ثقافة وفنون

حملة غاضبة على سانت ليفانت: كفى تسليعاً لفلسطين

حملة غاضبة على سانت ليفانت: كفى تسليعاً لفلسطين

اختار الفنان الفلسطيني ــ الفرنسي «سانت ليفانت» (مروان عبد الحميد)، بالتعاون مع خبيرة التجميل ورائدة الأعمال هدى قطّان، إطلاق حملة ترويجية لمنتج تجميلي وفيديو مستوحى من الكلمنتين الفلسطيني، تحت شعار «من أجل الوطن».

سامي حداد

في الوقت الذي تعيش فيه غزة إحدى أعنف مراحل الإبادة الممنهجة في تاريخها، وتُنتشل الجثث من تحت الركام وفيما تموت العائلات من التجويع الممنهج، اختار الفنان الفلسطيني ــ الفرنسي «سانت ليفانت» (مروان عبد الحميد)، بالتعاون مع خبيرة التجميل ورائدة الأعمال هدى قطّان، إطلاق حملة ترويجية لمنتج تجميلي وفيديو مستوحى من الكلمنتين الفلسطيني، تحت شعار «من أجل الوطن».

لكنّ «الوطن» هنا ليس سوى خلفية برتقالية زاهية، مصفوفة بدقة خلف عدسة كاميرا ملساء، لا ترى الدم، ولا الشظايا، ولا الخوف، بل تتفنن في تصوير الأنوثة والرجولة وسط أكوام من الحمضيات، كأنّ القضية يمكن تلخيصها في ثمرة.

مشهد منفصل عن الواقع

ظهر الثنائي في مقاطع الحملة الترويجية، يرتديان ملابس أنيقة وألواناً دافئة، في مشهد سينمائي مفعم بالحسية، داخل مطبخ قديم مليء بحبات الكلمنتين، يروّجان لزيت شفاه جديد وموسيقى رومانسية خفيفة. كل شيء كان محسوباً بعناية… إلا أمراً واحداً: التوقيت.

في اليوم نفسه، كانت غزة تودّع أكثر من 100 شهيد، بينهم أطفال ونساء، وأُصيب المئات في واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ بداية الحرب.

من بين الضحايا، قريب الكاتب الفلسطيني الحائز جائزة «بوليتزر»، مصعب أبو توهة، الذي كتب غاضباً: «هل تهتم حقاً بغزة؟ تنشر هذا الفيديو في يوم قُتل فيه 102 شخص، من بينهم أحد أقاربي، أثناء محاولته البحث عن الطعام».

منفصلة عن الواقع

سرعان ما تحوّلت تدوينة أبو توهة إلى شرارة أشعلت موجة انتقادات عارمة، وفتحت الباب أمام تساؤلات أخلاقية وثقافية حول حدود استخدام الرمزية الوطنية في تسويق المنتجات الفنية والتجارية.

كتب الشاعر مصعب أبو توهة: «تنشر هذا الفيديو في
يوم قُتل فيه 102 شخص،
من بينهم أحد أقاربي»

فقد وُصفت الحملة بأنها Tone Deaf أيّ «منفصلة عن الواقع» أو «صمّاء النغمة»، في تجاهل صادم للدم الجاري في الشوارع مقابل خلفية بصرية زاهية خالية من أي سياق إنساني حقيقي.

ورغم أنّ كلاً من سانت ليفانت وهدى قطّان سبق لهما أن عبّرا عن دعمهما العلني لفلسطين، ونشرا محتوى مؤيداً للقضية، إلا أنّ التناقض الفادح بين الحملة وبين اللحظة السياسية والإنسانية الراهنة في غزة، جعل بعضهم يصف تصرّفهما بـ «الاستغلال الوقح»، لا مجرد «سوء تقدير».

تسليع المعاناة

الانتقاد لم يأتِ من باب الحقد أو الرقابة الأخلاقية المحافظة، بل من منطلق وطني خالص، يرى أنّ تحويل رموز النكبة والصمود الفلسطينية إلى أدوات تسويقية، يفقدها معناها، ويفرغها من تاريخها النضالي.

 

الكلمنتين الفلسطيني، الذي كان يُهرّب من غزة رغم الحصار ليُباع في الأسواق كرمز للصمود الزراعي، بات الآن مجرد «إلهام عطري» لزيت شفاه فاخر، يقدَّم في عبوة ذهبية.
حتى الموسيقى، التي كانت دوماً وسيلة للمقاومة والتعبير، تحوّلت إلى عنصر تزييني ضمن حملة ترويجية خالية من أي مضمون سياسي واضح، ولا إشارة إلى المذبحة التي تتكرّر كل يوم.

ما هو «الوطن»؟

شعار الحملة: «من أجل الوطن»، بدا منفصلاً عن جوهر ما تعنيه الكلمة في هذه اللحظة التاريخية. كثيرون اعتبروا أن اختيار هذه الرمزية في هذا التوقيت ليس فقط سقطة إعلامية، بل خيانة للذاكرة الجماعية، وللرسالة التي حاولت القضية الفلسطينية إيصالها على مدى عقود: فلسطين ليست قصة شاعرية رومانسية تزيّن بها العلامات التجارية مواقعها، بل مأساة مستمرة تتطلب موقفاً، لا صورة.

الصمت الرسمي والمحاسبة الشعبية

حتى لحظة كتابة هذا المقال، لم يصدر أي اعتذار أو توضيح من سانت ليفانت أو هدى قطّان. هذا الصمت فُسّر بأنه تجاهل للرأي العام الفلسطيني، أو أسوأ، استعلاء عليه.

وبينما حاول بعض المدافعين عن الحملة اعتبارها «تقديماً إيجابياً لصورة فلسطين»، أو «احتفاءً بالهوية»، رفضت الغالبية هذه التبريرات واعتبرتها محاولة لتلميع صورة باهتة لا تنتمي إلى واقع الحرب والمعاناة.

دعم حقيقي أم استثمار في القضايا؟

فتحت هذه الحملة نقاشاً أوسع: متى يصبح «دعم القضية» أداة للربح؟

هل يمكن للفنان أو رائد الأعمال أن يستخدم رموزاً وطنية من دون أن يتحمّل تبعات ذلك؟ وهل يُمكن تفريغ تعقيم القضية من مضمونها السياسي والاجتماعي وتقديمها كأداة تسويق آمنة وجذابة؟

الإجابة ليست فقط في المشاعر العامة، بل في التاريخ: كل محاولة لتحويل النضال إلى ديكور، انتهت بإسقاط المعنى وتشويه الرسالة.

في زمن المجازر، لا مكان للرمز الخالي من المعنى، ولا لرسالة تجميلية مفرغة من السياق. القضية الفلسطينية ليست أرضاً خصبة للإلهام البصري، بل جرح مفتوح يتطلّب شجاعة، وموقفاً واضحاً، لا إعلاناً لزيت شفاه داخل فرن مليء بالكلمنتين. حين يتحول الوطن إلى خلفية دعائية، تُصبح الجرائم مستترة… والصمت تواطؤاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب