(((((((الأمن ومفهومه بين الثابت والمتغير: من الأمن التقليدي إلى الأمن الشامل))))))

(((((((الأمن ومفهومه بين الثابت والمتغير: من الأمن التقليدي إلى الأمن الشامل))))))
★★★★★★★★★★★★
إعداد: المحامي علي أبو حبلة والأستاذ عبد البري-
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
مدخل: الأمن ليس غياب الخطر بل حضور الطمأنينة
تُجمع الأمم المتقدمة والنامية على أن الأمن بمفهومه الشامل هو الركيزة الأساسية لقيام الدولة واستمرارها، وهو الأساس الذي تُبنى عليه نهضة الشعوب واستقرارها.
لكنّ الخطأ الشائع بين الناس يتمثّل في حصر مفهوم الأمن في صورته التقليدية المتمثلة في حفظ النظام العام ومكافحة الجريمة فقط، بينما الحقيقة أعمق من ذلك بكثير؛ فالأمن بات اليوم مفهومًا متعدد الأبعاد، يتصل بالاقتصاد والتنمية، وبالفكر والمجتمع، وبالفضاء السيبراني والإعلامي، وصولًا إلى الأمن الإنساني الذي يُعنى بكرامة الإنسان وحقوقه واحتياجاته الأساسية.
أولًا: الأمن… المفهوم والأساس:
★★★★★★★★★★★★
الأمن في جوهره ليس مجرد حالة من غياب التهديد، بل هو شعور جماعي بالطمأنينة والاستقرار، تنشأ عنه بيئة آمنة تسودها العدالة والقانون والثقة بين المواطن والدولة.
ويُعرّف الأمن بأنه “منظومة شاملة من السياسات والإجراءات والوعي المجتمعي، تهدف إلى حماية الإنسان والوطن من الأخطار المادية والمعنوية، وتحقيق توازن بين الحرية والمسؤولية”.
إنه ببساطة، العمود الفقري للدولة الحديثة، ومحور العلاقة بين السلطة والمجتمع، وبين الأمن والتنمية، وبين الفرد وكرامته.
ثانيًا: الأمن في منظوره الشامل:
★★★★★★★★★★★
شهد مفهوم الأمن تحولات جذرية خلال العقود الأخيرة، خصوصًا في ظل العولمة والثورة الرقمية. لم يعد الأمن محصورًا في حماية الحدود، بل اتسع ليشمل مجالات متعددة متشابكة فيما بينها:
1. الأمن الوطني :
هو الأساس الذي يقوم على حماية الدولة من الأخطار الداخلية والخارجية، وصون سيادتها واستقلالها، وضمان استمرارية مؤسساتها في ظل نظام قانوني ودستوري متين.
ويُعتبر الأمن الوطني المظلة الكبرى التي تتفرع عنها سائر أشكال الأمن الأخرى.
2. الأمن الاجتماعي:
يُعنى بترسيخ التماسك المجتمعي، ومنع الانقسامات الطبقية والفكرية، ومكافحة الجريمة والانحراف، عبر منظومة قيمية وعدلية تُرسخ العدالة الاجتماعية والضبط الذاتي.
3. الأمن الاقتصادي:
هو أحد أعمدة الأمن الوطني، إذ لا يمكن لدولة أن تحقق الاستقرار دون اقتصاد متين ومستدام.
يتجسد الأمن الاقتصادي في حماية الموارد الوطنية، وضمان استقرار الأسعار، وتأمين فرص العمل، والحد من الفقر، لأن الجوع والعوز هما بيئة خصبة للفوضى والجريمة.
4. الأمن الفكري:
يمثل خط الدفاع الأول ضد التطرف والتضليل والإشاعات وحروب المعلومات.
وتحقيق الأمن الفكري يتطلب تعزيز الوعي الوطني، وترسيخ القيم الأخلاقية، وتحصين العقول بالتربية والتعليم والإعلام المسؤول.
5. الأمن السيبراني:
في عصر الرقمنة، أصبحت حماية الفضاء الإلكتروني أولوية وطنية، لا تقل أهمية عن حماية الحدود البرية أو الجوية.
الأمن السيبراني يشمل حماية البيانات، والبنية التحتية الرقمية، والمعلومات الحساسة من التهديدات والهجمات الإلكترونية.
ثالثًا: العلاقة التكاملية بين الأمن والتنمية:
★★★★★★★★★★★★
الأمن والتنمية وجهان لعملة واحدة؛ فلا تنمية بدون أمن، ولا أمن مستدام دون تنمية عادلة وشاملة.
عندما يشعر المواطن بالعدالة وتكافؤ الفرص والشفافية، يزداد ارتباطه بوطنه، ويصبح شريكًا فاعلًا في حمايته.
وحين تتسع الفجوة الاقتصادية أو يضعف الشعور بالعدالة، تتصدع الثقة وتظهر التهديدات غير التقليدية من فقرٍ، وبطالةٍ، وتطرفٍ، وانقسامٍ مجتمعي.
وتشير دراسات التنمية إلى أن كل دولار يُستثمر في تعزيز الأمن والعدالة يسهم بمضاعفة الناتج القومي الإجمالي على المدى الطويل، لأن الأمن يخلق بيئة استثمارية آمنة، ويجذب رؤوس الأموال، ويعزز الثقة في الاقتصاد الوطني.
رابعًا: دور الأجهزة الأمنية والمجتمع في حماية الأمن الوطني:
★★★★★★★★★★★★★
تُعدّ الأجهزة الأمنية حجر الزاوية في حماية الوطن، وهي تقوم بمهامها ضمن منظومة قانونية ومؤسسية منضبطة، قائمة على الانضباط والاحتراف والالتزام بالقانون وحقوق الإنسان.
لكنّ الأمن لا يُصنع في مكاتب المؤسسات فقط، بل يبدأ من وعي المواطن والتزامه وانتمائه.
فالمواطن الواعي هو رجل الأمن الأول، والالتزام بالقانون هو أرقى أشكال الوطنية.
ومن هنا، تتكامل العلاقة بين الأمن الرسمي والأمن المجتمعي، ضمن شراكة تقوم على الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة.
خامسًا: الأمن الإنساني في مواجهة التحديات المعاصرة:
★★★★★★★★★★★★
ظهر مفهوم “الأمن الإنساني” كأحد أبرز التطورات في الفكر السياسي الحديث، ويركز على حماية الإنسان في ذاته من الفقر والمرض والتمييز والعنف.
الأمن الإنساني يربط بين كرامة المواطن واستقرار الدولة، وبين العدالة الاجتماعية والأمن الوطني، وهو ما يُعدّ جوهر التنمية المستدامة التي تنادي بها الأمم المتحدة.
خاتمة: الأمن مسؤولية الجميع:
★★★★★★★★★★★★
إنّ الأمن ليس مهمة الأجهزة الأمنية فحسب، بل هو عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع يقوم على الثقة والعدل والانتماء.
فحيث يسود الأمن، تزدهر التنمية، وتترسخ القيم، ويعلو صوت القانون.
وحيث يغيب الأمن، تنكسر المجتمعات وتتراجع الحضارات.
ومن هذا المنطلق، فإنّ ترسيخ مفهوم الأمن الشامل بات واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا، تلتزم به المؤسسات والأفراد معًا، صونًا للوطن، وحماية لمستقبل أبنائه، وضمانًا لاستمرار رسالة الدولة في البناء والاستقرار.