ثقافة وفنون

العقل جوهر الحياة

العقل جوهر الحياة

عزيز الحدادي

«من لا عقل له لا حياة له »

تقول الحكمة إن مضمون الحياة ماثل على وجه الدقة في العقل، ولذلك نجد الإنسان العاقل وحده هو الذي يتمتع بالحياة، باعتبارها فكرة يبدعها العقل عندما يتسلل إلى ماهية الجميل، وما دام أن الجميل يعتقل الروح، فإن ماهية الحياة تصارع الموت وترسم مصيرها في سماء الوعي بالذات، فالحياة بهذا تصبح وعيا بالذات، لكن بأي معنى يمكن تفسير هذا الوعي الطبقي للحياة؟ هل انطلاقا من الوعي النخبوي؟ أم من خلال امتلاء العقل بالحقيقة حين يتعقل ذاته؟ ولماذا تمسي الحياة هي العقل والمعقول معا؟ وما علاقتهما ببهجة الوجود؟
ثمة تحديد أنطولوجي للحياة التي تقاوم الموت، وهو صدفة الوجود حين ينتصر على العدم ويمنح صيرورة المطلق للروح الإنسانية، فهي ليست مجرد زمان يتوسط بين نفسه ونفسه في أفق القدر المأساوي، بل إنها الحقيقة في لحظة تجليها في الوجود وتلبس ثوب المعرفة، من أجل أن تغري العقل وتصطاده بشباكها . هكذا تكون مشكلة المعرفة هي ذاتها مشكلة الحياة بالنسبة للفيلسوف الذي يقول؛ خطوة للحياة وخطوة للمعرفة إلى أن يتحقق العلم المرح. ولعل هذا الرقص الديونيزوسي هو ما جعل نيتشه مبتهجا بالفلسفة، ويقول دون فلسفة كانت حياتي ستكون خطأ. إنني اعرف الحقيقة، ومن خلال هذه المعرفة اتمتع بالحياة «فالمعرفة صيرورة وجود لا تنقطع حين تلمسها الحياة»، بل تتعلق بالوجود وتسعى إلى عيش بهجته بطريقة يونانية على إيقاع الموسيقى والرقص للتخلص من مأساة العدم. ففي ظاهريات الروح لهيجل نجده يعرف الحقيقة بأنها التعيين الأساسي للفلسفة، حين تلتحم بالروح وهيمنتها. فما أمتع هذه الفلسفة التي تجعلنا نغرق في بهجة الحياة بواسطة الفرح بالكينونة والخيال المبدع، حيث تنبثق الثورة لتؤسس أعظم انقلاب في وجود الموجود وحياة الإنسان معا، ولذلك نحن في أمس الحاجة إلى ظاهريات الروح، لنتعلم أن العقل لا يصبح واقعيا، إلا عندما يمسي الواقع عقلانيا، هكذا تكون هذه المسيرة من الأنا إلى الوعي بالذات هي نفسها من العدم إلى الوجود على مركب الفلسفة. وبما أن الوعي بالذات والحياة هما الشيء نفسه، فإن ماهيتهما واحدة، وهدفها واحد إنه الحقيقة باعتبارها عقلا يتجسد في الوجود الإنساني.
العقل هو اليقين بأنه كل الواقع، هذا الذي يكون في ذاته ولغيره، ومن دونه تتحول الحياة إلى تراجيديا يومية: فالعقل لا يكون كل الواقع في ذاته، إلا لأنه يصير هذا الواقع، أو بالأحرى يبرهن على أنه كذلك». هكذا تكون الحياة الخالية من العقل، حياة لا تليق بالإنسان، بل بالحيوان؛ الإنسان حيوان عاقل، ومن فرط بعقله ظل وجوده ناقصا من الإنسانية.

كاتب مغربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب