الرّئيسين هواري بومدين وجمال عبد الناصر – معمر حبار

الرّئيسين هواري بومدين وجمال عبد الناصر – معمر حبار
قراءة المتتبّع:
تابعت هذا الأسبوع الكلمة التي ألقاها الرّئيس هواري بومدين رحمة الله عليه[1]. في المجلس الشعبي المصري سنة 1966. فكانت هذه القراءة:
جاءت الزّيارة عقب دعوة من الرّئيس جمال عبد الناصر رحمة الله عليه.
المجلس الشعبي (ولا أستعمل ذلك المصطلح). له رمزية ثقيلة، وكبيرة. ولا يستدعى لها إلاّ ضيف كبير عزيز كالرّئيس هواري بومدين. وهذه تحسب لمصر.
تابعت كلمة الرّئيس هواري بومدين. فلم أقف على ذلك الرّئيس الخطيب المفوّه الذي يعرفه العالم. بل تلعثم أكثر من مرّة. ووقع في أخطاء إملائية من فرط الارتباك ثمّ قام بتصحيحها فورا. وواضح جدّا الاضطراب الذي وقع فيه. حتّى أنّه اضطرّ لشرب الماء. وهو في بداية إلقاء الكلمة.
شهادة الأجنبي الفرنسي:
هذه الملاحظة التي وقفت عندها. تدلّ على ما قرأته عن فرنسي من أنّ الرّئيس هواري بومدين رجل كتوم، ولا يحبّ الظهور، وقليل الحديث. ولا يعرف عنه الاستدمار الفرنسي شيئا. وهو سرّ قوّته، وعظمته[2]. وقد أفردنا لها مقال لمن أراد الزّيادة[3].
شهادة الجنرال رحال:
ذكر الجنرال رحال في كتابه[4]. وقال حسب ترجمتي: “في بداياته، كان الرّئيس بومدين، خطيبا ضعيفا. لكن مع مرور الوقت طوّر قدراته والتي جعلت منه خطيبا يلهب الجماهير الجزائرية، ويفرض الصّمت على المنظمات الدولية للأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومختلف قمم رؤساء الدول[5]”. 56
التوتّر المؤقّت والعلاقة الحسنة الدائمة بين الرّئيسين:
ألقيت الكلمة سنة 1966. أي عام واحد بعد انقلاب 19 جوان 1965. والمعروف أنّ العلاقة بين الرّئيسين توتّرت عقب الانقلاب. وأرسل جمال عبد الناصر مبعوثا خاصّا للرّئيس هواري بومدين. يستفسر عن مصير الرّئيس هواري بومدين. فأجابه الرّئيس هواري بومدين، وبالحرف: “إنّه تحت رجلي”. أي في الغرفة التي تحت هذا الطابق. وذكر تفاصيل الحادثة الأستاذ الخولي في حواراته الثّلاث مع الرّئيس هزاري بومدين. والتي حوّلها إلى كتاب[6]. وأفردنا لها مقال[7]. لمن أراد الزّيادة.
أضيف: ويفهم من هذا أنّ العلاقة بين الرّئيسين توتّرت عقب انقلاب 19 جوان 1965. ثمّ عادت إلى طبيعتها. وأحسن ممّا كانت. وهذه ظاهرة صحية تحدث باستمرار بين السّاسة.
بداية الرّئيس الشاذلي بن جديد هي استمرار لنهاية الرّئيس هواري بومدين:
أثناء قراءة كتاب المحامي الفرنسي[8]. والذي عرضته عبر حلقتين. ذكرت عبر مقال[9]: “في أواخر حياته وبعد سنوات 1974-1975 بدأ الرّئيس هواري بومدين في التّقليص من اندفاعاته، وشرع في وضع مسافة بينه وبين “الثّوار”، وبعض الدول العربية التي لم تقف معه، وكذا الاتحاد السوفيتي الذي لم يجد منه العون ولا السند.
وعليه، فحين جاء الرّئيس الشاذلي بن جديد رحمة الله عليه عقب موت الرّئيس هواري بومدين. لم يكن حينها هواري بومدين ذلك الثّوري، إنّما ذلك الواقعي. فواصل الرّئيس الشاذلي بن جديد طريق الواقعية. ولا يمكن -في تقديري- أن نسمي هذا خيانة لرئيس سابق. بل مواصلة لمنهجه الذي كان عليه في أواخر حياته. مع بعض التّغييرات، والحذف الذي يتطلّبها الوضع الجديد”.
بداية أنور السّادات هي مواصلة لنهاية الرّئيس جمال عبد الناصر:
والمتتبّع لخطب الرّئيس جمال عبد الناصر في أواخر حياته. وبالضّبط سنة 1970. أي العام الذي توفى فيه رحمة الله عليه. يلاحظ أنّه أصبح يميل وبقوّة، ووضوح إلى إقامة السّلم مع الصهاينة. والابتعاد عن شنّ الحرب. التي لم يكن يملك أدواتها، ولا الاستعداد لها، ولا القدرة على المواجهة. خاصّة بعد الضّربة الجوّية سنة 1967. التي قسمت ظهر الجيش المصري العزيز علينا.
أقولها لأوّل مرّة في حياتي: لو استمرّ عبد الناصر على هذا الطريق. وأطال الله في عمره. فإنّي لا أستبعد أن يقيم معاهدة سلام مع الصهاينة. ويكون بذلك قد سبق السادات في توقيع معاهدة مخيم داوود سنة 1979. لأنّه -وفي تقديري- منحنى عبد الناصر كان يميل لهذه الخاتمة. كما كان منحنى الرّئيس هواري بومدين يميل في أواخر أيّامه إلى الواقعية أكثر.
مايجب أن يعرفه إخواننا المصريين بشأن علاقة الرّئيسين:
الرّئيس هواري بومدين رجل حرب، وثورة، وميدان. وفرّ لمصرهاربا حتّى لا يقضي الخدمة العسكرية تحت قبعة الاستدمار الفرنسي. وهو يومها في زهرة شبابه. كما جاء في الكتاب[10]. وذكرنا ذلك في مقال[11]: ” سبب سفره لمصر هو فراره من أداء الخدمة العسكرية لدى الجيش الفرنسي المحتل. ما يعني أنّ بومدين لم يسافر لمصر لتبعية، ولا عن ضعف ومصر يومها قبلة العرب. إنّما لضرورة فرضها الاستدمار الفرنسي”.
ومن الطبيعي أن يرفض الرّئيس هواري بومدين كلّ تقارب مع العدو، وإقامة معاهدة سلام معه. وسبق أن رفض اتفاقية إيفيان أيّام الثّورة الجزائرية.
وإن كان هناك “اختلاف؟ !” بين الرّئيسين. فإنّه يعود -في تقديري-. لاختلاف نظرة الرّئيسين للحرب، والمفاوضات. وهذا أمر طبيعي، وظاهرة صحية. وتبقى العلاقة قويّة بينهما. ولا تفسدها نظرة أحدهما أو كلاهما للحرب أو المفاوضات.
المساعدات الجزائرية لمصر سنوات 1967، و1973:
أنصح بقراءة كتاب العسكري الجنرال خالد نزار[12]. باعتباره خاض الحربين كعسكري، وقدّم نصائح للجيش المصري، ودلّ القادة المصريين على بعض الأخطاء التي ارتكبها قادة الجيش المصري العزيز علينا[13]. وذكر المساعدات بالأرقام، والصفة، والكمية. وبدقّة متناهية[14]. لمن أراد الزّيادة.
المجاهد الجزائري صادق بشأن المساعدات الجزائرية لإخواننا المصريين:
قلتها، وأعيدها: المجاهد الجزائري لا يتعمّد الكذب فيما نقله عبر مذكراته، وأحاديثه[15]. وقد يحدث له أن ينسى، أو يستعمل الرّموز، أو يرفض ذكر اسم بعينه، أو لا يذكره بصريح العبارة، أو تختلط عليه بعض الأرقام والأماكن والأسماء. لكن أبدا ومطلقا لا يمكنه بحال من الأحول أن يتعمّد الكذب. لسمو أخلاقه، وعلو تربيته، وقداسة “الكٙل۟مٙة” لديه، وثقل الأمانة التي حملها وكلّف بنقلها.
وعليه، فإن الجزائريين صادقون في كلّ ما ذكروه بشأن المساعدات الجزائرية لمصر. ولا يمكنهم أن يتعمّدوا الكذب.
مساعدات مصر للثّورة الجزائرية:
وفي الوقت نفسه، فإنّ الجزائري يظلّ يذكر مساعدات مصر للثّورة الجزائرية. ويلقى الله بذكرها، ونشرها، والحثّ على بسطها أمام العالم، والافتخار بها. وصدّ كلّ من يكذّبها، وينفيها. وذلك أضعف الإيمان.
السّبت 19 ربيع الثّاني 1447هـ، الموافق لـ 11 أكتوبر2025
الشرفة – الشلف – الجزائر
[1] هواري بومدين في البرلمان المصري – Recherche [2] Ania Francos et J.P Séréni “Un Algérien nommé Boumediėne”, Editions ASS NNI, Juin, 2017, Contient 392 Pages. [3] الرئيس هواري بومدين من خلال انقلاب 19 جوان 1965، ومساعدة مصر عقب العدوان الصهيوني 1967
الأربعاء 18 شعبان 1445هـ، الموافق لـ 28 فيفري 2024
[4] YAHIA RAHAL “HISTOIRE DE POUVOIR”, UN GÉNÉRAL TÉMOIGNE, CASBAH, Alger, ALGÉRIE, 1997, Contient 168 Pages. [5] مقالنا: الرّئيس هواري بومدين كما يراه الجنرال يحي رحالترجمة، وتلخيص، وتعليق – معمر حبار
الخميس 3 ربيع الثّاني 1447هـ، الموافق لـ 25 سبتمبر2025
[6] “عن الثورة وفي الثورة وبالثورة، حوار مع بومدين”، مطبعة دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، مقدمة الكتاب بالقاهرة-مصر سنة 1975، من 225 صفحة. [7] مقالنا بعنوان: السبت 5 رجب 1444 هـ، الموافق لـ 28 جانفي 2023الرئيس هواري بومدين كما يراه لطفي الخولي – معمر حبار
[8] ardavan amir-aslani: “L’ÂGE D’OR DE LA DIPLOMATIE ALGERIENNE, 1962-1978”, Média-Plus, Constantine, 2015, Contient 240 Pages. [9] مقالنا بعنوان: جديد قراءاتي حول الرّئيس هواري بومدين.. الحلقة الثّانية – معمر حبارالثّلاثاء 12 شعبان 1445هـ، الموافق لـ 11 فيفري 2025
[10] Hamid Abdelkader “Houari Boumediene, Un homme, une révolution 1954-1962”, CHIHAB ĖDITION, Algérie, December 2012, Alger, Algérie, Contient 126 Pages. [11] مقالنا بعنوان: الثلاثاء 15 محرم 1443 هـ الموافق لـ 24 أوت 2021تعامل هواري بومدين مع عبد الناصر، ومالك بن نبي، وإخواننا المشارقة – معمر حبار
[12] RECUEIL DES MEMOIRES DU GENERAL KHALED NEZZAR. 1Ma carrière militaire،” Deuxième édition revue et corrigée، CHIHAB EDITION, 2semestre, 2017، Bab EL Oued, Alger, ALGERIE , Contient 406 Pages. [13] مقالنا بعنوان: نصائح الجيش الوطني الشعبي، وأخطاء الجيش المصري في حرب 1967الحلقة الثّانية والأخيرة – معمر حبار
الإثنين 28 ذو القعدة 1446هـ، الموافق لـ 26 ماي 2025
[14] مقالنا بعنوان: مشاركة، ومساعدة الجزائر للجيش المصري في حرب 1967الحلقة الأولى– معمر حبار
الإثنين 20 ذو القعدة 1446هـ، الموافق لـ 19 ماي 2025
[15] منشورنا: #صدق_المجاهد_الجزائريالسبت 24 ربيع الأوّل 1443هـ، الموافق لـ: 30 أكتوبر2021