تعيين حاكم لقطاع غزة خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية: قراءة سياسية وقانونية في ضوء الشرعية الدولية ورفض استنساخ نموذج العراق (2003)

تعيين حاكم لقطاع غزة خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية: قراءة سياسية وقانونية في ضوء الشرعية الدولية ورفض استنساخ نموذج العراق (2003)
بقلم:رئيس التحرير
المقدمة
يُعدّ قطاع غزة جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويشكّل مع الضفة الغربية والقدس وحدة جغرافية وسياسية واحدة[1]. منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بموجب قرارات الأمم المتحدة[2]، وأي محاولة لتعيين حاكم أو إدارة خارج إطارها، تمثل انتهاكًا للقانون الدولي، وتقويضًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتكرارًا لنماذج انتدابية فاشلة كما حدث في العراق عام 2003.
أولًا: الإطار القانوني الدولي
- حق تقرير المصير ووحدة الأراضي الفلسطينية
أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 3236 (1974) على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة، وعلى وحدة أراضيه وعدم جواز تجزئتها[3].
القرار رقم 67/19 (2012) اعترف بفلسطين كدولة بصفة مراقب غير عضو، على أساس حدود 1967، بما يشمل غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية[4].
- وضع الأراضي المحتلة
اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، المادة 47: “لا يحرم الأشخاص المحميون في أي حال أو بأي كيفية من الانتفاع بأحكام هذه الاتفاقية، سواء نتيجة لأي تغيير يحدث بسبب احتلال أراضيهم…”[5].
هذا النص يمنع القوة القائمة بالاحتلال من إجراء تغييرات على البنية الإدارية والسياسية التي تمس الحقوق الأساسية للسكان.
- مسؤوليات القوة القائمة بالاحتلال
المادة 64 من الاتفاقية ذاتها تنص على استمرار تطبيق القوانين المحلية القائمة إلا إذا مُنعت بموجب الاحتلال، ولا يحق للقوة المحتلة فرض تغييرات جذرية في النظام السياسي والإداري إلا إذا كان ذلك ضروريًا لأمنها أو لصالح السكان[6].
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الجدار (2004) أكد أن الأراضي الفلسطينية، بما فيها غزة، تخضع لحق تقرير المصير، وأن أي إجراءات تمس وحدتها الإقليمية تمثل انتهاكًا للقانون الدولي[7]
ثانيًا: المخاطر السياسية والاستراتيجية
- فقدان الشرعية الوطنية
إن تعيين حاكم خارج إطار منظمة التحرير يخلق مرجعية بديلة ويقوّض مؤسسات السلطة الشرعية، ما يُضعف تمثيل الفلسطينيين دوليًا ويكرّس الانقسام بين الضفة وغزة.
- إدامة الانقسام السياسي
الإدارة المفروضة خارجيًا تفتح الباب لصراعات داخلية، وتعزز مناخات الانفصال السياسي، وتضعف قدرة الفلسطينيين على التفاوض الموحد.
- الإضرار بالاعتراف الدولي بفلسطين
أي حكومة أو إدارة لا تنبثق من الإطار الشرعي الفلسطيني قد تفقد الاعتراف الدولي، وقد تعتبرها الأمم المتحدة «كيانًا مفروضًا بالقوة» مخالفًا للقانون الدولي الإنساني.
ثالثًا: مقارنة مع نموذج العراق (2003)
بعد الغزو الأمريكي للعراق، عُيّن بول بريمر حاكمًا مدنيًا (Coalition Provisional Authority) بقرار من سلطة الاحتلال[8]، مما أدى إلى:
- حل مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، وخلق فراغ إداري وأمني.
- فقدان الشرعية المحلية وتفاقم المقاومة المسلحة.
- فرض إصلاحات سياسية واقتصادية دون توافق وطني، ما أدى لانهيار البنية الاجتماعية.
استنساخ هذا النموذج في غزة سيؤدي حتمًا إلى زعزعة الاستقرار، وتعميق الانقسام، وإضعاف مؤسسات الدولة الفلسطينية.
رابعًا: الأبعاد القانونية لفرض إدارة خارجية على غزة
- انتهاك حق تقرير المصير: القرار 2625 (1970) يؤكد عدم جواز إخضاع الشعوب المستعمرة أو المحتلة لأي تغيير في وضعها السياسي دون إرادتها[9].
- تغيير غير مشروع للوضع القانوني: المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر أي تعديل في الوضع السياسي أو القانوني للأراضي المحتلة.
- مسؤولية دولية: المادة 1 من الاتفاقية تلزم جميع الأطراف السامية المتعاقدة بضمان احترام الاتفاقية في جميع الأحوال[10].
خامسًا: توصيات سياسية وقانونية
- التمسك بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد، ورفض أي سلطة موازية.
- اللجوء للآليات الدولية: إحالة أي محاولة لفرض إدارة خارجية إلى مجلس الأمن والجمعية العامة.
- تعزيز الوحدة الوطنية: تشكيل حكومة وحدة أو إدارة مشتركة مؤقتة بتوافق وطني.
- تحذير المجتمع الدولي من سابقة العراق: عدم السماح بإعادة إنتاج نموذج الحاكم المدني تحت غطاء إنساني أو أمني.
الخاتمة
إن أي محاولة لتعيين حاكم على غزة خارج إطار منظمة التحرير تمثل انتهاكًا للشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتفتح الباب لتداعيات سياسية وأمنية وإنسانية خطيرة، وتعيد إنتاج تجارب انتدابية فاشلة كما حدث في العراق. حماية وحدة الأرض والشعب الفلسطيني ليست فقط واجبًا وطنيًا، بل التزام قانوني دولي على جميع الأطراف احترامه.
الهوامش والمراجع
[1] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3236 (1974). [2] قرار الجمعية العامة 3237 (1974) بمنح منظمة التحرير صفة مراقب. [3] المرجع نفسه. [4] قرار الجمعية العامة 67/19 (2012). [5] اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 47. [6] اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 64. [7] محكمة العدل الدولية، الرأي الاستشاري بشأن الجدار، 9 يوليو 2004. [8] Coalition Provisional Authority Order Number 1, 2003. [9] إعلان مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية، قرار الجمعية العامة 2625 (1970). [10] اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 1.