المؤتمر الثامن لحركة فتح: بوابة العبور للوحدة وتوحيد الصفوف ومواجهة التحديات والمخاطر التي تتهدد القضية الفلسطينية

المؤتمر الثامن لحركة فتح: بوابة العبور للوحدة وتوحيد الصفوف ومواجهة التحديات والمخاطر التي تتهدد القضية الفلسطينية
إعداد: المحامي علي أبو حبلة –
مقدمة
في لحظة فارقة من تاريخ القضية الفلسطينية، تقف حركة “فتح” أمام مفترق طرق حاسم، لا يتعلق فقط بمصيرها كحركة تحرر وطني، بل بمستقبل المشروع الوطني الفلسطيني بأكمله. وفي ظل التحديات غير المسبوقة التي تواجهها القضية الفلسطينية – من تغول الاستيطان، وانسداد الأفق السياسي، إلى هشاشة النظام السياسي الفلسطيني الداخلي – يأتي المؤتمر الثامن لحركة فتح ليشكل محطة استراتيجية، وفرصة تاريخية لإعادة بناء الذات التنظيمية، وتوحيد الصف الوطني، والتأسيس لمرحلة جديدة عنوانها الشراكة والتجديد والشرعية.
أولاً: المؤتمر الثامن… ضرورة وطنية وتنظيمية ملحّة
لم يعد انعقاد المؤتمر الثامن لحركة “فتح” مجرد استحقاق تنظيمي مؤجل، بل أصبح أولوية وطنية تمليها الحاجة لإعادة تعريف دور الحركة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، وتراجع الحالة الفلسطينية العامة. منذ المؤتمر السابع في عام 2016، تغيرت ملامح الواقع السياسي الفلسطيني، وتفاقمت الأزمات، بينما بقيت البنية التنظيمية للحركة دون تجديد فعلي أو مراجعة ذاتية حقيقية.
لقد نص النظام الداخلي لحركة “فتح” في مادته التاسعة والعشرين على أن المؤتمر العام هو “السلطة العليا في الحركة”، وهو الجهة المخولة بإقرار السياسات واختيار القيادة، مما يفرض عقده ضمن آليات ديمقراطية شفافة تُعيد الاعتبار للقاعدة التنظيمية، وتُرسّخ مبدأ المحاسبة والتجديد.
ثانيًا: توحيد الحركة شرط مسبق لتوحيد الساحة الوطنية
لا يمكن لحركة “فتح” أن تؤدي دورها التاريخي في المشروع الوطني دون أن تعيد ترتيب صفوفها الداخلية. من هنا، فإن المصالحة التنظيمية، وقرار العفو عن المفصولين الذي اتخذه الرئيس محمود عباس في مارس 2025، يجب أن يُستكمل بخطوات عملية تشمل:
دمج الكوادر والكفاءات وفق معايير الكفاءة والانتماء، لا الولاء والمحسوبية.
إطلاق حوار داخلي صريح يفتح الأبواب أمام كافة الأصوات والتوجهات داخل الحركة.
تجديد الشرعيات التنظيمية عبر مؤتمرات الأقاليم، وتفعيل الانتخابات الداخلية.
هذه الخطوات تمهّد لمؤتمر موحِّد يعيد الثقة بين القيادة والقاعدة، ويؤسس لانطلاقة جديدة قوامها الشفافية والشراكة.
ثالثًا: من التنظيم إلى الاستراتيجية الوطنية
ما تحتاجه “فتح” اليوم ليس فقط تجديد الوجوه، بل تجديد الرؤية الوطنية. وهذا يقتضي أن يُنتج المؤتمر الثامن برنامجًا سياسيًا جديدًا يواكب التحديات، ويُجيب عن أسئلة المرحلة، من أبرزها:
كيف تتعامل الحركة مع انسداد المسار السياسي، وتحول الاحتلال إلى نظام فصل عنصري معلن؟
ما هو موقفها من التسوية، في ظل غياب مرجعية دولية فاعلة وتواطؤ بعض الأطراف الإقليمية؟
كيف تُعيد تموضعها ضمن خريطة التحالفات الإقليمية في زمن الاصطفافات والمحاور؟
ما هي رؤيتها لاستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام مع قطاع غزة؟
إن بلورة استراتيجية فتحاوية شاملة، تكون بمثابة برنامج تحرري جامع، تتقاطع فيه الأبعاد السياسية والدبلوماسية والميدانية، يشكل المهمة الأبرز لهذا المؤتمر.
رابعًا: الانتقال السلس للسلطة… مسؤولية تاريخية
الرئيس محمود عباس، باعتباره آخر المؤسسين التاريخيين على رأس السلطة، يتحمل اليوم مسؤولية مضاعفة في ضمان انتقال آمن وسلس للقيادة، وفق مقتضيات القانون الأساسي الفلسطيني، وميثاق منظمة التحرير، وفي إطار من الشرعية الديمقراطية.
فأي انتقال خارج صندوق الاقتراع سيُفقد النظام السياسي شرعيته، ويفتح الباب أمام التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية. إن “الخلافة الآمنة” لا تعني الاتفاق على شخص بعينه، بل الاتفاق على آلية ديمقراطية حرة تضمن التمثيل الحقيقي، وتعيد ثقة الشارع الفلسطيني بالقيادة.
خامسًا: استعادة المشروع الوطني من خلال وحدة الفصائل
حركة “فتح”، بصفتها العمود الفقري للنظام السياسي الفلسطيني، لا تستطيع أن تنجح في مشروعها دون التوافق مع بقية مكونات الحركة الوطنية. وعليه، فإن المؤتمر يجب أن يضع في أولوياته:
تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
إنهاء الانقسام السياسي، واستعادة قطاع غزة إلى الشرعية الوطنية.
تشكيل جبهة وطنية عريضة تواجه التحديات الاستراتيجية.
فتح المجال أمام الشراكة الشبابية والنسائية، وتفعيل الأطر النقابية والمجتمعية.
سادسًا: من التجاذب إلى الوحدة… ومن الفئوية إلى الشراكة
لقد أضعفت لغة المحاور والاصطفافات التنظيمية هيبة الحركة، وأفرغت تجربتها من بعدها النضالي. إن مواجهة التحديات تتطلب قطيعة نهائية مع:
منطق الإقصاء التنظيمي.
الولاءات الشخصية والعصبيات المناطقية.
التجاذبات بين أجنحة التنظيم على حساب البوصلة الوطنية.
بدلاً من ذلك، يجب إرساء ثقافة الشراكة، وبناء مؤسسة تنظيمية حديثة، تُدار بالكفاءة والمهنية، وتحتكم إلى المعايير وليس الأشخاص.
خاتمة: المؤتمر بوابة عبور أم محطة تفكك؟
إن المؤتمر الثامن لحركة “فتح” سيكون، بلا مبالغة، لحظة فاصلة بين خيارين:
إما أن يكون بوابة عبور حقيقي نحو الوحدة الوطنية، وإعادة بناء المؤسسات، وتجديد الحركة سياسيًا وتنظيميًا.
أو أن يكون محطة جديدة للتفكك، والارتداد نحو صراعات داخلية تُضعف الحركة وتُجهز على ما تبقى من المشروع الوطني.
المطلوب هو الخيار الأول. والمؤتمِرون اليوم أمام مسؤولية تاريخية لا تُغتفر في حال التقاعس. فالتاريخ لا يرحم، والشعب الفلسطيني الذي يواجه الاحتلال والحصار والجوع والتطهير العرقي، يستحق من قيادته وقفة وطنية تُعلِّي من المصلحة العليا على كل ما دونها.
إن نجاح المؤتمر الثامن مرهون بالإرادة السياسية، والرؤية الواضحة، والاستعداد للتغيير الجاد… فهل الفتحاويون على قدر اللحظة والمسؤولية وهم كذلك؟