بين الدمار والقرار: انتخابات المجلس الوطني كرسالة بقاء بقلم: مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸
بقلم: مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸

بين الدمار والقرار: انتخابات المجلس الوطني كرسالة بقاء
https://www.falestinona.com/flst/Art/217795#gsc.tab=0
بقلم: مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸
21.7.2025
—————————————
دعوة الرئيس محمود عباس إلى انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، في ظل واقع الركام والإبادة الجماعية، ومحاولة التهجير والضم المتسارع، قد تبدو للوهلة الأولى أنها لتعزيز الديمقراطية والشرعية فقط، بالرغم من أنها نهج فلسطيني بامتياز، ومشهد مهم لضخ دماء جديدة في الإدارة السياسية الفلسطينية، لكنه مشهد اعتدنا عليه ، وان تعطل لظروف سياسية قاهرة .
غير أن هذا المشهد، وإن بدا كذلك، فإن الأولوية للقيادة الفلسطينية في ظل المشروع الإسرائيلي القائم على الابادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير، في لحظات الانكسار التي يمر بها الشعب الفلسطيني، هو تعزيز الصمود وبث الروح الوطنية في الأمة من تحت الركام الذي يطمر الأجساد والأرواح البريئة.
هكذا يمكن قرأة المشهد، ويستحق الوقوف عنده، ليكون هذا هو عنوان المرحلة القائمة أمام زلزال عظيم يصيب المشهد الفلسطيني. وقد تكون هذه هي الرسالة:
“لن نموت مكتوفي الأيدي. وإذا فرضوا علينا الخراب، سنرد عليهم بتنظيم أنفسنا.”
في وسط زحام المشهد المتهاوي، وتحت النار، وأمام الجوع والعطش والمرض، تلك الأهوال التي يحاول الاحتلال طمسها، كانت الإرادة الرئاسية تطل على المشهد الفلسطيني لتحيي الأمل بأن القضية الفلسطينية لا تزال حية. جزء من مسار طويل في الرواية الفلسطينية .
فكانت الدعوة إلى انتخابات المجلس الوطني قرارًا فلسطينيًا بامتياز، لم يأت لا من الشرق ولا من الغرب، بل هو متطلب من متطلبات المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، والتي يظن العدو ومن دار في فلكه أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، والتصدي للعدوان الاسرائيلية قائم حتى دحر الاحتلال وتحرير الارض والانسان من الاحتلال. في لحظات الكارثة، تُقاس شجاعة القيادة لا بقدرتها على الانتصار، بل بقدرتها على الإبقاء على المعنى، ليس على الحزبية او الفئوية ولكن على فكرة “الوطن” نفسها، حين يحاول العدو محوها.
لا شك أن بعض الأصوات خرجت لتقول إن هذا الوقت غير مناسب، أو أن في الأمر استعجالًا، وآخرون قالوا إنه يحتاج إلى تشاور داخلي. لا أريد أن أدخل في عقم الحوار والجدل الذي يشتت الفهم، والجمع الوطني، ولا أحب أن يُنظر إلى المشهد بأنه جاء من علو، لأن تاريخ العلاقات الداخلية الفلسطينية مشوه بما يكفي من تبعيات تلازمه، ولأن القرار الوطني الفلسطيني دفع الثمن غاليًا في سبيل استقلاليته. لذا، عندما يكون القرار فلسطينيًا، سنجد له الزمان والمكان المناسبين للالتئام. ومن يهمه أمر القضية الفلسطينية، فعليه أن يدخل إلى ديار الوحدة والالتئام، وسيجد لحظتها الآليات المناسبة للمضي قدمًا في سبيل وحدة الصف وبث الروح في القضية. فإحياء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، حاملة الهم الفلسطيني وصاحبة الولاية على القضية، يعني أن هذه القضية لن تموت، ولن تُدار بالوصاية.
الرئيس عباس قائد وطني عروبي شجاع ومحنك، لم يتوانَ عن الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني في أحلك الظروف وأصعبها. يقود السفينة في بحر متلاطم الأمواج، وتحمل ما لا يتحمله البشر. في سيرة الأنبياء هم يعلمون أن الله معهم، فموسى عليه السلام ألقى العصا فانشق البحر، ونجا من فرعون بوحي من الله عز وجل . أما السيد الرئيس أبو مازن، فيقود السفينة بحكمته وبصيرته وصبره وعزيمته التي لا تلين، لينجو معه الوطن والشعب. الرئيس عباس يعلم من علمه من هم الأعداء، وكيف يكيدون وماذا يدبرون لهذا الشعب، فاختار الطريق الذي تستطيع السفينة أن تنجو عبره من الأمواج المتلاطمة.
ويبقى السؤال: إذا كنا نؤمن بأن علينا ألا نسقط، وألا نندثر، فما هو المطلوب فعله من الفصائل الفلسطينية؟ من النخب؟ من الشارع؟ حتى ننجو جميعًا من الكارثة؟
وهنا أود أن أنوه بأن حكومة الاحتلال ترى في الرئيس عباس العدو اللدود، وتفرض عليه العقوبات وعلى الشعب الفلسطيني، وتضيّق الخناق عليه وعلى حكومته من خلال قرصنة الأموال الفلسطينية التي تدار بها السلطة الوطنية.
نعم، في الظاهر تبدو الخطوة إجراءً إداريًا لإعادة ترتيب مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، المؤسسة التي باتت في نظر كثيرين جسدًا بلا نفس.
لكن في جوهرها، هناك ما يتجاوز الشرعية القانونية. فالشعب الفلسطيني، الذي يُسحق اليوم في غزة، ويُحاصر في الضفة، ويُدفع إلى التيه مجددًا، لا يبحث فقط عمن يمثله، بل عن من يعيد إليه شعوره بأنه لا يزال جزءا من مشروع وطني له أفق، وله مركز قرار.
قد يرى البعض في الخطوة تفردا في القرار، وقد يراها آخرون ذرا للرماد في العيون. لكن، ما لم تلتقط هذه الدعوة كفرصة للتحرك، فإن المأساة قد تكتمل، لا فقط في الخسارة المادية، بل في الصمت السياسي. هذا هو المنطق الذي علينا أن نسير عليه. من تحت الرماد ننهض كالعنقاء، فالشعب الفلسطيني لن يموت، ولن يدار ابدا من الخارج.