مقالات

سوريا ما بعد التغيير إلى أين؟ بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين حسن الدياب.-استاذ جامعي -دمشق –

بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين حسن الدياب.-استاذ جامعي -دمشق -

سوريا ما بعد التغيير إلى أين؟
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين حسن الدياب.-استاذ جامعي -دمشق –
في توجهاتها لرؤية مستقبلية لسوريا ما بعد التغيير،لابد أن تكون هذه التوجهات مسكونة ومصحوبة بالخيال المستقبلي،وماله من لحظة مستقبلية،تعيد نفسها المرة تلو المرّة،كلما توفرت عوامل وجودها وحضورها وولادتها.والتوجهات في قراءة سيرورة الحياة السورية مابعد التغيير،الذي أنجزته مجموعات مسلحة،توصف بالحهادية التي أخذت وعداً على نفسها محاربة الأسد،حتى إسقاط مكوناته وآلياته،وفي مقدمتها ذراعه العسكري،الذي أنهكه القتل والتدمير والفساد والانقسامات،التي تختبئ في ظل قسوةً أمنية متوحشة.
وهذه المجموعات بينها قواسم مشتركة،تعود في جُبلّتها الدينية إلى الإسلام ،في ظلّ تنوع اجتهاداتها وشرحها وتأويلها لللعقيدة الإسلامية.وفي ظل  هذا التعدد والتنوع،سنكون أمام تنوع في العصبيات والولاءات والانتماءات،وستكون هذه العصبيات متحدة مرّة ومنقسمة متخاصمة،وإذا أخذنا في الاعتبار  بنية هذه المنظمات ،في لحظة تكونها،في ساحات المغالبة والمقاتلة،والكر والفر،ستكون بنية قبلية،حاملة لخصائص القبيلة،بمعنى المناصرة،آلذي يؤسس لقرابة فكرية مستندة،إلى ثقافة القربى العقائدية،بحيث تقول لنا هذه القربى إنها مسكونة بعصبية الانقسام،حسب مستويات القربى،والمنظمات القتالية مختلفة المشارب،ومتنوعة الثقافات،وما لهذا التنوع منً وظائف في الالتحام والانقسام،في المناصرة،وفي الولاءات والانتماءات.
والبنية القبلية للمنظمات،شأنها شأن أي تكوين،متحالفة ومنقسمة،فالتحالف يقوى خلال وجود قوى خارجية يهدد بنيانها،ويضعف في حالة عدم وجود قوة معادية.وهذا ما معناه،إذا قرأناه من خلال نظرية ابن خلدون في موضوع صراع العصبيات،فسنجد كل فصيل يتحد مع نفسه، في حال صراع مستويات القربى،ويعدّ العدة لمجابهة الفصيل الآخر،إذا تنوعت الاجتهادات والمواقف،وتنوعت معها الولاءات والانتماءات،بما هي مسكونة فيه عصبيات القربى.ويعلمنا تاريخ المنظمات والحركات،في الوطن العربي،إنها ذاهبة في عصبياتها،نحو الوحدة والانقسام،وفق جدل مستويات القربى.كما نراها داخل البناء الاجتماعي العربي وفي مستوياته البنائية المختلفة،من جهوية ووطنية وعربية.التوجهات نحو سيرورة الحياة السورية،في أعقاب التغيير الذي قامت به المنظمات القتالية الجهادية،إذا أملى علينا المقاربة من موضوع بنية هذه المنظمات،وعصبيات القربى التي توحدها،وتقسمها مستويات القربى الفكرية والعقائدية والتنظمية،يملي علينا التحرك في هذه التوجهات،من خلال ظواهر يمكن اعتبارها مؤشرات تدلنا،إلى أين تمضي بنا هذه الحياة السورية،التي يقودها التحالف القائم بين هذه المنظمات،في ضوء ما أشرنا إليه،مما يجمعها ويفرقها من عصبيات عقائدية فكرية،يطرح علينا أن نأخذ وقائع عدة لأنّ فيها مؤشرات ومشاهد حمالة للفروض،تواجد بما أطلقنا عليه الخيال المستقبلي،ولحظاته المستقبلية الولادة للحظات مستقبلية جديدة.*
وهذه الظواهر المؤشرات نراها في الآتي:
1-بما أقدمت عليه القوى المغيرة،من إجراءات تعكس طريقة تفكيرها،ومعاني التغيير في هذه الإجراءات من المدة الزمنية للفترة الانتقالية،ومنصب الرئيس وصلاحياته،وبنية تكوين الجيش السوري والوزراء،ومن في معيتهم من مسؤولين ومحافظين وقضاة ورؤساء جامعات…إلخ
2-الحوادث التي حرت ووقعت في الساحل وجرمانا ومن بعد الكنيسة،ومن ثم السويداء،وما تخللها كلها من سلوكيات،تنبئ بأن الحياة السورية،حمالة لتحديات جهوية وفكرية وسلوكية،تهدد وحدتها الاجتماعية والمجتمعية،وأن يذهب التنوع الثقافي الذي عرفت به الشخصية الاجتماعية السورية،إلى تنوع جهوي إثني عرقي طائفي.وفي هذه الحالة من التحول في التنوع الثقافي كما عرفته الحياة السورية،إلى التنوعات سالفة الذكر،فإننا أمام حياة سورية قائمة على المغالبة الثقافية،والجهوية والطائفية التي تزيل بدورها الدولة الوطنية،والحياة المدنية القائمة على مبدأ المواطنة والوطنية السورية .
الخيال المستقبلي،ولحظته المستقبلة،يطرح السؤال الآتي،لم شاء قدر سوريا أن تعيش هذه الحالة الوطنية،وتقصد بالقدر العوامل والأسباب الموضوعية والذاتية،هل لأن دورها القومي ،فرض عليها المجابهة في معركة المصير العربي المشتركة،فأخذتها الصهيونية بحساباتها،التي تخطط أن يكون الوطن العربي،على الصورة التي تريدها الصهيونية العالمية،يوم كان الشارع العربي المناضل،يحسبها قلب العروبة النابض،
الذي يقود سوريا في معركة الدور الحضاري.فخطط لإجهاض هذا الدور،يوم أقدمت سوريا على التلاقي مع القاهرة،بداية البدايات نحو الوحدة العربية ،فجاء الانفصال مؤسساً لمصادرة الدور القومي لسوريا،ثم جاء  الثامن من آذار،الذي ولد مشروعها باغتيال عدنان المالكي.لتكمل هذه المهمة لكن بلباس،حزب البعث العربي من قاعدة تراها الصهيونية بإنّ هذا الحزب الذي انطلقت بداياته من سوريا قلب العروبة النابض،حزباً للامة العربية.يحب أن تحسب نهايته في حساباتها ليكون الوطن على الصورة التي يريد كيانها على منوالها.
وتظل هذه المقدمات،وحاملها الخيال المستقبلي بلحظته المستقبلية ،إلى أين تمضي سوريا،غداة التغيير الذي قامت به الكتائب المسلحة،على اختلاف عناوينها وعصبياتها ووازعها ونوازعها؟
 ان الجمهورية العربية السورية،في رهانها لاسترداد دورها القومي قلب العروبة النابض يجب أن تستعيده بوطن تعزز وحدته الاجتماعية،تنوعها الثقافي الذي يعتبر المحدد الرئيس لوحدتها الوطنية،،ولشخصيتها الاجتماعية،التنوع الثقافي الذي يغني هذه الشخصية،والمواطنة مدنية،التي تقوم جبلّتها على مبدأ
الكفاءة،وقوة الانتماء لدورها القومي العربي،لأنّ العروبة في هذه الحالة الوطنية،تشمل الجامع الأقوى للتنوع الثقافي الخلاق،الذي رأيناه في مجلس النواب السوري الذي يأتي باختيار الشعب السوري،ورئيس جمهورية ينتخب دورياً من قبل الشعب،أو مجلسه النيابي،وبجيش عربي سوري،يتلاقى في بنيانه العسكري التنوع الثقافي السوري،ليكون جيش المهماتالوطنية العربية بامتياز.
ويطرح الخيال المستقبلي نفسه من خلال لحظة مستقبلية تقول لن تنجح سوريا في إعادة ترتيب بيتها الجهوي والوطني، إلاّ  اذا استعادت قوى التغيير دورها المحسوب على مبدأ المواطنة فالوطنية السورية عصمتها في تنوعها الثقافي الذي عرفت به تاريخياً*.والعودة الميمونة إلى هذا التنوع كمحدد للوحدة الوطنية السورية،وواحدة من علاماتها”كلمن على دينوا الله يعينوا”
*العلاقة بين عروبة جغرافية سورية،وبين دورها القومي العربي،وليد إبداع كونها قلب العروبة النابض
*القربى عن ابن خلدون ،ليست قربى الدم،وإنما قربى الفكر والعقيدة والنادي والمهنة والمعرفة.
د-عزالدين حسن الدياب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب