رئيسيالافتتاحيه

زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي لمستوطنة “أريئيل”: شرعنة للاستيطان وتحدٍ للقانون الدولي

زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي لمستوطنة “أريئيل”: شرعنة للاستيطان وتحدٍ للقانون الدولي

بقلم رئيس التحرير  –

مقدمة:

في خطوة أثارت موجة من الاستياء والاستنكار، أقدَم رئيس مجلس النواب الأمريكي على زيارة مستوطنة “أريئيل”، المقامة على أراضٍ فلسطينية محتلة شمال الضفة الغربية. هذه الزيارة، وإن بدت في ظاهرها “رمزية” أو “ذات طابع شخصي”، إلا أنها تحمل في مضمونها أبعادًا سياسية وقانونية خطيرة، كونها تأتي من شخصية تمثل أحد أعلى المناصب التشريعية في الولايات المتحدة، وتتم في وقت يتصاعد فيه التوتر في الأراضي الفلسطينية وتُرتكب فيه انتهاكات جسيمة بحق المدنيين الفلسطينيين.

أولًا: الاستيطان في القانون الدولي – بطلان مطلق

بحسب القانون الدولي، فإن جميع أشكال الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة – بما فيها القدس الشرقية – غير شرعية وتشكل انتهاكًا صريحًا لاتفاقيات دولية ملزمة، وعلى رأسها:

اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وخاصة المادة (49)، التي تحظر على دولة الاحتلال نقل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها.

قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016، الذي يؤكد أن إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 “لا يحمل أي شرعية قانونية” ويمثل “انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي”.

الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (2004) بشأن جدار الفصل العنصري، الذي أكد أن جميع المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة غير قانونية.

وعليه، فإن زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي لمستوطنة “أريئيل” تُعد مشاركة سياسية ومعنوية في خرق القانون الدولي، وتقويضًا مباشرًا لأي مسعى دبلوماسي جاد لحل الدولتين.

ثانيًا: ازدواجية الموقف الأمريكي – بين التصريحات والممارسة

الولايات المتحدة دأبت، على مدار السنوات الماضية، على الإعلان – ولو شكليًا – عن رفضها لسياسة التوسع الاستيطاني واعتداءات المستوطنين. ومع ذلك، فإن هذه الزيارة تكرّس حالة الازدواجية السياسية في الموقف الأمريكي، حيث يتم التنديد بالاستيطان في البيانات الرسمية، بينما تُتخذ خطوات عملية على الأرض تُفهم ضمنًا على أنها دعم وتشجيع للمستوطنين.

إن زيارة شخصية رفيعة كهذه إلى مستوطنة غير قانونية تعني:

تبييض صورة الاستيطان لدى الرأي العام الأمريكي والدولي.

تشجيع القيادة الإسرائيلية على التمادي في سياساتها التوسعية دون الخشية من تبعات دبلوماسية أو قانونية.

تقويض مصداقية واشنطن كوسيط نزيه في عملية السلام، وهو ما يتعارض مع التزاماتها المعلنة في إطار “خريطة الطريق” واتفاقيات أوسلو.

ثالثًا: أثر الزيارة على فرص السلام ومبدأ حل الدولتين

تأتي هذه الزيارة في لحظة سياسية بالغة التعقيد، حيث يواجه مشروع حل الدولتين تهديدًا وجوديًا بفعل الزحف الاستيطاني المتواصل، وتفكيك الترابط الجغرافي بين المدن والقرى الفلسطينية، إلى جانب التصعيد العسكري المستمر في غزة والضفة الغربية.

إن التطبيع السياسي مع المستوطنات – عبر زيارات مسؤولين دوليين – يساهم في:

تحويل الواقع الاستيطاني إلى أمر واقع “مقبول”، بدلًا من كونه “مؤقتًا ومرفوضًا”.

تصفية تدريجية لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتحويلها إلى “كانتونات معزولة”.

تغذية مشاعر الغضب والرفض لدى الشارع الفلسطيني، بما يعزز مناخات التطرف ويدفع باتجاه التصعيد

رابعًا: دعوة فلسطينية لموقف عربي ودولي حازم

إن استمرار بعض الشخصيات الدولية – وخاصة الأمريكية – في التعامل مع المستوطنات كجزء طبيعي من “إسرائيل الكبرى”، يتطلب موقفًا فلسطينيًا وعربيًا حازمًا، يقوم على:

  1. مطالبة الإدارة الأمريكية بتوضيح موقفها الرسمي من هذه الزيارة، وما إذا كانت تعبّر عن توجّه رسمي للكونغرس.
  2. رفع شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ضد هذه الزيارة باعتبارها دعماً مباشراً للاستيطان، في انتهاك لقرار مجلس الأمن 2334.
  3. دعوة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ مواقف علنية واضحة تدين الزيارة وتعيد التأكيد على عدم شرعية أي وجود إسرائيلي خارج حدود 1967.
  4. تفعيل الدبلوماسية الفلسطينية في المحافل الدولية، والتأكيد على أن الصمت تجاه هذه الانتهاكات يرقى إلى التواطؤ.

إن زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي إلى مستوطنة “أريئيل” ليست مجرد خطوة رمزية، بل تعكس انحيازًا صارخًا للاحتلال، وتُعد سابقة خطيرة في تشريع الاستيطان على المستوى الدولي. وهي تشكّل صفعة لكل الجهود الرامية إلى إعادة إحياء عملية السلام، وتؤكد ضرورة إعادة تقييم الدور الأمريكي في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي.

إن مواجهة هذه الخطوات تتطلب خطابًا فلسطينيًا موحدًا وحراكًا دبلوماسيًا وشعبيًا متواصلاً يفضح الانحياز ويُعرّي ازدواجية المعايير، لأن السكوت عن مثل هذه الانتهاكات هو ما يغذي الاستبداد والعدوان، ويفتح الباب أمام مزيد من التهويد والضم وتقويض حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

هوامش قانونية:

  1. المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة – ICRC, 1949.
  2. قرار مجلس الأمن رقم 2334 (2016) – United Nations Security Council Resolution 2334
  3. رأي محكمة العدل الدولية بشأن الجدار العازل – ICJ Advisory Opinion, 2004.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب