نتنياهو وائتلافه.. وانتظار الانتخابات: حتى “السبت المقدس” لن يمنعنا من عرقلة وصول المساعدات لغزة

نتنياهو وائتلافه.. وانتظار الانتخابات: حتى “السبت المقدس” لن يمنعنا من عرقلة وصول المساعدات لغزة
آفي اشكنازي
قصة واحدة صغيرة عن هذه الوضعية، التي يكون فيها الجيش الإسرائيلي مطالباً بالسير على أطراف الأصابع في سلوكه في القتال في قطاع غزة في الأيام والأسابيع الأخيرة. في الليلة التي بين الخميس والجمعة الأخيرة، كان يفترض بالجيش أن يدخل قافلة مساعدات من بضع عشرات الشاحنات من معبر اللنبي إلى معبر زيكيم. رحلة متواصلة من ساعتين على الأكثر. لكن هذه العملية استمرت لأكثر من تسع ساعات عندما كان عشرات جنود الاحتياط مطالبين بحراسة الخطوة.
السبب: كمين لمتظاهري اليمين أرادوا تشويش نقل المساعدات. وحسب أحد القادة العسكريين، جند المتظاهرون سلاحاً جديداً – قديماً: فتيات ركضن لينبطحن أمام الشاحنات ويسددن طريقها بأجسادهن – في ظل خطر حقيقي على حياتهن.
“في مثل هذا الوضع، يكون أفراد الشرطة من وحدة “يسم” الخاصة والمقاتلون مقيدين، إذ محظور الإمساك بتلك الفتيات. هناك حاجة لشرطيات أو مجندات لإخلائهن. هذا يحدث لنا الكثير من المصاعب. بدلاً من توجيه القوات إلى مهام قتالية، ننشغل بأعمال فرض النظام والحراسة”، روى بإحباط أحد القادة.
يتخذ الجيش الإسرائيلي الآن خطوات إبداعية لمنع تشويش حركة قوافل المؤن. مثلاً، تركيز الجهد في أثناء السبت، من ليل الجمعة وحتى خروج السبت – على افتراض أن المتظاهرين يحترمون السبت. أو تنفيذ عمل سري، حين يبقي الجيش مواعيد حركة الشاحنات في السر.
المشكلة ليست في سد طريق الشاحنات فقط، بل في شيء أوسع بكثير. تبلغ قيادة المنطقة الوسطى في الأسابيع الأخيرة عن ميل متسع لأحداث عنف قاسية من جانب نشطاء يمين متطرف في مناطق الضفة
الموضوع أن المشكلة ليست في سد طريق الشاحنات فقط، بل في شيء أوسع بكثير. تبلغ قيادة المنطقة الوسطى في الأسابيع الأخيرة عن ميل متسع لأحداث عنف قاسية من جانب نشطاء يمين متطرف في مناطق الضفة. ويقول مصدر عسكري “هذا ليس ارتفاعاً في كمية أحداث الإرهاب اليهودي، بل وفي ازدياد خطورته. نرى تعاظماً في حالات إحراق بيوت وسيارات، ورشق الحجارة، وأعمال عنف قاسية. ثمة فرق بين كتابة الشعارات على الحيطان وإحراق مبنى أو رشق حجارة على الجنود”.
هنا أيضاً، اضطر الجيش و”الشاباك” مؤخراً إلى السير على البيض. يلمح الجيش بأن لهذه الجماعات العنيفة ظهراً وأكتافاً. لم يعد غمزاً هذا أو غض نظر، بل أكثر بكثير. لا يرى وزير الدفاع إسرائيل كاتس، في أحداث من هذا النوع، يقوم بها يهود، أعمال إرهاب بل جريمة فقط. وهذا أحد الأسباب التي جعلته يتخذ القرار موضع الخلاف – إلغاء جارف للاعتقالات الإدارية للمشبوهين بأعمال الإرهاب اليهودي.
كما أن انشغال الجيش و”الشاباك” اليومي في أرجاء الضفة حيال أعمال العنف من جماعات اليمين المتطرف ضد السكان الفلسطينيين، يجبرهم على توجيه مقدرات كثيرة ليست دوماً في متناول اليد، والأمر يثقل العبء على الجيش وجهاز الأمن.
لكن هذا كله ليس سوى المقدمة للحدث الكبير: قرار الحكومة السير إلى خطوة قوية أخرى في غزة. بداية، طرح طلب احتلال كل القطاع. في أثناء حملة “عربات جدعون”، أعطى الجيش المستوى السياسي امتناناً كبيراً للقيام بخطوة لتحرير مخطوفين في مفاوضات مع حماس. غير أن سلوك المستوى السياسي، برئاسة نتنياهو والوزير رون ديرمر، أدى إلى انهيار المحادثات.
مع كل الاحترام لديرمر – نوع من “سائح أمريكي”، وصل إلى إسرائيل وإلى الشرق الأوسط مؤخراً – فإن معرفته بالمنطقة وعقليتها بعيدة سنوات ضوء إزاء ما يعرفه المديرون الإسرائيليون السابقون للمفاوضات: رئيس الموساد دادي برنياع، ورئيس “الشاباك” السابق رونين بار، واللواء احتياط نيتسان ألون. يمكن انتقادهم، يمكن الثناء عليهم، لكن لا يمكن الجدال مع حقيقة أنهم عندما أداروا المفاوضات وصلوا إلى نتائج: صفقات لتحرير مخطوفين. ما لم ينجح في عمله الوزير “السائح الأمريكي” ديرمر.
بسبب فشل ديرمر وبسبب ضغط وزراء اليمين المتطرف، قرر رئيس الوزراء الخطوة الأهم التي يمكن لإسرائيل أن تنفذها: إلقاء كل ذخيرة، كل القدرات العسكرية للجيش، على غزة، فيما الهدف حسم المعركة مع حماس – بكل ثمن. وعندما نتحدث عن الأثمان، فالمقصود أولاً وقبل كل شيء حياة المخطوفين الأحياء، وإيجاد المخطوفين الأموات. ينبغي أن يضاف إلى هذا المصابون في المعركة من بين جنود الجيش وإنهاك قوات النظامي، الاحتياط والدائم.
وقائمة “الأثمان” طويلة: تآكل الأسلحة، الدبابات، الطائرات والمخزونات من القذائف وتآكل الجيش عندما لا يتدرب ولا يحرص على إنعاش القوات المناورات لنحو سنتين. إضافة إلى ذلك، لا يتم الانشغال ببناء القوة للمستقبل حيال جبهات نشطة مثل إيران، سوريا، لبنان، اليمن، الضفة وغيرها.
إن مهمة المستوى السياسي هي أن يكون الراشد المسؤول. من المحبط أن يرى المرء ويحسب الخطوات للمستقبل. فسلوك المستوى السياسي الأخير، الذي ينجر وراء الوزراء سموتريتش وأوريت ستروك وبن غفير، أدى بنا إلى طريق بلا مخرج – إلى خطوة حماس التي خرجت في حملة التجويع، وإلى انهيار المحادثات دون أن يتحرر المخطوفون في اتفاق.
الآن يحاول المستوى السياسي خلق خطوة قتالية يحذر منها قادة الجيش، الذين يوضحون بأن هذه مغامرة بمخاطرة عالية. واضح أنهم لا يسيرون إلى احتلال كل القطاع، ولا إلى احتلال كل مدينة غزة، بل إلى خلطة من مصنع نتنياهو، إلى خطوة “سيطرة”. ما هذه؟ سؤال جيد. نوع من تطويق زائد أو احتلال ناقص.
التقدير هو أن الحديث يدور عن خطوة أخرى لشراء وقت للائتلاف، كي يتمكن نشطاء اليمين من مواصلة العربدة وصد الطريق على شاحنات المؤن أو إضرام النار في القرى والممتلكات الفلسطينية والامتناع عن سن قانون تجنيد يلزم الحريديم أيضاً بالدخول إلى ما تحت حمالة الجرحى. وعلى الطريق، استمرار الحرب كوسيلة أخرى بتأجيل موعد إجراء الانتخابات.
معاريف 10/8/2025




