانعطافة، وجدت الدولة العظمى في العالم التي تطمح إلى رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، نفسها فجأة تنجر إلى نزاع طائفي عادي، الذي يجب عليها في إطاره أخذ مشاعر إسرائيل تجاه الدروز في الحسبان، وتفضيله على سياستها الإقليمية. نتيجة لذ، كان الرد الأمريكي سريعاً وحازماً وحاداً: على إسرائيل “السماح” للقوات السورية بالوصول إلى محافظة السويداء لفرض النظام، بعد أن أوضحت في السابق أنها ستمنع وصولها بالقوة، وهي وقعت على اتفاق وقف إطلاق النار مع النظام، ويبدو أنها أشركت الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في البلاد الشيخ موفق طريف، في جهود إقناع صديقه حكمت الهاجري بإلقاء السلاح وتأييد الاتفاق.

الاستنتاج، أنه مثلما أرادت إسرائيل أن ترسم للشرع حدود المنطقة المسموحة له في سوريا، فالولايات المتحدة ترسم لإسرائيل حدودها أيضاً؛ هي تسيطر (في هذه الأثناء) على المناطق التي احتلتها في شرق وجنوب سوريا. ولكن التدخل في السياسة الطائفية سيعرض المصالح الأمريكية للخطر، وهذا التدخل هو خط أحمر.

تسفي برئيل

 هآرتس 20/7/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب