مقالات

هكذا ينظر الأمريكيون للمقاومة

هكذا ينظر الأمريكيون للمقاومة

علي محمد فخرو

بينّا في مقالة الأسبوع الماضي كيف يتلاعب الاستعمار المركب الغربي ـ الصهيوني بالعقول الجماهيرية العربية، من خلال فتح معارك جانبية، من كل الأنواع، وعلى كل المستويات وبسمّيات خادعة مضلّلة، تتنقل من قطر إلى قطر، ومن موسم إلى موسم، من أجل إبعادها عن التفكير والتبني لأيديولوجيات واستراتيجيات عربية تحليلية وتشخيصية وعلاجية متكاملة شاملة.
وها أنه يلعب اللعبة إياها بالنسبة لموضوع المقاومة العربية للغزو الصهيوني الاستئصالي لفلسطين كلها، ولأجزاء من لبنان وسوريا والأردن ومصر، بمسميات وادعاءات كاذبة ووهمية. تتألف المحاولة الجديدة من مطلبين: اعتبار المقاومة ضد الكيان الصهيوني إرهاباً، وبالتالي فإن مقاوميه بالسلاح، يجب أن يجردوا من سلاحهم، بل ينتهي وجودهم السياسي. وبالإسم يشار إلى تجريد حماس في فلسطين وكل الفصائل الفلسطينية في لبنان، وحزب الله في الجنوب اللبناني وقوى الحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، تجريدهم من سلاحهم، واعتبار تنظيماتهم إرهابية خارج القانون.

لا تكتفي أمريكا بتقديم المساعدات المالية والتسهيلات الاقتصادية والتكنولوجيا المتطورة الحربية، ومنع مجلس الأمن من اتخاذ قرارات رادعة، وإنما تريد منع كل أنواع المقاومة للكيان الاستيطاني الدموي

وتُغلّف تلك المطالب الاستعمارية وتُفعّل بابتزازات اقتصادية، أو مالية، أو أمنية، وبليّ موجع انتهازي لذراع هذا المسؤول أو ذاك، وبمنعٍ لأية جهة عربية من أن تساعد وتنتشل هذا القطر أو ذاك، وبتجييش لكل الأسرار الكاذبة التي يملكها الموساد الصهيوني وسي آي إي الأمريكي والاستخبارات الغربية المطيعة. وهكذا لا تكتفي الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم المساعدات المالية والتسهيلات الاقتصادية والتكنولوجيا المتطورة الحربية، ومنع مجلس الأمن من اتخاذ قرارات رادعة، والدخول نيابة عن الكيان الصهيوني في معركة مع المحاكم الحقوقية الدولية المختلفة، والدفع ليل نهار إلى مزيد من التطبيع مع هذا الكيان. لا تكتفي بذلك وإنما تريد منع كل أنواع المقاومة لهذا الكيان الاستيطاني الدموي.
هذا الغرب بالفعل محير. فعندما احتلت ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية فرنسا، وتكونت مقاومة فرنسية شعبية مسلحة عنفية لذلك الاحتلال، سمّيت تلك المقاومة بشتى النعوت البطولية الشرعية والحقوقية الرافعة للرأس. أما أن تقوم مقاومة شعبية عربية ضد غزو واحتلال كامل، أو جزئي صهيوني لعدد من البلدان العربية، فإن ذلك إرهاب ضد دولة مسالمة.
وعندما مارس النازيون الألمان الهولوكوست ضد اليهود في أوروبا فإنه ارتكب جريمة إنسانية أثيرت باسمها حرب عالمية كبرى، أما عندما يمارس المستوطنون الصهاينة الهولوكوست ضد شعب فلسطين، فإن الاعتراض عليه يعتبر معاداة للسامية. وعندما تحاول إيران أن تطور قدراتها النووية لحماية نفسها من القدرات الهائلة النووية الأمريكية والصهيونية، تعتبر دولة تهدد السلام العالمي، أما أن تمتلك أمريكا والكيان الأطنان من القنابل الذرية، فهذا من أجل ردع الاعتداء عليهما وعيشهما في سلام. وهذا ليس بمستغرب إذ أن الإمبريالية الغربية الصهيونية، مارست مثل هذه المواقف عندما صنفت في الماضي حركات التحرر الجزائرية والمصرية والخليجية، على سبيل المثال، بأنها حركات إرهابية. هذا التخريف ليس بمستغرب صدوره على الأخص من دولة تحرك سياستها الخارجية مشاعر دينية غامضة كأمريكا . يذكر ذلك التأثير الديني في السياسة الخارجية الأمريكية الكاتب الإنكليزي جون جري، الذي يقول إنه لا يمكن فهم السياسة الخارجية الأمريكية، إلا من خلال التعرف على قوة المشاعر الدينية في الثقافة الأمريكية، التي تجعل البيت الأبيض والكونغرس لا يريان أحداث العالم إلا من خلال فكرة تقابل الخير والشر. وعليه فما دام رؤساء أمريكيين من أمثال بايدن وترامب يعتبرون أنفسهم صهيونيين فإنهم لا يمكن إلا أن يتبنّوا الأساطير الدينية، كخلفيات ومحركات للسياسة في الداخل والخارج، فالمقاومة هي الشر وحكومة نتنياهو هي الخير.
يبدو ذلك واضحاً في خطابات وتعليقات الرئيس ترامب: إنها خليط من ظواهر أمراض نفسية جامحة، وهلوسات دينية في شخصية تحاول أن تستعيد ما تخيله الأمريكيون الأوائل، من أنهم أمة قادرة على خلق عالم جديد، ومن أن نوعية الحياة في أمريكا التي جاؤا بها لم ير أحد مثلها، إنها عالم جديد فذ، كما قال مفكرهم توماس بن، وأن الشعب الأمريكي هم الشعب المختار، أي إسرائيل الأزمنة الحديثة، كما قال الكاتب هيرمان ملفيل. من يقول كل ذلك، هل يعقل أنه يصنف الوجود الصهيوني بغير تعابير الخير والشر، وهو ما تفعله أمريكا بحق المقاومة العربية، انسجاماً مع نفسها وخدمة لربيبتها الصهيونية.
يبقى أخيراً ما يجب أن نقوله بكل صراحة وشعور بالأسى: كيف تسمح بعض أنظمة الحكم العربية والإسلامية أن تساير المنطق نفسه، وتنادي بأن الوقت قد حان لأن يكون السلاح فقط في يد الدولة، والدولة فقط، أي أن تجرّد المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني، أينما تكون، من سلاحها، على الرغم مما يفعله النظام الرسمي الصهيوني، والمستوطنون الصهاينة من جرائم إبادة واعتداءات متوحشة حقيرة بحق شعب فلسطين وكل شعب عربي يحدث أن يقع تحت سلطتهم في أي بقعة من الوطن العربي. يا للفضيحة الجديدة في الحياة السياسية العربية ويا للعار.
كاتب بحريني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب