تحقيقات وتقارير

ماكرون يعلن نيته الاعتراف بدولة فلسطينية وسط غضب إسرائيلي وسخرية أمريكية وانقسام أوروبي

ماكرون يعلن نيته الاعتراف بدولة فلسطينية وسط غضب إسرائيلي وسخرية أمريكية وانقسام أوروبي

آدم جابر

تُعدّ فرنسا أقوى دولة في أوروبا تعلن عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، لتنضم قريبًا إلى 147 دولة سبق وأن اعترفت بها.

باريس ـ   وسط الضغوط الدولية على إسرائيل للسماح بإدخال المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة حيث تتفاقم المجاعة، وتزامناً مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عن فشل محادثات الدوحة من أجل وقف إطلاق للنار في غزة؛ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء الخميس، عن نيته الاعتراف بدولة فلسطين، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر المقبل، وذلك عبر رسالة نُشرت على منصة «إكس». إعلانٌ تباينت مواقف الطبقة السياسية الفرنسية، وانقسمت مواقف القادة الأوروبيّين حياله، بينما أجمع السياسيون الإسرائيليون على التنديد القوي به، وقوبل برفض من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سخر منه.

إيمانويل ماكرون، كتب في رسالة موجهة إلى رئيس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس أبو مازن: «إن الضرورة الملحّة اليوم هي تجسيد الحل الوحيد القابل للتطبيق لتلبية التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني، ووضع حد للإرهاب والعنف بجميع أشكاله، وتمكين إسرائيل وجميع دول المنطقة من العيش في سلام وأمان».
والحقيقة أن قرار الرئيس الفرنسي لم يكن مفاجئًا حقًا، كون ماكرون لمّح منذ عدة أشهر إلى إمكانية الاعتراف بوجود دولة فلسطينية، على غرار بعض الدول الأوروبية الأخرى (إسبانيا، إيرلندا، النرويج، سلوفينيا). كما أن هذا القرار ليس رمزيًا فحسب، بل قد يمنح فلسطين بُعدًا سياسيًا جديدًا.
في الداخل الفرنسي، أتى إعلان الرئيس ماكرون نيته الاعتراف بدولة فلسطينية شهر أيلول/سبتمبر المقبل ليزيد من الخلافات والانقسامات الداخلية العديدة.
جاء الانتقاد الأبرز من حزب «الجمهوريون»، اليميني المُحافظ، المُشارك في الحكومة. ففي حين، رفض الزعيم الجديد للحزب، ووزير الداخلية برونو روتايو، التعليق على الموضوع، عبّر حزبه في بيان عن استيائه، مُحذّرًا من أن «الاعتراف بدولة فلسطين سيمنح حركة حماس النصر، حتى مع عدم إطلاق سراح الرهائن». وقال رئيسُ الكتلة البرلمانية للحزب لوران فوكييه إن «هذه ليست الطريقة التي ستساهم بها فرنسا في السلام». بينما اعتبر رئيس مجلس الشيوخ، جيرار لارشيه، أنها «مقامرة بالغة الخطورة لا تخدم قضية السلام الدائم». على المنوال نفسه تحدّث إدوارد فيليب، رئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي المحتمل، وزعيم حزب «آفاق» اليميني؛ مُعبّرا، عن شكوكه بشأن توقيت الإعلان، معتبرا إياه «مقامرة» قد تدفع فرنسا إلى استخدام «ورقة سياسية مهمة لا تأثير لها سوى الرمز». الانتقاد أتى حتى من كارولين يادان، النائبة البرلمانية عن حزب النهضة (معسكر الرئيس ماكرون)، التي ندّدت بـ«خطأ سياسي وأخلاقي وتاريخي»، مُشددة على أنها «تنأى بنفسها عن رئيس الدولة والكتلة البرلمانية للحزب الرئاسي داخل الجمعية الوطنية».
الانقسام كان أيضاً سيد الموقف في صفوف المُعارضة.. فقد اعتبرت مارين لوبان، رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب «التجمع الوطني» اليميني المُتطرف، أن «الاعتراف بدولة فلسطينية اليوم يعني الاعتراف بدولة حماس، وبالتالي دولة إرهابية». في المُقابل، رحبت المُعارضة اليسارية بشكل عام بإعلان الرئيس الفرنسي، مع إبداء شكوك وتحفظات وحتى انتقادات حياله. فقد اعتبر زعيم حركة «فرنسا الأبية» اليسارية الراديكالية أن الاعتراف يُمثل «نصرًا أخلاقيًا» في مواجهة «المعاناة الفظيعة للشعب الفلسطيني». لكنه دعا إلى «خطوة أقوى بكثير». وينطبق الأمر نفسه على الحزب الاشتراكي، الذي أشاد بـ«خطوة أساسية إلى الأمام»، محذرًا من أن هذا الاعتراف «سيذهب سدى إذا لم تُصاحبه عقوبات ضد إسرائيل». ودان المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (CRIF) الاعتراف «دون شروط مسبقة»، مُعتبرا أنه «خلل أخلاقي، وخطأ دبلوماسي، وخطر سياسي». في حين، عبّر ناشطون مؤيدون للفلسطينيين عن استيائهم لتأخر فرنسا في الرد، بينما يُواجه قطاع قطاع غزة وسكانه كارثة إنسانية ومجاعة متفاقمة. أوروبياً، رحبت الدول التي تعترف سلفاً بدولة فلسطين، كإسبانيا والنرويج وإيرلندا، بإعلان إيمانويل ماكرون عن نبيته الاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول/سبتمبر المقبل. في المقابل كان التماطّل سيد الموقف لدى البلدان الأخرى الرئيسية في القارة: المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا. فقد ربط رئيس الوزراء البريطاني الاعتراف بدولة فلسطينية بـ«اتفاق سلام تفاوضي». غير أن هذا الأخير يواجه ضغوطًا من حزبه، حيث أرسل ثلث أعضاء مجلس العموم البريطاني، أي أكثر من 220 نائبًا، غالبيتهم من حزبه العمال، رسالة إلى رئيس الوزراء العمالي، يوم الجمعة، يحثونه فيها على الاعتراف بدولة فلسطينية. أما ألمانيا، التي يتأثر موقفها بشدة بفعل عواقب المحرقة، فشدّدت على أنها لا تنوي اتباع نهج باريس على المدى القصير. وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية إن «أمن إسرائيل له أهمية قصوى بالنسبة لبرلين»، مضيفا القول إن أولوية ألمانيا هي تحقيق «تقدم طال انتظاره» نحو حل الدولتين.
في حين، اعتبرت إيطاليا، على لسان وزير خارجيتها أنتونيو تاجاني، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يتزامن مع اعتراف الكيان الجديد بإسرائيل، مشددا على أن «عدم اعتراف دولة فلسطينية بإسرائيل يعني استحالة حل المشكلة». في الولايات المتحدة الأمريكية، سخر الرئيس دونالد ترامب من إعلان نظيره الفرنسي، قائلاً: «ما يقوله إيمانويل ماكرون لا يُهم. إنه رجل طيب، أنا معجب به، لكن تصريحه لا قيمة له، ولن يُغير شيئًا».
للتذكير، تُعدّ فرنسا أقوى دولة في أوروبا تعلن عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، لتنضم قريبًا إلى 147 دولة سبق وأن اعترفت بها. وفي حال تم الاعتراف رسميا في أيلول/سبتمبر، ستلتحق بـ11 دولة أوروبية تعترف رسميًا بوجود دولة فلسطينية، بما فيها إسبانيا وإيرلندا والسويد، رومانيا والمجر وبلغاريا. بالنسبة للعديد من هذه الدول، فإن الاعتراف يتمثل في الإقرار بسيادة واستقلال دولة فلسطين ضمن حدود ما قبل عام 1967 (أي في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية)، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الدولة الفلسطينية.
وفي حال أصبحت فرنسا أول دولة من دول مجموعة السبع وعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تتخذ هذا القرار، فإن ذلك قد يشجع دولاً أوروبية أخرى على وضع فلسطين وإسرائيل على قدم المساواة داخل الهيئات الدولية. إن الاعتراف بدولة فلسطين من قبل فرنسا سيكون بالتالي بمثابة إقرار بتغيير دبلوماسي، وسيسمح بممارسة الضغط على إسرائيل التي ترفض حتى الآن هذه الإمكانية.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب