الصحافه

“لا يمكننا أن نظل متفرجين”.. دبلوماسيون سابقون يطالبون باستعادة المبادرة في الشرق الأوسط

“لا يمكننا أن نظل متفرجين”.. دبلوماسيون سابقون يطالبون باستعادة المبادرة في الشرق الأوسط

باريس- : في مقال مشترك، على شكل نداء، نشروه بصحيفة “لوموند” الفرنسية، دعا 35 سفيرًا فرنسيًا سابقًا حكومة بلادهم إلى العودة للدفاع عن القانون الدولي في الملفات البارزة في الشرق الأوسط، مُعتبرين إلى أن تَحفُّظ فرنسا “قد أدى أحياناً إلى التقليل من خطورة بعض الحقائق”.

اعتبر الموقعون على المقال أن تطبيق إجراءات مستوحاة من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف ونظام روما، هو السبيل الوحيد لإعادة صوت فرنسا ودورها في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية

جاء في النداء: في الوقت الذي تُكثّف فيه إسرائيل، وبلا أي عقاب، مشروعها لتدمير شعب بأكمله، وتسرّع وتيرة استعمارها للضفة الغربية لعرقلة أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، لا يمكننا أن نظل متفرجين. لذلك، فإن قرار رئيس الجمهورية الاعتراف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة المقبلة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل هو قرار في غاية الأهمية. وقد تبعنا في ذلك بعض الشركاء. لكن، وفي ظل عدم احترام القانون الدولي، فإن هذا الإعلان غير كافٍ.

واعتبر الدبلوماسيون الفرنسيون السابقون أن البيان الختامي للمؤتمر الذي ترأسته فرنسا والسعودية في أواخر يوليو/تموز في الأمم المتحدة ينص على اعتراف تدريجي وشرطي بالدولة الفلسطينية، في حين أن الوضع يقتضي التحرك العاجل. وإذا كان من اللازم وضع شروط لضمان قيام دولة قابلة للحياة، فإن الاعتراف الفوري وأحادي الجانب يظل خطوة سياسية تعكس إيماناً بهذا الحق، في مواجهة إنكاره من قبل إسرائيل.

وشدد الدبلوماسيون الفرنسيون السابقون على أن الوقت قد حان لأن تستعيد فرنسا المبادرة في هذا الملف – بعد عشر سنوات من اعتراف السويد بدولة فلسطين، وبعد عام واحد من اعتراف كل من إسبانيا، وإيرلندا وسلوفينيا والنرويج؛ معتبرين أن احترام القانون الدولي، الذي كان يوماً ما بوصلة سياسة باريس الخارجية، بات مهدداً بالتراجع تحت ضغط الشكوك أو العداء من بعض الأطراف على الساحة الدولية، وكذلك بسبب تغليب المصالح والتحالفات. وأشاروا إلى أن موقف فرنسا القانوني تجاه العراق عام 2003 نجده اليوم تجاه أوكرانيا، لكنه يغيب عن الشرق الأوسط، حيث تتهم فرنسا باتباع “سياسة الكيل بمكيالين”.

تردد وارتباك

وحذر الموقعون على المقال المشترك هذا بصحيفة “لوموند” من أن هذا التغيير العميق يضر بصورة ومكانة فرنسا في العالم. فبعد أن كانت دبلوماسيتها تُعتبر مستقلة وعادلة، أصبحت اليوم أقل وضوحاً. وعندما تتخذ دول أخرى في الاتحاد الأوروبي مواقف أكثر تقدماً من مواقف باريس بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يشعر كثيرون في الشرق الأوسط بخيبة أمل، بل وبالخيانة.

دبلوماسيون فرنسيون سابقون: عندما تتخذ دول أخرى في الاتحاد الأوروبي مواقف أكثر تقدماً من مواقف باريس بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يشعر كثيرون في الشرق الأوسط بخيبة أمل، بل وبالخيانة

وأوضح سفراء فرنسا سابقًا أنهم استنكروا الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن هذا لا يمكن أن يبرر التطهير العرقي للشعب الفلسطيني؛ معتبرين أن حكومة بلادهم تأخرت كثيراً في التعبير عن استيائها من العدد المتزايد للضحايا المدنيين الفلسطينيين في غزة جراء العمليات التدميرية، والنزوح القسري المتكرر للسكان، والتأثيرات الكارثية للحصار الغذائي والصحي، وفي الضفة الغربية جراء عنف المستوطنين الذي لا تتم معاقبته.

كما رأى الدبلوماسيون السابقون أن تردد فرنسا في إدانة الانتهاكات في غزة يعود جزئياً إلى رغبتها في البقاء طرفاً يمكنه الحوار مع إسرائيل والولايات المتحدة، رغم قلة الاحترام التي أبدتها قياداتهما تجاهها، بل وأحياناً الإهانات أو الاتهامات بمعاداة السامية. وقد أدى هذا التحفظ إلى التقليل من خطورة أفعال كان من شأنها أن تمس بمصداقية فرنسا.

واعتبر الموقعون على المقال أن الخلط السريع في فرنسا بين أي انتقاد قوي لسياسة إسرائيل ومعاداة السامية يؤدي إلى البلبلة، ويغذي أكثر الدعايات تطرفاً. وعندما يُستخدم هذا المصطلح في غير موضعه، فإنه يفقد تأثيره. واليوم، يدق سفير إسرائيل السابق في فرنسا، إيلي بارنافي، ناقوس الخطر في مقال بليغ. كما يطالب مسؤولون إسرائيليون سابقون في مجال الأمن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالضغط على بلدهم لوقف الحرب في غزة. ولم تتردد منظمتان إسرائيليتان [بتسيلم وأطباء من أجل حقوق الإنسان] في وصف ما يجري بأنه إبادة جماعية.

وشدد سفراء فرنسا سابقا على أن أمن إسرائيل وحقها غير القابل للجدل في الدفاع عن نفسها قد يسببان التباساً. لكن إسرائيل تهدد أمنها وأمن المنطقة من خلال إنكارها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ومن خلال تدخلاتها في سوريا ولبنان، وببعض التصريحات حول “إسرائيل الكبرى”. وحده السلام العادل والدائم – كما جاء في خطة السلام التي أقرها جميع العرب عام 2002 – يمكن أن يضمن الأمن للجميع.

وكما أن الدعوة إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس هي واجب أخلاقي وسياسي، فإن المطالبة بإنهاء الحصار الإسرائيلي الذي يبقي سكان غزة سجناء منذ عام 2007 هي واجب مماثل، يقول الموقعون على المقال، معتبرين أنه من الضروري أيضا وقف الاستيطان في الضفة الغربية والحفاظ على الوضع القائم في القدس. فتصويت الكنيست مؤخراً على ضم الضفة الغربية والقرار المعلن باحتلال غزة في 7 أغسطس من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يشكلان تحدياً جديداً للقانون الدولي. ومهما كانت عيوب تطبيق هذا القانون، فإنه يظل عنصراً للاستقرار. أما تقويضه وتراجعه، الواضح خلال العامين الماضيين، فيحمل عواقب خطيرة على المدى البعيد بالنسبة للسلام في العالم، بل ولأوضاع دول مثل فرنسا.

وقال الدبلوماسيون سابقًا إنه كي تلعب فرنسا دوراً حقيقياً، يجب عليها – إلى جانب الخطوة الإيجابية التي أطلقها الرئيس ماكرون – العودة إلى الدفاع عن القانون الدولي في القضايا الرمزية في الشرق الأوسط، بما يساهم في إعادة بناء نظام دولي تقوّضه أزمة ثقة. ويجب أن تقوم الحكومة الفرنسية بهذه الخطوة مع شركائها في الاتحاد الأوروبي والدول المتقاربة، من أجل: الوقف الفوري للحرب، مع إطلاق سراح الرهائن، ووقف الاستيطان (وكل الواردات القادمة من المستوطنات)، والإسراع في توزيع المساعدات الإنسانية عبر الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)؛ وتعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ما دامت هذه الدولة لا تحترم المادة 2 المتعلقة بحقوق الإنسان؛ ووقف كل إمدادات السلاح لإسرائيل؛ و المطالبة بالسماح لوسائل الإعلام الدولية بدخول غزة؛ ودعم المحكمة الجنائية الدولية دون تحفظ؛ ومنع دخول السيد نتنياهو والمسؤولين المدنيين والعسكريين الذين يدعمون الانتهاكات أو يروجون للتطهير العرقي أو يشنون حملات عدائية ضد بلدنا؛ واستقبال الضحايا الأكثر تضرراً من غزة في فرنسا؛ ومحاكمة المواطنين الفرنسيين الذين ارتكبوا انتهاكات في غزة والضفة الغربية؛ ووقف الملاحقات ضد منتقدي السياسة الإسرائيلية، بعيداً عن أي تبرير للإرهاب أو معاداة السامية.

واعتبر الموقعون على المقال أن تطبيق هذه الإجراءات المستوحاة من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف ونظام روما، هو السبيل الوحيد لإعادة صوت فرنسا ودورها في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية.

“القدس العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب